الجمعة، 19 يوليو 2019

مجهولون في الأرض، معروفون في السماء


الجمعة 19 يوليو 2019م

خاطرة الجمعة /١٩٦
(مجهولون في الأرض، معروفون في السماء)

كتب أحدهم يقول: دُعيتُ مرةً لحفل تكريمٍ لي في إحدى الدول، وأراد المكرِّمون أن يكون التكريم في المسجد بعدما أخطب لهم الجمعة، وكان من بين الحضور بعض الوجهاء ونوابٌ من البرلمان وغيرهم من عِلية القوم يجلسون في الصف الأول. بعد انتهاء صلاة الجمعة وقف الإمام وقال: "سيكون التكريم اليوم جديداً من نوعه؛ لن يُسَلِّم الهدية اليوم نائبٌ من البرلمان، ولا وجيهٌ من الوجهاء، سيسلمها رجلٌ آخر لا نعرفه لكن الله يعلمه!"، ثم نادى وقال: "فليقم أول من دخل المسجد!"، تلفت الناس كلهم يُمنةً ويُسرةً، ثم فوجئوا برجلٍ مغمورٍ من بين الناس يقوم خجلاً، ويمشي على استحياءٍ نحو الإمام، الذي طلب منه أن يسلمني هدية التكريم، سلمني الرجل هديتي ثم عاد إلى مكانه تتبعه الأبصار والقلوب على السواء.
يقول الكاتب: هذا المشهد البسيط يختزل مشهد الآخرة بامتياز؛ رجلٌ مغمورٌ لا يعرفه أحدٌ، ومشاهير يجلسون في الصفوف الأولى يعرفهم كل أحدٍ، لكن لما كان الاختيار على حسب مطالب الآخرة لا الدنيا؛ قام المغمورون وقعد المشهورون، ففي ميزان الله يسبق المغمور الصالح، ويتأخر المشهور الأقل منه صلاحاً؛ ففي الحديث الشريف: [إِنَّهُ لَيأتِي الرَّجُلُ السَّمِينُ العظِيمُ يَوْمَ الْقِيامةِ لا يزنُ عِنْد اللَّه جنَاحَ بعُوضَةٍ]. اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾. إن الشرف الحقيقي هناك لا هنا، وإن الوجاهة وجاهة الآخرة قبل الدنيا، وإن يوم القيامة يوم المفاجآت، وإن الأسماء اللامعة في الدنيا ليس شرطاً أن تلمع في الآخرة، وإن كثيراً من الذين نظنهم منسيين أو خاملي الذكر اليوم ستشنف أسماؤهم سمع أهل المحشر يوم يُعاد ترتيب الأسماء؛ إنهم (مجهولون في الأرض، معروفون في السماء).

أحبتي في الله .. يُذكر أن عجوزاً ماتت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت تَقُمُّ المسجد - أي تنظفه وتطيّبه - ما كان أكثر المسلمين يعرفونها أو يعرفون اسمها، لكن لعلّها كانت صاحبة شأنٍ بين أهل السّماء؛ ماتت فصلّى عليها النّاس ودفنوها، ولم يُؤْذِنُوا بها النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فلمّا علم بوفاتها بعد أيامٍ عاتب أصحابه وقال لهم: [أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي]، ثمّ ذهب إلى قبرها فصلى عليها. أيّ مكانةٍ هذه التي حازتها تلك المرأة في السّماء حتّى يُؤمر خاتم الأنبياء بأن ينطلق إلى قبرها ليصلّي عليها ويجزل لها الدّعاء! ما ضرّها أنّ أهل الأرض اختلفوا في اسمها، ما دامت قد كانت معروفةً في السّماء.
وذكر أهل السِيَر أنّ مسلمة بن عبد الملك القائد المسلم المعروف، حاصر في بعض فتوحاته حصناً من الحصون، فاستعصى فتحه على المسلمين، ولقوا جراء ذلك مشقةً كبيرةً، فلما كان اللّيل تقدم جنديٌ ملثمٌ وألقى بنفسه على الحصن، واحتمل ما احتمل من الخطر، وأحدث في الحصن نقباً كان سبباً في تيسّر فتحه بعد ذلك. عقب الفتح نادى مسلمة في جنوده: "أين صاحب النقب؟"، فلم يجبه منهم أحدٌ، كرّرها مراراً فلم يجبه أحدٌ، فقال مسلمة: "عزمت على صاحب النقب أن يأتي للقائي في الوقت الذي يختاره"، فلمّا كان اللّيل أتاه رجلٌ ملثّمٌ فقال له: "أنا أعرف صاحب النّقب، وأدلّكم عليه بشروطٍ ثلاثة؛ ألا تبعثوا باسمه في صحيفةٍ إلى الخليفة، وألا تأمروا له بشيءٍ جزاء ما صنع، وألا تسألوه من هو"، فقال مسلمة: "له ذلك، أين هو؟"، فأجاب الجندي الملثم: "أنا صاحب النقب أيها الأمير"، ثم سارع بالخروج، من دون أن يكشف عن وجهه أو يعرفه أحدٌ. وظلّ مجهولاً لم يُعرف بين أهل الأرض، لكن يكفيه أنه كان معروفاً في السّماء، حتّى أنّ القائد المظفّر مسلمة بن عبد الملك صار بعد ذلك لا يصلي صلاةً إلا قال في دعائها: “اللهمّ اجعلني مع صاحب النّقب يوم القيامة”.
وذكر ابن كثير في تاريخه أنّ السائب بن الأقرع قدم على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يبشره بنصر المسلمين في معركة نهاوند ضدّ الفرس في السّنة 21 هـ، فسأله عمر عن قتلى المسلمين، فعدَّ فلاناً وفلاناً من أعيان الناس وأشرافهم، ثم قال لعمر: وآخرون من أفناد الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين؛ فجعل عمر يبكي ويقول: “وما ضرهم ألا يعرفهم أمير المؤمنين؟! لكن الله يعرفهم، وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر؟”.
هؤلاء وأمثالهم هم بحقٍ (مجهولون في الأرض، معروفون في السماء)، وصفهم العارفون بأنهم لا يأبهون إن كان لهم نصيبٌ من الدنيا أم لم يكن، لا يطمعون في مالٍ أو جاهٍ، لا يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، غناهم في قلوبهم، يكتفون بالرضا، والقليل من الزاد، إلا إن زادهم الحقيقي هو ذكر الله، وموطنهم الأصلي هو السماء، ليست الدنيا هي موطنهم، إنهم الأتقياء الذين يعيشون في الدنيا بأجسادهم بينما أرواحهم معلقةٌ بالآخرة، يرون فيها حياتهم ومماتهم وخلودهم، يرون الحُلم في أسمى معانيه حينما يكونون بعيدين عن أنظار الناس، غلبت قلوبهم شهوات أنفسهم، وتوطنت بداخلهم لذة العبودية، واستبدلت لذة المعصية؛ فكانوا جند الله في الأرض، مصلحين مستغفرين، ليس عليهم سيماء سوى أثر الباقيات الصالحات، مجهولون في الأرض لا يأبه لهم الناس، فلكأنهم في شفافيتهم ونقائهم سكان السماء، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. إنهم يتقنون فن إشباع القلب بالإيمان، ويُبدعون في أعمالهم إغاظةً للشيطان، بينما هم سائرون خطوةً بخطوةٍ على سبيل قائدهم عليه الصلاة والسلام حين قال: [كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ]. ربّما لا يعرفهم ولا يتحدّث عنهم ولا يهتمّ بهم أحدٌ، لكنّهم مشهورون في الملأ الأعلى عند الله وبين ملائكته؛ فكم من مشهورٍ في الأرض مجهولٍ في السماء، وكم من مجهولٍ في الأرض معروفٍ في السماء.
الشّهرة في السّماء شهرةٌ يحظى صاحبها بالقُرب والرّضا والذّكر عند الله، فيعيش دنياه مرتاح البال قرير العين هانيها، يجعل الله له من كل ضيقٍ فرجاً، ومن كلّ همٍّ مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، دعاؤه مُجابٌ، وأمله مُنالٌ، ما أن يرفع يديه إلى السّماء ويدعو ربّه، حتى تقول الملائكة: صوتٌ معروفٌ من عبدٍ معروف.
صدق من قال: "لو رأيتَ مقامات الناس في الآخرة ستفاجأ بأناسٍ درجاتهم سابقةٌ ولا أحد يعرفهم؛ إنهم الأتقياء الأخفياء".
وصدق من كتب: "هنيئاً لخفِي العمل؛ هناك أناسٌ يعيشون معنا في الأرض، وأملاكهم في السماء عظيمةٌ؛ قصورهم تُبنى، وبساتينهم تُزرع، فأكثروا من الخبايا تغنموا".

يقول أهل العلم ‏أن الشهرةَ الحقيقية هي التي تكون في السماء، ومن أعظم أسبابها كثرة ذكر الله، قال الله في الحديث القدسي: {أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعهُ إِذَا ذَكَرَني، فَإن ذَكرَني في نَفْسهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفسي، وإنْ ذَكَرَني في ملإٍ، ذكَرتُهُ في ملإٍ خَيْرٍ منْهُمْ}.
فإن لم تكن ذاكراً الله في نفسك أو في ملأٍ، فكُن ممن يغشون مجالس تلاوة وتدارس كتاب الله في بيتٍ من بيوته تحظى بالشهرة التي لا تضارعها شهرةٌ؛ قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: [مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ].
هل تعي معنى أن يذكرك الله سبحانه وتعالى في نفسه؟
هل تدرك معنى أن يذكرك الله سبحانه وتعالى في ملأ السماء؟
هل تستوعب معنى أن تنزل عليك السكينة؟
هل تتصور معنى أن تغشاك الرحمة؟
هل تفهم معنى أن تحفك الملائكة؟
هل تعقل حجم الشرف الذي تحظى به عندما تكونُ مشهوراً في السماء؟
إنه ذلك الفضلُ الذي لا يصفه لفظٌ، ولا يُعَبِّر عن شكره بحقٍ إلا سجود القلب.

أحبتي .. أختم بعباراتٍ طيبةٍ كتبها أحد الصالحين، قال فيها: أخي المؤمن؛ لا تهتمّ بالشّهرة بين النّاس وفي هذه الدّنيا الفانية وعلى ظهر هذه الأرض، اهتمّ بما يقوله عنك ربّ العزّة جلّ وعلا، اهتمّ بمقامك في الملأ الأعلى، اهتمّ بما يقوله عنك الملائكة المقرّبون، جاهد نفسك على إخلاص أقوالك وأعمالك وأحوالك لله، واحرص على إخفاء ما يمكنك إخفاءه منها. اجعل بينك وبين الله أسراراً من الأعمال والأقوال والأحوال الصّالحة لا يطّلع عليها إلا الله. لا تهتمّ بما يقوله عنك النّاس. احرص على الإخلاص، وتأكّد من أنّ الله لن يضيّع عملك. الدّنيا شأنها حقيرٌ والعمر قصيرٌ، لكنّه يطول بالنية الصّالحة الصّادقة. ازرع الخير مهما رأيته هيّناً وقليلاً، ولا تنتظر شكراً من أحد. انتظر جزاءك من الله. ازرع الخير في زوجتك وأبنائك وفي أصدقائك وجيرانك بكلماتك ومواقفك، وكن على يقينٍ بأنّه سيثمر يوماً ما بإذن الله؛ يقول الحقّ جلّ وعلا: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنَّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾.
اللهم اجعلنا من عبادك الذين هم (مجهولون في الأرض، معروفون في السماء). تجاوز عن تقصيرنا، وأعنَّا على الإكثار من ذِكرك في أنفسنا، وفي مجالس الذِكر وتلاوة وتدارس القرآن في المساجد، وتقبل منا أعمالنا خالصةً لوجهك الكريم.

http://bit.ly/30HmTvM

الجمعة، 12 يوليو 2019

الدعوة إلى الله


الجمعة 12 يوليو 2019م

خاطرة الجمعة /١٩٥
(الدعوة إلى الله)

تحت عنوان "البريطاني إدريس توفيق، قسٌ تحوّل إلى داعيةٍ إسلاميٍ على يد طفلٍ مصريٍ" نشرت إحدى الصحف هذه القصة الواقعية:
كان قساً كاثوليكياً في الفاتيكان لا يعرف عن الإسلام إلا ما تقدمه له وسائل الإعلام الغربية من أن هذا الدين هو دين العنف والإرهاب في العالم، وساقته الأقدار للسفر من بلده في إنجلترا إلى المنطقة العربية ليعود منها مسلماً بل وداعيةً إسلامياً. يقول إدريس توفيق: أول معرفةٍ لي بالإسلام لم تكن من خلال الكتب أو الصحف أو متابعة وسائل الإعلام الإسلامية وكثرة الاطلاع على العلوم الإسلامية، لكن كانت بداية تعرفي على هذا الدين الحنيف من خلال خطوةٍ عمليةٍ بدأت عن طريق طفلٍ مصريٍ صغيرٍ لا يزيد عمره على 12 عاماً يعمل ماسح أحذيةٍ بميدان رمسيس بالقاهرة؛ فعندما وقفتُ أمامه ليقوم بمسح حذائي نظر إلى وجهي بابتسامةٍ طفوليةٍ وقال لي: "السلام عليكم"، فلفت نظري هذا التعبير بشدةٍ وأنا مواطنٌ غربيٌ كل معلوماته عن الإسلام أنه دين عنفٍ وإرهابٍ وتعصبٍ، كما تروج له وسائل الإعلام الغربية. وقتها سألتُ نفسي ما هو هذا الدين الذي تبدأ تحيته بالسلام؟ ولماذا يسعى الغرب إلى تشويهه في أذهان أبنائه؟ وبعد هذا اللقاء مع الطفل الصغير بدأتُ رحلتي الحقيقية في البحث عن حقيقة الإسلام، وكأن الله عزَّ وجلَّ سخَّر لي هذا الطفل ليكون سبباً رئيسياً ومباشراً في اعتناقي للإسلام، وتحولي لأحد المدافعين والمنافحين عنه، بل والداعين له في أوروبا والعالم، وأنا أعتبر أن هذا الطفل سيُثاب ثواباً كبيراً عني، وعن كل من اعتنق الإسلام على يدي، لمجرد أنه ابتسم في وجهي وحياني بتحية الإسلام، ونقل لي صورةً حقيقيةً عن سماحة الإسلام في يومٍ من الأيام. ومِن هذا الطفل تعلمتُ أننا كمسلمين يجب أن يكون أفضل ما لدينا في (الدعوة إلى الله) أن نكون أول من نطبق صحيح الإسلام على أنفسنا قبل دعوة الآخرين إليه، ونتعامل مع الآخر كما أراد الإسلام. قبل اعتناقي للإسلام كنتُ قساً كاثوليكياً درستُ الكهنوت في روما، واليوم أحاول أن أضع رؤيتي وخبرتي أمام غير المسلمين لأساعد على تصحيح صورة الإسلام لديهم، وأيضاً للمسلمين الأوروبيين خاصةً الذين لديهم بعض القناعات الزائفة عن الإسلام لكي يعودوا مسلمين صحيحي الإسلام والعقيدة.

أحبتي في الله .. يقول الله سبحانه وتعالى في وصف هؤلاء الذين أنار الله بصيرتهم فعادوا إلى دين الفطرة، إلى دين الإسلام، أنهم على نورٍ من ربهم: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدرَهُ لِلإِسلامِ فَهُوَ عَلى نورٍ مِن رَبِّهِ فَوَيلٌ لِلقاسِيَةِ قُلوبُهُم مِن ذِكرِ اللَّهِ أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبينٍ﴾.
ومن بين الذين شرح الله صدورهم للإسلام الشيخ يوسف أستيس، الذي أسلم في عام 1991م، وصار من أشهر رجال (الدعوة إلى الله) في الغرب.
يقول الشيخ يوسف عن قصة إسلامه: بدأتُ بالدراسة الكنسية أو اللاهوتية عندما اكتشفتُ أني لا أعلم كثيراً عن ديني، وبدأتُ أسأل أسئلةً دون أن أجد أجوبةً مناسبةً لها، فدرستُ حتى صرتُ واعظاً وداعياً من دعاة النصرانية، وكذلك كان والدي، وكنا بالإضافة إلى ذلك نعمل بالتجارة في الأنظمة الموسيقية وبيعها للكنائس، وكنتُ أكره الإسلام والمسلمين؛ حيث أن الصورة المشوهة التي وصلتني وارتسمت في ذهني عن المسلمين أنهم أناسٌ وثنيون لا يؤمنون بالله ويعبدون صندوقاً أسوداً في الصحراء، وأنهم همجيون وإرهابيون يقتلون من يخالف معتقدهم. ذات يومٍ أخبرني والدي إنه سيأتي إلينا رجلٌ من مصر قد نقيم معه تجارةً في مجال بيع السلع المختلفة؛ ففرحتُ في نفسي وقلتُ: سوف نتوسع في تجارتنا، وتصبح تجارةً دوليةً تمتد إلى أرض ذلك الضخم أعني "أبي الهول"! ثم قال لي والدي: لكنني أريد أن أخبرك أن هذا الرجل الذي سيأتينا مسلمٌ، وهو رجل أعمال. فقلتُ منزعجاً: مسلمٌ!! لا، لن أتقابل معه. أصرّ والدي على رأيه بأن أقابل ذلك المصري المسلم؛ فلما حضر موعد اللقاء لبستُ قبعةً مكتوباً عليها "عيسى هو الرب" وعلقتُ صليباً كبيراً في حزامي، وأمسكتُ بنسخةٍ من الكتاب المقدس في يدي، وحضرتُ إلى طاولة اللقاء بهذه الصورة، ثم تطرقنا في الحديث عن ديانته، وتهجمتُ على الإسلام والمسلمين حسب الصورة المشوهة التي كانت لدي، وكان هو هادئاً جداً وامتص حماسي واندفاعي ببرودته، ثم دعاه والدي للإقامة عندنا في المنزل، وكان المنزل يحويني أنا وزوجتي ووالدي ثم جاء هذا المصري، واستضفنا كذلك قسيساً آخر لكنه يتبع المذهب الكاثوليكي؛ فصرنا نحن الخمسة؛ أربعةٌ من علماء ودعاة النصارى: أنا وكنتُ درستُ الإنجيل والمذاهب النصرانية واخترتُ بعضاً منها أثناء حياتي وانتهيتُ إلى حصولي على شهادة الدكتوراة في العلوم اللاهوتية، ووالدي من المذهب البروتستانتي وكان قد قرأ الإنجيل منذ صغره وصار داعياً ذا منصبٍ معترفٍ به في الكنيسة، ومعنا قسيسٌ كاثوليكي له خبرة 12 عاماً في الدعوة في الأمريكيتين، وزوجتي وكانت من مذهب الإنجيليين الجدد الذي له ميولٌ صهيونيةٌ، ومسلمٌ مصريٌ عاميٌ. كنا نحن النصارى في البيت يحمل كلٌ منا نسخةً مختلفةً من الكتاب المقدس، ونتناقش عن الاختلافات في العقيدة النصرانية وفي الأناجيل المختلفة على مائدةٍ مستديرةٍ، والمسلم يجلس معنا ويتعجب من اختلاف كتبنا؛ فسألنا المسلم المصري - وكان اسمه محمد -: كم نسخةً مختلفةً من القرآن عندكم؟ فقال: ليس لدينا إلا نسخةٌ واحدةٌ، والقرآن موجودٌ كما أُنزل بلغته العربية منذ أكثر من 1400 سنة، لم يتغير أبداً، وقد حُفِظَ في صدور الكثير من الناس، وأنه على مدى قرونٍ فإن الملايين قد حفظوه تماماً، وعلَّموه لمن بعدهم. فنزل هذا الجواب علينا كالصاعقة!
هكذا بدأنا الحوار معه، ولعلَّ ما أثار إعجابي أثناء الحوار أن محمداً لم يتعرض للتجريح أو التهجم على معتقداتنا أو إنجيلنا وأشخاصنا، وظل الجميع مرتاحين لحديثه. ولما أردتُ دعوته للنصرانية، قال لي بكل هدوءٍ ورجاحة عقل: إذا أثبتَّ لي أن النصرانية أحق من الإسلام سأتبعك إلى دينك الذي تدعو إليه. فقلتُ له: متفقين؛ فسأل محمدٌ: أين الأدلة التي تثبت أفضلية دينكم وأحقيته؟ قلتُ: نحن لا نؤمن بالأدلة، ولكن بالإحساس والمشاعر. قال محمدٌ: ليس كافياً أن يكون الإيمان بالإحساس والمشاعر، والإسلام فيه الدلائل والمعجزات التي تثبت أن الدين عند الله الإسلام. فطلبتُ هذه الدلائل، فقال محمدٌ: إن أول هذه الأدلة هو كتاب الله سبحانه وتعالى - القرآن الكريم - الذي لم يطرأ عليه تغييرٌ أو تحريفٌ منذ نزوله، وهذا القرآن يحفظه كثيرٌ من الناس، ولا يوجد أي كتابٍ في العالم على وجه الأرض يحفظه الناس، كما يحفظ المسلمون القرآن الكريم من أوَّله لآخره؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، وهذا الدليل كافٍ لإثبات أن الدين عند الله الإسلام. سألنا الأخ محمد: ما هو اعتقادكم في الإله في الإسلام؟ فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيمِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾، تلاها بالعربية ثم ترجم لنا معانيها، وكأن صوته حين تلاها بالعربية دخل إلى قلبي، ولا يزال صوته يرن صداه في أذني ولاأزال أتذكره، أما معناها فلا يوجد أوضح ولا أفضل ولا أقوى ولا أوجز ولا أشمل منه إطلاقاً. فكان هذا الأمر مثل المفاجأة القوية لنا، مع ما كنا نعيش فيه من ضلالاتٍ وتناقضاتٍ في هذا الشأن وغيره. منذ ذلك الحين بدأتُ البحث عن الأدلة الكافية، التي تثبت أن الإسلام هو الدين الصحيح، وذلك لمدة ثلاثة أشهرٍ بحثاً مستمراً. بعد هذه الفترة وجدتُ في الكتاب المقدس أن العقيدة الصحيحة التي ينتمي إليها سيدنا عيسى عليه السلام هي التوحيد، وأنني لم أجد فيه أن الإله ثلاثةٌ كما يدَّعون، ووجدتُ أن عيسى عبد الله ورسوله وليس إلهاً، مثله كمثل الأنبياء جميعاً جاء يدعو إلى توحيد الله عزَّ وجلَّ، وأن الأديان السماوية لم تختلف حول ذات الله سبحانه وتعالى، وكلُّها يدعو إلى العقيدة الثابتة بأنه لا إله إلا الله، ولقد علمتُ أن الإسلام جاء ليختم الرسالات السماوية ويكملها، ويُخرج الناس من حياة الشرك إلى التوحيد والإيمان بالله تعالى، وأن دخولي في الإسلام سوف يكون إكمالاً لإيماني بأن عيسى هو عبد الله ورسوله، وأنه كان يدعو إلى الإيمان بالله وحده. ثم وجدتُ أن الله سبحانه وتعالى تحدَّى الكفار بالقرآن الكريم أن يأتوا بمثله، أو يأتوا بآياتٍ مثله، فعجزوا عن ذلك. وأيضاً من المعجزات التي رأيتُها، والتي تثبت أن الدين عند الله الإسلام التنبؤات المستقبلية التي تنبأ بها القرآن الكريم مثل: ﴿الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾.
وفي أحد الأيام طلب القسيس الكاثوليكي من الأخ محمد أن يصطحبه معه ليرى صلاة المسلمين في المسجد، فأخذه معه وذهب به إلى أحد المراكز الإسلامية، فرأى وضوء المسلمين وصلاتهم، وبقي ينظر إليهم، ولما عاد القسيس توجهنا بسؤالنا له: أي أنواع الموسيقى يستخدمونها أثناء الصلاة؟ فقال: ولا واحدة. فقلنا متعجبين: يعبدون ربهم ويصلون بدون موسيقى؟! فقال القسيس: نعم، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأعلن إسلامه. فقلتُ له: لماذا أسلمتَ؟ أأنت متيقنٌ مما تفعله؟ قلتُ له ذلك وأنا في نفسي أتمنى لو أني كنتُ أسلمتُ قبله حتى لا يسبقني لما هو أفضل! وصعدتُ أنا وزوجتي إلى الأعلى، فقالت لي: أظن أني لن أستمر بعلاقتي معك طويلاً. فقلتُ لها: لماذا؟ هل تظنين أني سأسلم؟ قالت: لا، بل لأني أنا التي سوف تسلم! فقلتُ لها: وأنا أيضاً في الحقيقة أريد أن أُسلم. قال: فخرجتُ من باب البيت، وخررتُ على الأرض ساجداً تجاه القبلة، وقلتُ: يا إلهي اهدني. وشعرتُ مباشرةً بانشراح صدري للإسلام، ثم دخلتُ البيت وأعلنتُ إسلامي.
كان أبي أكثر تحفظاً، انتظر أشهراً قبل أن ينطق بالشهادتين، كما أسلم أولادي، والحمد للّه الذي جعلنا مسلمين. الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا من أمة محمدٍ خير الأنام.
يقول يوسف: تعلَّق قلبي بحب الإسلام وحب الوحدانية والإيمان باللّه تعالى، وأصبحتُ أغار على الدين الإسلامي أشد من غيرتي من ذي قبل على النصرانية، وبدأت رحلة الدعوة إلى الإسلام وتقديم الصورة النقية، التي عرفتُها عن الدين الإسلامي، الذي هو دين السماحة والخُلق، ودين العطف والرحمة.
ويقول: أرى أن إسلامنا جميعاً كان بفضل الله، ثم بالقدوة الحسنة في ذلك المسلم الذي كان حسن (الدعوة إلى الله) وكان قبل ذلك حسن التعامل، وكما يقال عندنا: "لا تقل لي، ولكن أرني".

يقول أهل العلم أن الله سبحانه وتعالى رغّب في القرآن الكريم إلى الدّعوة ونشر رسالة الإسلام؛ فقد جعل خيريّة أمّة الإسلام على باقي الأمم مرتبطةً بقيامها بواجب الدّعوة إلى الله تعالى، بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنّكر، قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾، ووصف تعالى الدّعاة الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنّكر بأنّهم مفلحون؛ قال الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، كما وصف عزّ وجلّ قول الدّعاة بأنّه أحسن الأقوال؛ حيث قال: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، وبيَّن طرق الدعوة عند التعامل مع غير المسلمين؛ قال سبحانه وتعالي: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ﴾ أي أن الدعوة إلى الله لا تكون إلا بالخُلق الحسن والمعاملة الطيبة؛ فعندما سُئلت السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ". هذه هي الأخلاق التي ينبغي أن نكون عليها تأسياً برسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.
وفي السُنّة النبويّة حثنا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على أن ندعو غير المسلمين للإسلام؛ بقوله: [لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم]. وبيَّن عليه الصلاة والسلام أنّ أجر الدّاعية مستمرٌ ما دام المدعوّ يعمل بما دعاه إليه الدّاعية؛ حيث قال: [مَن دعا إلى هدىً، كانَ لَهُ منَ الأجرِ مثلُ أجورِ منِ اتَّبعَهُ، لا ينقُصُ ذلِكَ من أجورِهِم شيئًا].

أحبتي في الله .. واجبٌ على كل مسلمٍ منا أن يكون مثالاً حياً لتعاليم الإسلام، بأخلاقه وسلوكه وتعاملاته؛ فغير المسلمين يحكمون على الإسلام من خلال ما يرون من المسلمين؛ فلنكن خير سفراء لديننا الحنيف حتى نكسب ثواب (الدعوة إلى الله) ودخول الناس في الإسلام.
اللهم اهدنا، واهدِ بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/32laoHX

الجمعة، 5 يوليو 2019

إنهم يحركون الوتد

الجمعة 5 يوليو 2019م

خاطرة الجمعة /١٩٤
(إنهم يحركون الوتد)

تقول الأسطورة أنه في ذات يومٍ أراد إبليس الرحيل من موقعٍ كان يسكن فيه مع أبنائه، فرأى أحد أولاده خيمةً فقال: "لا أُغادرن حتى أفعلن بهم الأفاعيل"، فذهب إلى الخيمة فوجد بقرةً مربوطةً بوتدٍ، ووجد امرأةً تحلب هذه البقرة، فقام فحرك الوتد؛ فخافت البقرة وهاجت، فانقلب الحليب على الأرض، فغضبت المرأة، فدفعت البقرة بشدةٍ؛ فسقطت البقرة وماتت، فجاء زوجها فرأى البقرة وقد ماتت، فضرب زوجته وطلقها؛ فجاء قومها فضربوه؛ فجاء قومه فاقتتلوا واشتبكوا. تعجب إبليس فسأل ولده: "ويحك ما الذي فعلت"؟! قال: "لا شيء، فقط حركت الوتد"!

وهكذا يظن أغلب الناس أنهم لا يفعلون شيئاً، وهم لا يعلمون أن بضع كلماتٍ فقط في الأُذن تُسمى وشايةً، وهي وقيعةٌ بين الناس تقلب الحال رأساً على عقبٍ، تُسبب الخلاف، وتُشعل المشاكل، وتقطع الأرحام، وتشحن الأجواء، وتخطف الفرحة، وتقضي على البهجة، وتكسر القلوب، ثم يظنون أنهم لم يفعلوا شيئاً؛ إنهم فقط قد حركوا الوتد!

أحبتي في الله .. إنها الوقيعة بين الناس، حيث يحدث (إنهم يحركون الوتد) فتقع المشاكل في الأُسر والعائلات، وبين الجيران، وبين الأصدقاء، وبين الزملاء في العمل!
نادراً ما يتم تحريك الوتد بغير قصدٍ، وكثيراً ما يكون تحريكه عن سبق إصرارٍ وترصدٍ وترقبٍ وتخطيط! إنها النفس الإنسانية الأمارة بالسوء التي تميل للشر وتجنح للإيذاء والتخريب. ولا عجب في أن يكون لمن يحرك الوتد قصدٌ وتكون له مصلحةٌ فيما خطط له، لكن العجيب أن تجد أشخاصاً يحركون الوتد وهم لن يستفيدوا شيئاً من وراء ذلك؛ هؤلاء الذين يحبون الشر للشر ذاته!

لقد حرص الإسلام على تهذيب اللسان وما يتبعه من جوارح فقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾، كما حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على حفظ ألسنتنا فقال: [مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ]، وقال عليه الصلاة والسلام: [الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: [كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ، إِلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرًا لِلَّهِ]، وقال عليه الصلاة والسلام: [مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنُ لَهُ الْجَنَّةَ]. فالنمام خائنٌ - ولو كان صادقاً - يستهين بالتعاليم الربانية التي ذَمَّت وتوعدت كل ﴿هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَميمٍ﴾؛ ففي الحديث الصحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال: [إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرِ إِثْمٍ؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ]. وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم من ينقل كلام الناس قصد الإفساد بينهم، فقال: [لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّام]. وقال عليه الصلاة والسلام: [مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ].

يقول أهل العلم أن من أكبر المصائب التي يمكن أن تصيب أي مجتمعٍ بشرىٍ هو وجود تلك الفئة المتخصصة في إثارة المشاكل، والتعرض لأعراض الناس وخصوصياتهم وأمورهم الشخصية، فترى الذي يُصاب بهذه الآفة الخطيرة والمؤذية من الناس يتحول إلى إنسانٍ فاجرٍ بكل ما لهذه الكلمة من معنىً؛ فهو ينتهك كل المحرمات، ويعتدي على الناس الذين لا يتوافقون مع أفكاره، وكم من الأمثلة والشواهد التي نراها في حياتنا اليومية؛ فنرى مثلاً أناساً شرفاء كريمي النفس والخلق يتعرضون للأذى والنيل من سمعتهم وكرامتهم من آخرين أقل ما يُقال عنهم أنهم باعوا ضمائرهم وكرامتهم للشيطان؛ فتحولوا إلى كائناتٍ تحركهم النزوات وشهوة الانتقام والثأر المزعوم من أولئك الشرفاء الكرام. إن للظلم والعدوان على الآخرين - ولو بالإساءة المتعمدة إلى سمعتهم وكرامتهم - نهايةً مهما طال الأمد، وليتذكر الإنسان أن الله تعالى يراقب كل الأعمال، فهل يتذكر الأشرار والحاقدون من مثيري الفتن هذا الأمر أم لا؟! إن الفتنة نائمةٌ لعن الله من يريد إيقاظها، يكفيه أن حسابه سيكون عند ربٍ عزيزٍ ذي انتقام.
إن أكثر الوشاة يحاولون تزيين أقوالهم للوقيعة، وكأنهم يحاولون المحافظة على المعنى اللُغوي للفعل الذي اُشتقت منه الوشاية؛ لأن وَّشِيَ الثوب معناه طرَّزه وحلَّاه وحَسَّنه، فالواشون يستخدمون من أساليبهم الخسيسة ما يُحسِّنون به بضاعتهم السيئة الرديئة ومساعيهم المسمومة للدسِّ والخديعة، ويجعلون من ألسنتهم أداةً طَيِّعةً لمآربهم الدنيئة التي توعز الصدور وتُباعد بين الناس في مختلف مجالات الحياة، إنهم يوقعون بين الناس، (إنهم يحركون الوتد)!
فكم من كلمةٍ سيِّئةٍ أو خاطئةٍ أحدثَتْ بين قبيلةٍ أو جماعةٍ مُتَآلِفةٍ أعظمَ ممَّا تُحدثه النار في الحطب اليابس.
إن شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هذا بوجهٍ، وهذا بوجهٍ، وينقل كلام هذا لذاك على سبيل الإفساد بينهما، وقد يتقوّل على أحدهما ما لم يقل، فيجمع بين النميمة والبهتان؛ فنجد الواشي ساعياً بالغيبة والنميمة محاولاً الوقيعة بين الأصدقاء والإخوان، فلا يرتاح له بال، ولا يطمئن له حال، إلا إذا قطع الأوصال، وفرَّق بين الناس؛ فإذا بالصداقة تصبح عداوةً، وإذا بالتفاهم والوِد يتحول إلى حقدٍ وبغضاء، والتقارب والتعارف يصير تباعداً ونُكرانا.

وعن الوشاية يقول الشاعر:
دعْ الوشاةَ وما قالوا وما نقلوا
بيني وبينكم ما ليس ينفصلُ
رسائلُ الشوقِ عندي لو بعثتُ بها
إليكم لم تسعها الطرقُ والسبلُ
يا غائبين وفي قلبي أشاهدهم
وكلما انفصلوا عن ناظري اتصلوا
وعن الواشي يقول الشاعر:
لئنْ كنتَ قد بُلِّغتَ عني خِيانَةً
لَمُبْلغُكَ الواشي أغَشُّ وأكذَبُ
ويقول المثل العربي: "من نقل إليك نقل عنك".

أحبتي .. إن مَنْ يسعون بالوشاية في حاجةٍ لأن يمسكوا ألسنتهم عن الوقيعة وبث الضغينة بين الناس، أمَّا من يسمعون لمن يسعى بالوشاية فليراجعوا أنفسهم ويتفهموا قول الحق تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾. ومن أروع ما قرأت عن مواجهة النميمة والوشاية والوقيعة بين الناس ما كان من عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - حين دخل عليه رجلٌ فذكر له عن رجلٍ شيئاً، فقال له عمر: "إن شئتَ نظرنا في أمرك، فإن كنتَ كاذباً فأنت من أهل هذه الآية ﴿إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾، وإن كنتَ صادقاً فأنت من أهل هذه الآية ﴿هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَميمٍ﴾، وإن شئتَ عفونا عنك. فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبداً.
اللهم لا تجعلنا ممن يُقال عنهم (إنهم يحركون الوتد)، واجعلنا ممن لا يستمعون للواشين، ولا ينقلون عنهم ما يقولون.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2XrqRXp

الجمعة، 28 يونيو 2019

ثق بربك ذي اللطف الخفي


الجمعة 28 يونيو 2019م

خاطرة الجمعة /١٩٣
(ثق بربك ذي اللطف الخفي)

تعطلت إحدى السفن التجارية وهي في البحر من كثرة الحمل الذي فيها فأصبحت مهددةً بالغرق، فاقترح ربانها أن يتم رمي بعض المتاع والبضاعة في البحر ليخفف الحمل عن السفينة؛ فأجمع ركابها - وكان جميعهم تجاراً -  على أن يتم رمي كامل بضاعة أحدهم بحجة أنها كثيرة، فاعترض التاجر على أن تُرمى بضاعته هو وحده، واقترح أن يُرمىَ قسمٌ من بضاعة كل تاجرٍ بالتساوي حتى تتوزع الخسارة على الكل ولا تصيب شخصاً واحداً فقط؛ فثار عليه باقي التجار، ولأنه كان تاجراً جديداً ومستضعفاً تآمروا عليه ورموه في البحر هو وبضاعته وأكملوا طريق سفرهم! أخذت الأمواج تتلاعب بالتاجر، وهو موقنٌ بالغرق وخائفٌ حتى أُغمي عليه، وعندما أفاق وجد أن الأمواج ألقت به على شاطئ جزيرةٍ مجهولةٍ ومهجورةٍ. ما كاد التاجر يفيق من إغمائه ويلتقط أنفاسه حتى جثا على ركبتيه رافعاً يديه نحو السماء متضرعاً إلى الله طالباً منه المعونة والمساعدة، سائلاً الله أن ينقذه من هذا الوضع الأليم. مرت عدة أيامٍ كان التاجر يقتات خلالها من ثمار الشجر وما يصطاده من أرانب، ويشرب من جدول مياهٍ قريبٍ، وينام في كوخ ٍصغيرٍ بناه من أعواد الشجر ليحتمي فيه من برد الليل وحر النهار. وذات يومٍ وبينما كان يطهو طعامه هبت ريحٌ قويةٌ حملت معها بعض أعواد الخشب المشتعلة، وفي غفلةٍ منه اشتعل كوخه، حاول إطفاء النار لكنه لم يستطع فقد التهمت النار الكوخ كله بما فيه. أخذ التاجر يصرخ: "لماذا يا رب؟ لقد رُميتُ في البحر ظلماً وخسرتُ بضاعتي؟ والآن حتى هذا الكوخ الذي يؤويني احترق و لم يتبقَ لي شيءٌ في هذه الدنيا، وأنا غريبٌ في هذا المكان. لماذا يا ربِ كل هذه المصائب تأتي عليّ؟". نام ليلته وهو جائعٌ وحزين، لكن في الصباح كانت هناك مفاجأةٌ بانتظاره، إذ وجد سفينةً تقترب من الجزيرة، ويُنزل قبطانها قارباً صغيراً لإنقاذه. وعندما صعد التاجر على سطح السفينة لم يصدق عينيه - من شدة الفرح - وسأل القبطان كيف وجدوه؟ وكيف عرفوا مكانه؟ فأجابه: "لقد رأينا دخاناً فعرفنا أن شخصاً ما يطلب النجدة فجئنا لإنقاذه"، وعندما أخبر القبطانَ بقصته وكيف أنه رُميَ هو وبضاعته من سفينة التجار ظلماً أخبره القبطان بأن سفينة التجار قد أغار عليها القراصنة وقتلوا كل من كان فيها وسلبوا بضاعتهم؛ فسجد التاجر يبكي ويقول: "الحمد لله يا رب، أمرك كله خير".
سبحان الحكيم الذي أنجاه من القتل واختار له الخير. سبحان مدبر الأمور كلها من حيث لا ندري، ومن حيث لا نعلم.
إذا ساءت ظروفك فلا تخف؛ (ثق بربك ذي اللطف الخفي).



ويُحكى أن أرملةً كانت تعيش مع أبنائها الصغار وحيدةً في منزلٍ بسيطٍ آيلٍ للسقوط في إحدى القرى، لم يكن لديها مُعينٌ ولا مساعدٌ سوى الله عزَّ وجلَّ، وهو خير معين. كانت تهتم بأبنائها وتقدم لهم الرعاية والحنان والأمان والعطف، وكانت مؤمنةً صابرةً راضيةً بقضاء الله وقدره. ذات يومٍ شتويٍ شديد البرودة، وحينما حل الليل والأطفال نيامٌ، اشتدت الرياح وزادت الأمطار وكاد المنزل أن يسقط وينهار، ظلت الأم مستيقظةً طوال الليل خوفاً على أطفالها الصغار الذين اختبأوا في أحضانها للاحتماء من البرد القارس، في هذه اللحظة قامت الأم وأحضرت ورقةً صغيرةً كتبت فيها بعض الكلمات ثم وضعتَها في شق الحائط وأخفتها عن أنظار الأطفال. كان طفلها الأكبر مستيقظاً يراقب ما تفعله أمه دون أن تدري، فرآها وهي تضع شيئاً ما في شق الحائط. مرت السنوات وتغير حال الأسرة؛ كبر الأطفال وأصبحوا رجالاً أشداء أتقياء، وتركوا بيتهم القديم في القرية وانتقلوا إلى منزلٍ كبيرٍ في المدينة، تُوفيت بعد ذلك أمهم، وبعد انتهاء أيام العزاء، اجتمع الأبناء وأخذ كلٌ منهم يحكي ذكرياته الرائعة مع أمه الحنون، فجأةً تذكر أخوهم الأكبر أن أمه كانت قد وضعت شيئاً ما ذات ليلةٍ في شقٍ بحائط منزلهم القديم، أخبر إخوته بالأمر، وعلى الفور ذهبوا جميعاً إلى القرية باحثين عن الشيء الذي أخفته أمهم، نظر الابن إلى الحائط، والتقط الحجر الذي يغلق فتحة الشق، عندها وجد ورقةً بداخل الشق، سحبها فإذا بالمنزل يهتز بقوةٍ، خاف الأبناء أن يسقط البيت عليهم فخرجوا منه مسرعين، وبالفعل سقط المنزل بعد دقائق معدودة. حل الصمت بين الإخوة، ثم تحول إلى دهشةٍ وتعجبٍ علا وجوه الجميع حين فتح أحد الإخوة الورقة وقرأ ما بها بصوتٍ مرتفعٍ، لم تكن الورقة تحتوي إلا على بضع كلماتٍ بسيطةٍ هي: "اصمد بإذن رَبِك"!
ما أعظم تلك العبارة، وما أروع تلك المرأة، وما أصدق إيمانها. بكى الأبناء بحرارةٍ على أمهم التقية التي كانت شديدة الثقة بالله عزَّ وجلَّ وبلطفه الخفي.

أحبتي في الله .. يبين العلماء أن الثقة بالله سبحانه وتعالى تظهر واضحةً جليةً في قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ حَسبَكَ اللَّهُ﴾، وفي قوله: ﴿وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُ﴾. إن الثقة بالله تكون باليقين الكامل بأنه هو وحده سبحانه وتعالى القادر على تفريج المحن والكربات، فالحياة مليئةٌ بالهموم والمشاكل التي لا يعلمها إلّا الله جلَّ في علاه، فإن صفت الحياة يوماً كدرت أياماً وتنغصت، وإن أضحكتنا الحياة ساعةً فإنها تبكينا أياماً، وهكذا فالحياة متقلبةٌ، ولا تدوم على حالٍ واحدٍ، وكلنا يعلم أن هذه البلايا لا يزيلها إلّا الله، ولذلك فالمسلم على ثقةٍ دائمةٍ بربه أنه لا بد من أن يأتي يومٌ تنتهي فيه كل الكروب والمشاكل، وتُفرج الهموم بعد الضيق والشدة. كما أن الثقة بالله تكون من خلال قطع التعلق بالعباد، فهم لا يملكون لأنفسهم، ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً. والثقة بالله في كل الأوقات تُظهر حقيقة اليقين بالله عزَّ وجلَّ في أحلك المواقف وأشدها، وكذلك في أكثر المواقف ضيقاً واجتماعاً للكربات والمحن والبلايا؛ وهذا ينبع من كون المسلم على أملٍ ورجاءٍ كبيرٍ بربه، فهو على يقينٍ دائمٍ بأن الخير فيما يختاره الله له، ولو كان هذا الخير خافياً عليه أو حتى لو كان يرى فيه شراً له، وهو يقول لنفسه ولمن حوله في كل موقف شدةٍ أو كرب: (ثق بربك ذي اللطف الخفي).

وهذه ثقة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بالله سبحانه وتعالى حين أُلقي في النار فقال: "حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"، وحين ترك أهله بوادٍ غير ذي زرعٍ، وحين أمره الله بذبح ابنه إسماعيل.
وهذه أم سيدنا موسى - عليه السلام -لولا كمال ثقتها بالله ما ألقت برضيعها وفلذة كبدها في اليم.
وهذا نبي الله موسى - عليه السلام - عاش حياته كلها واثقاً بالله؛ حتى عندما فرَّ ومن معه من المؤمنين، وتبعهم فرعون وجنوده، وتَراءَى الجمعان ﴿قالَ أَصحابُ موسى إِنّا لَمُدرَكونَ﴾، رد عليهم واثقاً بالله قائلاً: ﴿كَلّا إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهدينِ﴾.
وهذه ثقة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالله، عندما خاف أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أن يُصاب النبي بأذىً وهما في الغار؛ فرد عليه بلسان الواثق بالله: ﴿لا تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنا﴾.
وهذه ثقة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بالله حين قال لهم النّاسُ إِنَّ النّاسَ قد جمعوا لكُم فاخشوهم ﴿فَزادَهُم إيمانًا وَقالوا حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكيلُ﴾.

عن الثقة بالله يقول الشاعر:
للهِ في الخلقِ ما اختارت مشيئتُهُ
ما الخيرُ إلا الذي اختارهُ اللهُ
إذا قضى اللهُ فاستسلم لقدرتِه
ما لامريءٍ حيلةٌ فيما قَضىَ اللهُ
تجري الأمورُ بأسبابٍ لها عِلَلٌ
تجري الأمورُ على ما قَدَّرَ اللهُ
إنَّ الأمورَ وإنْ ضاقت لها فرَجٌ
كم مِن أمورٍ شِدادٍ فَرَّج اللهُ
إذا اُبتليتَ فثقْ باللهِ وارضَ به
إنَّ الذي يكشفُ البلوىَ هو اللهُ
يا صاحبَ الْهَمِ إنَّ الْهَمَ مُنفَرجٌ
أبشر بخيرٍ فإنَّ الفاتحَ اللهُ
واللهِ مَالَكَ غيرُ اللهِ مِن أحَدٍ
ولا يُصيبُك إلا ما قَضَىَ اللهُ
الْيأْسُ يقطعُ أحياناً بصاحبِه
لا تيْأَسَنَ فإن الصانعَ اللهُ
اللهُ لي عُدةٌ في كلِ نائبةٍ
أقولُ في كُل حَالٍ: حسبيَ اللهُ
ثُم الصلاةُ على المُختارِ ما تُليَتْ
في مُحْكَم الذِكْرِ قدْماً "قُل هُو اللهُ"
والآلُ والصحْبُ ما طَابت حياتُهُمُ
ثُم اسْتقَامُواْ فقالوا: رَبُنا اللهُ

أحبتي .. إنها الثقة بالله بغير حدودٍ؛ يقول أحد العارفين بالله أنه قد يظن البعض منا بشيءٍ شراً فإذا هو خيرٌ، لقصر النظر وعدم معرفة الغيب: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾، وقال تعالى: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾، وهذه سُنة الله التي لا تجد لها تبديلاً ولا تجد لها تغييراً: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾؛ لذلك أخي المسلم (ثق بربك وبلطفه الخفي)، وقوِ صلتك به، واعتمد عليه وتوكل عليه، واطلب منه القوة والمدد؛ فهو سبحانه وتعالى مالك القوة جميعاً، وهو الذي يمنح أسبابها من يشاء، ولا يجري في الكون إلا ما يريد، ولا يجري شيءٌ ولا يقع إلا لحكمةٍ يريدها سبحانه.

اللهم اهدنا، وقوِ إيماننا، واجعلنا نثق فيك وفي حكمتك أكثر من ثقتنا في أنفسنا، ودبر لنا أحوالنا، واكتب لنا الخير حيثما كان، وقَدِّره لنا، ورضِّنا به، وارزقنا القناعة به، وحُسن شكرك عليه.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2X4fqow

الجمعة، 21 يونيو 2019

اختر لنفسك


الجمعة 21 يونيو 2019م

خاطرة الجمعة /١٩٢
(اختر لنفسك)

هل يغضب النحل لو أنتج الذباب عسلاً؟! كان هذا السؤال عنواناً لمشاركةٍ تلقيتها من صديقٍ لي يراسلني بواسطة برنامج واتس آب، أحببتُ أن تشاركوني إياها. إجابة السؤال هي: كلا، ولكن الذباب لم ولن يُنتج العسل. 
إن النحل والذباب يجمعهما تصنيفٌ علميٌ واحدٌ هو صنف الحشرات، ولكن الفرق بينهما أن النحل قد تلقى وحياً وتعاليم من السماء ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحلِ أَنِ اتَّخِذي مِنَ الجِبالِ بُيوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمّا يَعرِشونَ . ثُمَّ كُلي مِن كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسلُكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا﴾ وعندما التزم النحل بهذه التعاليم ونفذها أصبح يأكل أفضل ما في الطبيعة؛ رحيق الأزهار، ثم يُعطي أفضل الأطعمة العسل، ضمن نظامٍ مترابطٍ ومتماسكٍ ومنظمٍ؛ من الملكة إلى الحضانات إلى الجند الذين يحرسون الخلية إلى العاملات اللاتي تصنعن محاضن العسل إلى النحل الذي يجمع العسل. كما أنه يعيش في مجتمعاتٍ متعاونةٍ يؤدي كلٌ دوره فيها بصمتٍ وتفانٍ في العمل ضمن بيئةٍ نظيفةٍ.
أما الذباب فلم يتلقَ تعاليم سماويةً فبقي يأكل أسوأ ما في الطبيعة، ويعيش في البيئة القذرة، ولا يعطي إلا الأمراض، ويزعج الناس، ويعيش الذباب في مجتمعٍ مفككٍ ليس بينه أية رابطةٍ، تتصرف فيه كل ذبابةٍ لوحدها.
والنحل يعطي العسل الذي فيه شفاءٌ للناس ﴿يَخرُجُ مِن بُطونِها شَرابٌ مُختَلِفٌ أَلوانُهُ فيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ﴾، بينما الذباب يقوم بالنهب والسلب؛ يسلب بشكلٍ مزعجٍ ﴿وَإِن يَسلُبهُمُ الذُّبابُ شَيئًا﴾.
وفي ذلك عبرةٌ للناس؛ فالإنسان الذي يلتزم بتعاليم الله هو إنسانٌ أشبه ما يكون بالنحلة التي تعطي دوماً بلا كللٍ ولا ملل، أما المتمرد الفوضوي المزعج المستغل فتنطبق عليه حياة الذبابة؛ (اختر لنفسك) في أي مجتمعٍ تريد أن تعيش: مجتمع النحل أم مجتمع الذباب؟

وهؤلاء أفرادٌ من الناس اختاروا لأنفسهم أن يتحولوا إلى مجتمع النحل فانظر كيف تبدل حالهم؛ فحين فتح خالد بن الوليد - رضي الله عنه - بادية العراق وجد فيها كنيسةً تُسمى عين التمر فيها أربعون غلاماً يتعلمون الإنجيل ويتدارسونه لنشر النصرانية في الشرق، فأبقى عليهم ولم يدمر ولم يقتل، وكان بينهم ثلاثة: سيرين ويسار ونصير. بعد الفتح تعرف هؤلاء الثلاثة على الإسلام؛ فأسلم الأول وأنجب محمد بن سيرين الذي صار من أئمة التابعين في الحديث والفقه وتفسير الرؤى، وأسلم الثاني وأنجب أبو محمد إسحاق بن يسار صاحب كتاب السير والمغازي المعروف باسم سيرة ابن إسحاق، وأسلم الثالث وأنجب موسى بن نصير القائد الإسلامي الذي فتح الله على يديه الأندلس وشمال إفريقيا.
هؤلاء - وأمثالهم - اختاروا لأنفسهم أن يكونوا من مجتمع النحل الملتزم بتعاليم الله سبحانه وتعالى فأعانهم الله ووفقهم وأعلى شأنهم ويَسَّرَهُم الله لليسرى تحقيقاً لوعده: ﴿فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى . وَصَدَّقَ بِالحُسنى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرى﴾.

أحبتي في الله .. لا يستطيع الإنسان أن يختار لنفسه إلا بعد أن يقوم بمحاسبة نفسه، والمحاسبة المخلصة تكون نتيجةً للتأمل في مثل هذه الآيات القرآنية؛ يقول تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ . فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾، ويقول سبحانه: ﴿يوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾، ويقول عزَّ وجلَّ: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾، ويقول تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، ويبين لنا سبحانه المآل والمنتهى؛ فيقول: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى . وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾، كما يقول تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: [الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ] دان نفسه: أي حاسبها.
وورد في الأثر عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: "حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا، أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ".

وقال الشاعر في محاسبة النفس:
إِذَا ما قالَ لِي رَبّي
"أَمَا استَحْيَيْتَ تَعْصِيني؟
وَتُخْفي الذَّنْبَ عَنْ خَلْقِي
وبِالعِصِيانِ تَأتيني؟!"
فَكَيْفَ اُجيبُ يا وَيْحي!
وَمَنْ ذَا سَوْفَ يَحْمِيني؟
كَأَنّي قَدْ ضَمِنْتُ العَيْشَ
لَيْسَ الموْتُ يَأتِيني!
سَاُسْأَلُ مَا الذي قَدَّمْتُ
في دُنيايَ يُنْجيني
فَكَيْفَ إِجَابَتِي مِنْ بَعْدُ
ما فَرَّطتُ في دِيني
وَيَا وَيْحِي! أَلَمْ أَسْمَعْ
كلامَ اللهِ يَدْعُوني
أَلَمْ أَسْمَعْ بِيَوْمِ الحَشْرِ
يَوْمِ الجَمْعِ والدِّينِ
أَلَمْ أَسْمَعْ مَنادي المَوْتِ
يَدْعُونِي، يُنادِيني؟!

والناس يتفاوتون في مواقفهم من تعاليم الله ﴿إِنَّ سَعيَكُم لَشَتّى﴾، فهلا حاسبت نفسك؟ ما هو موقفك أنت؟ في أي مجتمعٍ تود أن تكون؟ (اختر لنفسك) هل أنت مسلم بطاقة، وُلدتَ مسلماً لأبوين مسلمين فأصبحت مسلماً بالتبعية، وتحسب نفسك مسلماً من غير التزام تعاليم ربك من صلاةٍ، وزكاةٍ، وحجٍ للبيت الحرام، وصدقاتٍ، وصلة رحمٍ، وصدقٍ، وأمانةٍ، ومعاملةٍ للناس بالحسنى؟
هل أنت ممن يتكاسلون عن الصلاة بحجة التعب والإرهاق أو ضيق الوقت، ثم هم أنشط ما يكونون إذا كان الأمر يتعلق برحلةٍ أو سهرةٍ، بل وتراهم يجدون كل الوقت لمتابعة مباراةٍ في كرة القدم، أو للانشغال بالفيس بوك والواتس آب وسناب شات ويوتيوب وغيرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟!
أم أنت من مجتمع النحل من الملتزمين بتعاليم الله؛ لا تفوتك صلاة جماعةٍ في مسجدٍ، تصلي بخشوعٍ الصلوات المفروضة والسنن الرواتب وغير الرواتب وتحرص على قيام الليل والتهجد وصلاوات النفل؟
هل أنت ممن يصوم رمضان عادةً وليس عبادةً، فيمتنع عن الأكل والشرب والجماع في النهار، ثم هو يلهو في المساء ما بين سهراتٍ وأفلامٍ ومسلسلاتٍ؟
أم أنك من مجتمع النحل ممن يصومون رمضان إيماناً واحتساباً؛ وتصوم صوم الخاصة فتمنع جوارحك كلها من الحرام، وتصوم تطوعاً الأيام البيض من كل شهرٍ هجريٍ، ويومي الإثنين والخميس من كل أسبوعٍ، وغير ذلك من صيام التطوع؟
هل أنت ممن يؤجل أداء فريضة الحج عاماً بعد عامٍ بزعم عدم توفر شرط الاستطاعة؛ فتقدم تجديد سيارتك أو تغيير منزلك أو شراء أثاثٍ جديدٍ على أداء الفريضة، زاعماً أنك لم تستطع للحج سبيلاً؛ فتمضي بك السنون سنةً بعد أخرى، وينقضي العمر ويحين الأجل ولم تحج حج الفريضة؟
أم أنت من مجتمع النحل الذين بادروا لأداء فريضة الحج حين توفرت الاستطاعة، أو ممن يخططون لأداء الفريضة ويعملون بإخلاص نيةٍ من أجل ادخار ما يعينهم على أدائها؟
حدد موقفك و(اختر لنفسك)؛ هل أنت ممن يتهربون من أداء حق الله في المال؛ زكاةً وصدقاتٍ وإنفاقاً في سبيل الله، بأية حجةٍ؛ كما لو كنت تقول بينك وبين نفسك: ﴿إِنَّما أوتيتُهُ عَلى عِلمٍ عِندي﴾؟
أم أنت من مجتمع النحل ممن يعرفون حق الله في المال الذي أنعم به عليهم فيخرجون زكاته، ويزيدون على الزكاة الصدقات للفقراء والمساكين، والإنفاق في جميع أوجه الخير؟
هل أنت ممن يقطعون صلة الرحم، ويسيئون إلى الجار، أو يكذبون على الناس، أو يخونون الأمانة، أو يأكلون أموال اليتامى، أو ممن يمنعون الماعون، أو يطففون في الميزان، أو يتجسسون على الناس أو يغتابونهم أو يبهتونهم ويفترون عليهم؟
أم أنت من مجتمع النحل ممن يلتزمون بحسن التعامل مع الغير - مسلمين وغير مسلمين - وفق ضوابط الشرع الحنيف وتعاليم الله سبحانه وتعالى؟
هل أنت ممن يهجرون القرآن، فيشتكي منهم الرسول ويقول: ﴿يا رَبِّ إِنَّ قَومِي اتَّخَذوا هذَا القُرآنَ مَهجورًا﴾؟ هل بعد هذا العمر الذي وصلتَ إليه لم تختم القرآن ولو مرةً واحدةً بتلاوةٍ فيها خشوعٌ وتدبر؟!
أم أنت من مجتمع النحل ممن يداومون على تلاوة القرآن يومياً فلا يهجروه، وممن وفقهم الله لحفظه أو حفظ ما تيسر منه؟
هل أنت ممن يركنون إلى الذين ظلموا، ينافقونهم ويُزَيِّنون لهم سوء أعمالهم، فيبيعون دينهم بِدُنْيا غيرهم وهم لا يشعرون؟
أم أنت من مجتمع النحل الذين أنار الله بصائرهم، فلم يُعينوا ظالماً على ظلمه، وإنما نصروا كل مظلومٍ، والتزموا سبيل الرشاد، لا يخافون لومة لائم ﴿يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾؟

أحبتي .. فليراجع كلٌ منا نفسه، ويزن جميع أعماله وتصرفاته بميزان الشرع، ويحاسب نفسه قبل أن يُحاسَب؛ فسنقف جميعاً بين يدي الله نُسأل عن كل صغيرةٍ وكبيرةٍ حتى يقول المجرمون المقصرون في حق الله البعيدون عن تعاليمه: ﴿يا وَيلَتَنا مالِ هذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إِلّا أَحصاها وَوَجَدوا ما عَمِلوا حاضِرًا وَلا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.
لتكن رسالتنا واضحةً لأنفسنا ولكل من نحب: صارح نفسك، وحدد موقفك بأمانة، (اختر لنفسك) طريق الصواب، الحياة الدنيا قصيرةٌ ولك فيها أن تختار أحد طريقين لا ثالث لهما؛ إما طريق الهدى والفلاح والنجاح ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقى﴾ فتكسب رضا الله سبحانه وتعالى وتكون من الفائزين في الدنيا والآخرة، أو طريق الكبر والغرور والإعراض ﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى﴾، فتخسر دنياك وآخرتك والعياذ بالله.
لا يغرنكم أحبتي طريق الباطل، ولو تزين بكل زينةٍ وازدان بكل ما يخطف الأنظار، لا يغرنكم ولو كثر رواده والماشون فيه والساعون إليه والمهرولون ليسلكوه. واسلكوا طريق الحق مهما بدا خالياً موحشاً لا يمشي فيه إلا القليل، واثبتوا عليه فهو الطريق المستقيم الذي ندعو الله في كل صلاةٍ أن يهدينا إليه حين نقرأ في فاتحة الكتاب ﴿اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ﴾.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم أنر بصائرنا لنختار لأنفسنا ما فيه خيرنا في الدنيا والآخرة، فنسلك الطريق المستقيم، مبتعدين عن مجتمع الذباب، مسارعين في الالتحاق بمجتمع النحل؛ نتبع تعاليم ربنا وشريعة ديننا الذي أكمله لنا وأتمم به علينا نعمته وارتضاه لنا دينا.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2WYUkfU