الجمعة، 12 أبريل 2019

الحياء من الإيمان


الجمعة 12 إبريل 2019م

خاطرة الجمعة /١٨٢
(الحياء من الإيمان)

لفت انتباهي وأنا أقرأ في أسباب نزول بعض آيات القرآن الكريم، سبب نزول الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾؛ فقد قيل في سبب نزولها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان مع ضيوفه عندما تزوج السيدة زينب بنت جحش بأمرٍ من الله، وصنع وليمة العرس لأصحابه ودعاهم إلى طعامه، فمكث بعض الصحابة بعد الفراغ من الطعام مستمتعين بوجود النبي، ولكن النبي يريد أن يقوم إلى زوجه المنتظرة داخل البيت، والنبي يستحيي أن يأمرهم بالانصراف؛ فخرج من البيت متعللاً بالمرور على باقي زوجاته للاطمئنان عليهن، ثم يعود لعل الضيوف يدركون إشارته اللطيفة، حين يترك المنزل، والحياء يمنع النبي أن يطلب منهم الانصراف. وبعد فترةٍ أدركوا وفطنوا أنهم يجب عليهم الانصراف فانصرفوا، فنزلت تلك الآية.

أحبتي في الله .. إنه خُلُق الحياء الذي  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عنه: [إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ]. وقال - عليه الصلاة والسلام - للرجل الذي استوصاه: [أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنْ قَوْمِكَ]. وهو الذي قال - صلى الله عليه وسلم - عنه ذات يومٍ لأصحابه: [استَـحيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ]. قالوا: إنا نستحي يا رسول الله. قال: [لَيسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاِستِحيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ: أَن تَحفَظَ الرَّأسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطنَ وَمَا حَوَى، وَلتَذكُرِ المَوتَ وَالبِلَى؛ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ، تَرَكَ زَينَةَ الدُّنيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ استَحيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ]. وحينما مر - صلى الله عليه وسلم - على رجلٍ وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول: إنك لتستحي. حتى كأنه يقول: قد أضرَّ بك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: [دَعْهُ، فإِنَّ الحياءَ مِنَ الإِيمانِ]. إنه خُلُق الحياء الذي قرنه - صلى الله عليه وسلم - بالإيمان فقال: [إِنَّ الْحَيَاءَ وَالْإِيمَانَ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ]. ‌هو الحياء الذي قال عنه - عليه الصلاة والسلام-: [مَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ].
كان النبي صلى الله عليه وسلم القدوة وكان هو المعلم الأول فأخذ عنه الصحابة الكرام والمسلمون الأوائل هذه الصفة الطيبة التي وصف الله سبحانه وتعالى بها نفسه ونبيه، وعلموا أن (الحياء من الإيمان) فعملوا بما علموا.
فهذا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – خطب مرةً فعرض لغلاء المهور، فقالت له امرأةٌ: أيعطينا الله وتمنعنا يا عمر؟ ألم يقل الله عز وجل: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾؛ فلم يمنعها الحياء أن تدافع عن حق النساء، ولم يمنع الحياء عمر أن يقول معتذراً: "كل الناس أفقه منك يا عمر".
وفي خطبةٍ أخرى له – رضي الله عنه – أمر بالسمع والطاعة، وكان عليه ثوبان، فقال أحد المسلمين: لا سمع ولا طاعة يا عمر؛ عليك ثوبان وعلينا ثوبٌ واحدٌ. فنادى عمر بأعلى صوته: "يا عبد الله بن عمر"؛ فأجابه ولده: لبيك يا أبتاه، فقال له: "أنشدك بالله أليس أحد ثوبيَّ هذين هو ثوبك أعطيتنيه؟"، قال: بلى والله. فقال الرجل: الآن نسمع ونطيع يا عمر؛ لم يمنع الحياء الرجل أن يقول ما قال، ولم يمنع عمر أن يعترف بحقيقة الثوب الثاني.
وخُلُق الحياء هو من أخلاق الفطرة السليمة، فكان صفةً لازمةً للأنبياء والرسل؛ فهذا سيدنا موسى – عليه السلام – وجد امرأتين من مدين تمنعان غنمهما عن ورود الماء، ولا يلتفت لهما أحدٌ، والأولى عند ذوي المروءة والفطرة السليمة أن تسقي المرأتان بأغنامهما أولاً وأن يفسح لهما الرجال؛ فتقدم للمرأتين ليسألهما عن أمرهما الغريب فأطلعتاه على السبب، إنه الحياء من مزاحمة الرجال، فالمرأة الحيية، عفيفة الروح، نظيفة القلب، لا تستريح لمزاحمة الرجال، فثارت نخوة موسى فتقدم وسقى لهما ثم تركهما. وجاءه الفرج عندما جاءته إحدى الفتاتين على استحياءٍ في غير ما تَبَذُّلٍ ولا تبرجٍ وفي هذا قال تعالى: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾.
يقول العلماء أننا إذا تأملنا في قوله تعالى: ﴿تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾؛ نجد أن الحياء وكأنه قد تمكن منها، وتمكنت منه، وهو تعبيرٌ قرآنيٌ يصور حالة المرأة وما هي عليه من أدبٍ جمٍ، وخُلُقٍ فاضلٍ، وسَمْتٍ كريمٍ، وأعظم ما في خُلُق المرأة حياؤها، وهكذا تكون المرأة المسلمة. ولبى موسى الدعوة، وقال لها: امشِ خلفي فإن أخطأتُ الطريق فأشيري إليه بحجرٍ تلقينه فيه، لأصحح المسار وأسلكه، حتى انتهى إلى بيت أبيها. وهكذا يكون الشاب المسلم حيياً ضابطاً إيقاع حياته كلها، سلوكياته وعلاقاته ومعاملاته، على قاعدة (الحياء من الإيمان).
وكان العرب - حتى في جاهليتهم - يؤثرون خُلُق الحياء على الكذب ولو كانت مصلحتهم ظاهرةً جليةً في أن يكذبوا! فهذا أحد صناديد كفار قريش أبو سفيان بن حربٍ يمنعه الحياء من الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ذهب ومعه بعض القريشيين إلى الشام للتجارة، فأرسل إليهم هرقل ملك الروم يطلب حضورهم، فلما جاءوا إليه قال لهم: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: أنا أقربهم نسباً، فقال هرقل: أدنوه مني واجعلوا أصحابه خلفه، ثم قال لهم: إني سائلٌ هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فقال أبو سفيان: لولا الحياء أن يروا عليَّ كذباً لكذبت. فأخذ هرقل يسأله عن صفات النبي ونسبه وأصحابه وأبو سفيان لا يقول إلا صدقاً حياءً!
وعن الحياء يقول أهل العلم أنه خُلُقٌ عظيمٌ يرفع من قدر المرء فيهذب نفسه، ويبعثها على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
إن من استحيا من الناس لا يفعل ما يخجله إذا عُرف منه أنه فعله، فكان من أعظم بركة الحياء من الناس تعويد النفس ركوب الخصال المحمودة ومجانبتها الخلال المذمومة وتلك حقيقة الإيمان، ومن استحى من الناس أن يروه بقبيحٍ دعاه ذلك إلى أن يكون حياؤه من ربه تعالى أشد فلا يضيع فريضةً ولا يرتكب خطيئةً، لأن المؤمن يعلم بأن الله يرى كل ما يفعله فيلزمه الحياء منه لعلمه بذلك وبأنه لابد أن يقرره على ما عمله فيخجل فيؤديه إلى ترك ما يخجل منه.
يقول الشاعر:
وَإِذَا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ فِي ظُلمَةٍ
وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَى الطُّغيَانِ
فَاستَحْيِ مِن نَظرِ الإِلَهِ وَقُل لَهَا
إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَرَانِي
وكان الفاروق عمر - رضي الله عنه - يقول: "مَن قَلَّ حَيَاؤُه قَلَّ وَرَعُهُ، ومَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ". ويقول أيضاً: "من استحيا استخفى، ومن استخفى اتقى، ومن اتقى وقي". وقال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -: "لَا خَيْرَ فِيْمَنْ لَا يَسْتَحِي مِنَ النَّاس". وقال الأصمعي - رحمه الله تعالى -: "مَنْ كَساهُ ثَوبُ الحيَاءِ، لم يَرَ النّاسُ عُيُوبَهُ". وقال الحسن - رضي الله عنه -: "أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه كان كاملاً، ومَن تعلّق بواحدةٍ منهنّ كان مِن صالحي قومه: دينٌ يُرشِدُه، وعقلٌ يُسَدِّدُهُ، وحَسَبٌ يَصُونهُ، وحَيَاءٌ يَقُودُهُ". وقال الحكماء: "القناعةُ دَليلُ الأمَانةِ، والأمَانةُ دَليلُ الشُّكرِ، والشُّكرُ دَلِيلُ الزّيادةِ، والزّيادةُ دليلُ بقاءِ النّعمةِ، والحياءُ دَليلُ الخَيرِ كُلِّهِ".

أحبتي .. صدق من قال:
وَرُبَّ قَبِيْحَةٍ مَا حَالَ بَينِي
وَبَيْنَ رُكُوْبِهَا إِلَّا الحَيَاءُ
فَكَانَ هُوَ الدَّوَاءَ لَهَا وَلَكِنْ
إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ فَلَا دَوَاءُ
فلنتمسك جميعنا - رجالاً ونساءً - بخُلُق الحياء، نمارسه في كل موقفٍ ممكنٍ، ونعلمه أبناءنا، موقنين بأن (الحياء من الإيمان)، ولا نسير وراء من يقول أن الحياء هو سمةٌ قاصرةٌ على النساء دون الرجال.
اللهم زَيِّنَا بزينة الحياء، واجعلنا اللهم ممن يستحي منك سبحانك سراً وجهراً.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2Za9DAa

الجمعة، 5 أبريل 2019

سهم إبليس


الجمعة 5 إبريل 2019م

خاطرة الجمعة /١٨١
(سهم إبليس)

شابٌ عربيٌ كان يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، ركب ذات يومٍ مع مجموعةٍ من الناس المصعد إلى طابقٍ مرتفعٍ في إحدى ناطحات السحاب. نزل جميع الأشخاص في طوابق مختلفة وبقيَ هذا الشاب وحده إلى جانب فتاةٍ أمريكيةٍ جميلةٍ جداً تلبس لباساً متبرجاً كباقي النساء في الولايات المتحدة الأمريكية، لما وجدت أنها بقيت لوحدها مع الشاب شعرت بالخوف منه لكنها لاحظت أن الشاب لم يحاول أن يتحرش بها بل ويتحاشى أن ينظر إليها؛ فبقيت متعجبةً لاستمراره في عدم النظر إليها، استغربت كثيراً لذلك. عندما وصل المصعد إلى الطابق الذي يريد الشاب النزول فيه غادر المصعد، ونزلت معه الشابة ثم أوقفته وسألته: "ألست جميلةً؟"، قال: "لا أدري؛ أنا لم أنظر إليك"، قالت: "كنا وحدنا في المصعد ولم تحاول أن تتحرش بي، حتى أنك لم تنظر إليّ؛ لماذا؟"، قال: "أعوذ بالله؛ إني أخاف الله"، فقالت: "أين الله هذا الذي تخشاه وتخافه إلى هذه الدرجة؟ أدينك هو الذي يمنعك من التحرش بي أو النظر إليّ؟"، قال: "نعم"، فقالت له: "أتقبل أن تتزوجني؟"، قال: "أنا مسلمٌ، ما دينك أنت؟"، قالت: "لست مسلمةً، هل تتزوجني إذا دخلت دينك هذا؟"، فقال: "نعم"، قالت: "ماذا أفعل كي أكون مسلمة؟".
شرح لها الشاب المسلم التقي كيفية اعتناقها الإسلام، وقيل إنه بعد زواجه منها فتح الله عليه أوسع أبواب الرزق.
لقد جعل الله هذا الشاب سبباً في إسلامها وهدايتها بعملٍ لم يكن ليخطر على باله أبداً؛ فقط بغض بصره عما حرم الله، واتقائه (سهم إبليس).

وعلى العكس؛ هذا شابٌ آخر ينظر دائماً إلى الفتيات، فتقدم إلى شيخٍ وسأله: "أي شيخ، إني شابٌ صغيرٌ ورغباتي كثيرةٌ ولا أستطيع منع نفسي من النظر إلى الفتيات في الأسواق فماذا أفعل؟"، رد الشيخ بتجربةٍ عمليةٍ؛ أعطى هذا الشاب كوباً من الحليب وأوصى أحد تلامذته أن يرافقه، وقال للتلميذ اذهب معه إلى المكان الفلاني مروراً بالسوق الفلاني وإذا انسكبت قطرةٌ من الحليب على الأرض اضربه بقوةٍ أمام الناس ولا ترحمه. مضى الشاب إلى وجهته حتى أوصل الكأس دون أن ينسكب منه شيءٌ، ثم عاد فسأله الشيخ: "كم فتاةً رأيت في السوق؟"، أجاب الشاب: "واللهِ ما كنتُ أرى إلا أن ينسكب شيءٌ من الحليب فيضربني مرافقي أمام الناس، وهذا ذلٌ وخزيٌ لي أمامهم فكان تركيزي كله على الكأس"، قال له الشيخ: "كذلك حال المؤمن؛ إنه دائم التركيز على الآخرة وذلها وخزيها، وبمراقبته لله عزَّ وجلَّ في سكناته وحركاته يجتنب ما يغضب الجبار فينشغل بما ينفعه ويكون من الفائزين بإذن الله".

أحبتي في الله .. إنه غض البصر؛ قال عنه الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ﴾، وسبب نزول هذه الآية أنّ رجلاً - على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - مرّ في طريقٍ من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأةٍ ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجاباً، فبينما الرجل يمشي إلى جنب حائطٍ، وهو ينظر إليها، إذ استقبله الحائط فشقّ أنفه، فقال: واللهِ لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أمري، فأتاه، فقصّ عليه قصته، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: [هذا عُقُوبَةُ ذَنْبِك]، وأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ﴾. يقول العلماء عن هذه الآية أن الله يأمر نبيه أن يحث المؤمنين على أن يغضوا أبصارهم عمّا لا يحل، ويحفظوا فروجهم عن المحرمات، ويبيّن لهم أن ذلك أطهر لأخلاقهم. ونلحظ هنا أن الله تعالى قد جعل الأمر بغض البصر مقدماً على حفظ الفرج، لأن كل الحوادث مبدؤها من النظر؛ قال الشاعر:
كلُّ الحَوادِثِ مَبدَأُها من النظَرِ
ومُعظمُ النارِ من مُستَصغرِ الشررِ
كم نظرةٍ فتكَت في قلبِ صاحبِها
فَتكَ السِّهامِ بلا قوسٍ ولا وتر
والعبدُ مادامَ ذا عينٍ يقلِّبُها
في أعيُنِ الغيدِ موقوفٌ على الخطرِ
يسُرُّ مُقلَته ما ضرَّ مهجتَه
لا مرحباً بسرورٍ عادَ بالضررِ

يقول أهل العلم إنَّ إطلاق البصر في الحرام هو (سهم إبليس)؛ فمن أطلق بصره في الحرام جرّه ذلك إلى أنواع الفواحش؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: [إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ]؛ فالنظرةُ تولِّدُ خَطْرةً، والخطرةُ تولد فِكرةً، والفِكرةُ تولِّد شهوةً، والشهوةُ تولد إرادةً، ثم تشتدّ الإرادةُ فتصيرُ عزيمةً جارفةً؛ فيقعُ الفِعلُ ما لم يمنع من ذلك مانعٌ؛ فالصبر على غضِّ البصر أيسرُ من الصبر على ألم ما بعدَه. لقد جعل الله سبحانه وتعالى في الرجالِ شهوةً تجاه النساء، وهي تعلو شهوةَ النساء في النظر إلى الرجال، لذا أمر الله النساء بالحجابِ وأمرهُنَّ بسترِ الزينةِ ولم يأمر الرجال بذلك؛ لأن الداعي في قلبِ الرجل بنظرهِ للمرأةِ أقوى من الداعي في قلب المرأةِ بنظرها للرجل، وعندما ينظر الرجل إلى أيّ امرأةٍ سواءً كانت مسلمةً أو كافرةً أو صالحةً أو فاجرةً فإنّ الشيطانَ يثيرُ في قلبهِ ويوسوسُ والحلُّ هو غضُّ البصر؛ ومع ذلك فإن غض البصر ليس قاصراً على الرجال فقط، فالنساء كذلك مأموراتٌ بغض البصر؛ قال الله عز وجل: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾.

وعندما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوسِ في الطرُقات، قال الصحابة: يا رسول الله هيَ مجالسُنا ما لنا منها بُدٌّ نتحدثُ فيها، قال عليه الصلاةُ والسلام: [إنْ أبَيتُم إلّا ذلك فأعطوا الطريقَ حقَّهُ]، قالوا: وما حقُّ الطريق؟ قال: [غَضُّ البَصَرِ، وكَفُّ الأذَى، ورَدُّ السَلامِ].

وقد يسير الإنسان في طريقٍ أو يكون في مكانٍ فيقع بصره على ما حرم الله تعالى بغير قصدٍ منه، وهذا ما يُسمى بنظرة الفجاءة، والواجب في هذه الحالة أن يصرف الإنسان بصره؛ قال أحد الصحابة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفُجاءةِ؛ فأمرني أن أصرفَ بصري. وقال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: [يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ]؛ فالنظرة الأولى الواقعة دون قصدٍ أنت غيرُ مؤاخذٍ عليها لأنك لم تتعمد، لكنَّ النظرة التي بعدها أنت مؤاخذٌ عليها، فحذَّره أن يُتبع النظرة النظرة. وهذا الخطاب لعليٍ رضي الله عنه، مع علمه عليه الصلاة والسلام بزهد عليٍ وورعه، فما بال الواحد منا يطيل النظر ويدعي الأمن من الفتنة ويظن أنه قادرٌ على أن يعصم نفسه من (سهم إبليس)!

قيل في تفسير قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ هو الرجلُ يكونُ في القومِ فتمُرُّ بهم المرأةَ فيُريهم أنَّه يغُضُّ بصرَه عنها، فإذا انشغلوا عنهُ رفعَ بصرَه فنظرَ إليها، وقد اطلع الله سبحانه وتعالى من قلبه أنه وَدَّ لو ينظرُ إليها.

وقالوا عن عواقبِ النظرِ الحرامِ أنه يحرِمُ المرءَ من العلم؛ فهذا أحدُ طُلابِ وكيعٍ القاضي نظر يوماً إلى امرأةٍ حسناءَ فتتبَّعها ببصرِه ثم انصرف، فلاحظَ أنَّ فهمَه وحِفظهُ تشتّتَ؛ فاشتكى أمرَه إلى وكيعٍ، فقال له: غُضَّ بصرَك عن الحرام.
 فقال هذا الطالبُ، ويُقال إنه الإمام الشافعي:
شكوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حِفظي
فأرشَدني إلى تَركِ المعاصي
وأخبَرني بأنَّ العِلمَ نورٌ
ونورُ اللهِ لا يُؤتاهُ عاصي

أما من غضَّ بصره عن محاسن امرأةٍ وهو قادرٌ على أن ينظر إليها أورَثَه اللهُ إيماناً يجدُ حلاوتَه في قلبه. ومن حفظ بصره أورثه الله نوراً في بصيرته. وقيل إن غض البصر يخلص القلب من ألم الحسرة، ويورثه نوراً وإشراقاً يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، ويزيده سروراً وفرحةً وانشراحاً ولذةً أعظم من اللذة التي تحصل بالنظر؛ فلذة العفة أعظم من لذة الذنب. وغض البصر يقوي العقل ويزيده ويثبته، ويفتح طرق العلم وأبوابه، ويسهل أسبابه، فضلاً عن أنه يسد عن العبد باباً من أبواب جهنم، فإن النظر المحرم باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفاحشة، فمتى غض الإنسان بصره سلم من الوقوع في الفاحشة، ومتى أطلقه كان هلاكه أقرب؛ فالنظر المحرم هو (سهم إبليس).

وغض البصر سببٌ لدخول الجنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: [اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ].

أحبتي .. في زمنٍ أصبح السفور مباحاً، والاختلاط مألوفاً، صار غض البصر صعباً، لكنه يبقى دليل سلامة المعتقد وقوة الإيمان ويقظة الضمير ونظافة القلب وإخلاص الجوارح؛ فيكون الصبر على غض البصر مع المشقة سبباً في زيادة الثواب والأجر بإذن الله.
علينا أحبتي أن ننتبه إلى أن غض البصر يكون كذلك بترك النظر إلى الصور إجمالاً سواءً في الأفلام أو المسلسلات، في دور العرض والمسارح والتلفزيون، في المطبوعات من الكتب والصحف والمجلات والإعلانات، في شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وبرامج الحاسوب والهواتف الذكية؛ حيث اعتاد الناس للأسف إطالة النظر، وكأن لسان حالهم يقول إنها مجرد صور!
تذكروا أحبتي أن أبصارنا نعمةٌ مِن الله، فلا نعصه بنعمه، ولنحذر أن تكون عقوبة العصيان والنظر المحرم سلب تلك النعمة. قيل أن كل زمن الجهاد في غض النظر لحظة، فان فعلتَ نلتَ الخير وسلمتَ من الشر، فنحن مسئولون عن جميع نعم المولى عزَّ وجلَّ - ومن بينها نعمة البصر - ومحاسبون عليها؛ كيف استخدمناها هل في حلالٍ أم في حرامٍ والعياذ بالله؛ يقول تعالى: ﴿وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا﴾.

اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم وفِّقنا لفِعل الخيرات وتركِ المنكرات. اللهم طهِّر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة وفروجنا من الفاحشة وأموالنا من الربا.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2FSFcW6

الجمعة، 29 مارس 2019

مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب



خاطرة الجمعة /١٨٠
 (مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب)

في طابورٍ طويلٍ من طوابير مصلحةٍ حكوميةٍ سأل أحدهم: "هل مع أحدٍ منكم قلم؟"، رد البعض - وأنا منهم - معتذرين، والتزم آخرون الصمت، فكرر السؤال مرةً ثانيةً بصوتٍ أعلى علَّ أحد الواقفين في الطابور يكون معه قلم يفيده في تعبئة نموذجٍ يمسك به في يده، لم يرد عليه أحد. وجدتُه ينظر إليّ نظرةً تجمع بين اللوم والرجاء، وقال موجهاً كلامه لي: "ممكن القلم لو سمحت؟"، كان ردي عفوياً: "آسف؛ ليس معي قلم"، تحولت نظرته لي إلى استنكارٍ يشوبه غضبٌ وقال: "أليس ما في جيبك هذا قلم؟!"، وقتها فقط فهمتُ لماذا خصني أنا شخصياً دون غيري بالسؤال الأخير، تبسمتُ وأخرجتُ من جيبي ما اعتقد صاحبنا أنه قلم، فتحتُ الغطاء فظهر له أنه مسواكٌ موضوعٌ داخل علبةٍ بلاستيكيةٍ على هيئة قلم! اعتذر وقال لي بنبرة خجلٍ لا يخطئها السمع: "لا تؤاخذني؛ ظننتُه قلماً".

أحبتي في الله .. كان ذلك المسواك بعلبته البلاستيكية التي تشبه القلم هديةً من صديقٍ عزيزٍ أهداني إياه بعد عودته من رحلة عُمرة. وهذه العلبة رغم صغر حجمها إلا أنها كبيرةٌ في نفعها؛ فقد قطعت الطريق على كل من كان لا يستعمل السواك بحجة "أنني كأني أضع فرشاة أسنانٍ في جيبي"، وحجة "أنه معرضٌ للتلوث باستمرار". لم تعد هذه الحجة قائمةً بعد اليوم.
هو ذات المسواك الذي رآني أحد المصلين بالمسجد أستخدمه عند كل صلاةٍ؛ فسألني ذات يومٍ متعجباً: "أهو من السنن الصحيحة المؤكدة عن النبي عليه الصلاة والسلام؟!"، فكان ردي بالإيجاب، وقلت له - من الذاكرة - أن النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: [السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ].
أحسست أن إجابتي لم تكن كافيةً له؛ فعزمتُ على البحث عن موضوع السواك لأقوم بعرض ما أصل إليه من معلوماتٍ مفصلةٍ عليه في لقاءٍ لاحقٍ؛ فهو من مرتادي مسجدنا المواظبين بتوفيق الله على صلاة الجماعة.
وفيما يلي خلاصة ما قاله أهل العلم في موضوع السواك:

السِواكُ لغةً مِن سَاكَ فمه بالعود يسوكه سوكاً أي: دلكه. والمِسْواكُ: ما يُدلَك به الفم من العيدان. والسواك اصطلاحاً سُنةٌ من السنن المؤكَّدة التي غفل عنها كثيرٌ من الناس؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين﴾، وقال النبي صلى اللهُ عليه وسلم: [السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ]. "المَطْهَرَةُ": كل إناءٍ يُتَطَهَر به، وشُبه السِّواك بِه لأنه ينظف الفم. وهو "مرضاةٌ للرب" بمعنى أنه سببٌ لرضا الله سبحانه وتعالى.

يتأكد السواك كسُنةٍ في مواضع عديدةٍ منها:
عند كل صلاةٍ فرضًا كانت أم نفلًا، لحَدِيثِ النبي صلى اللهُ عليه وسلم: [لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاة].
وعند كل وضوءٍ لِقَولِهِ صلى اللهُ عليه وسلم: [لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ].
وعند القيام من نوم الليل؛ فقد ثبت أن رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم كان إِذَا قَامَ مِنَ الليلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. "الشَّوْص": الدَّلْك. قال أحد الصحابة أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم كَانَ لاَ يَنَامُ إِلاَّ وَالسِّوَاكُ عِنْدَهُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ.
وعند دخول البيت؛ فعندما سُئلت السيدة عائشة: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ.
وعند تغير رائحة الفم مطلقًا لعموم قَولِهِ صلى اللهُ عليه وسلم: [السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ].
وعند قراءة القرآن الكريم؛ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: [إِنَّ العَبْدَ إِذَا تَسَوَّكَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَامَ الْمَلَكُ خَلْفَهُ، فَيْسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ فَيَدْنُو مِنْهُ-أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا-حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ، فَمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ إِلاَّ صَارَ فِي جَوْفِ الْمَلَكِ فَطَهِّرُوا أَفْوَاهَكُمْ لِلْقُرْآنِ]، وقال عليه الصلاة والسلام: [إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ لِلْقُرْآنِ فَطَيِّبُوهَا بِالسِّوَاكِ].

وكَانَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم يُكثِرُ استِعمَالَ السِّوَاكِ وَهُوَ صَائِمٌ؛ روى أحد الصحابة قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أُحْصِي وَلَا أَعُدُّ.
ومما يدلُّنا على عظم فضل السِّواك أنه من سُنن الفطرة؛ قَالَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: [عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ المَاءِ، وَقَصُّ الأظْفَارِ، وَغَسْلُ البَرَاجِمِ، وَنَتف الإبْطِ، وَحَلْقُ العَانَةِ، وَانْتِقَاصُ المَاءِ]، "انْتِقَاصُ المَاءِ": أي الاسْتِنْجَاءِ. قَالَ الراوي: وَنَسِيْتُ العَاشِرَةَ إِلاَّ أنْ تَكُونَ المَضمَضَةُ.

ويدلنا على عظم فضل السواك كذلك قوله صلى اللهُ عليه وسلم: [أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ]، وقال عليه الصلاة والسلام: [لَقَدْ أُمِرْتُ بِالسِّواك حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيَّ فِيهِ قُرْآنٌ أَوْ وَحْيٌ]، وفي روايةٍ: [لَقَدْ أُمِرْتُ بِالسِّواك حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُوحَى إِلَيَّ فِيهِ شَيْءٌ]. كما قَالَ: [أُمِرْتُ بِالسِّوَاكِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيَّ].
وكان النبي صلى اللهُ عليه وسلم يحرص على السواك في كل وقتٍ حتى عند احتضاره؛ قالت السيدة عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها: "دَخَلَ عَبْدُالرَّحْمَنِ ابْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي وَمَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَصَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَاسْتَنَّ بِهِ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ: فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى ثَلَاثًا ثُمَّ قَضَى".

أحبتي .. هذا هو السواك الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه (مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب). هو السواك الذي قال عنه أحد الصالحين: قد ذُكر فيه زيادةً على مائة حديثٍ، فَوَاعَجَبًا لِسُنَّةٍ تأتي فيها الأحاديث الكثيرة ثم يهملها كثيرٌ من الناس. هو السواك الذي أثبتت البحوث العلمية فوائده لصحة الفم والأسنان واللثة. هو السواك الذي من السُنة أن يستخدمه الجميع رجالاً ونساءً. هو السواك الذي من السهل استعماله؛ لا يتطلب وضوءاً ولا استقبال قبلةٍ ولا نبذل فيه جهداً ولا كثير مالٍ. هو السواك نُثاب على حرصنا على استخدامه ليس كواجبٍ وإنما كسُنةٍ حكمها أن يُثاب فاعلها ولا يُعاقَب تاركها. هو السواك الذي حرص على استخدامه دوماً سيد البشر؛ فكيف بمحبي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتركوا سُنةً من سُننه ويستغنون عنها؟!

ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لاستخدام السواك ما استطعنا؛ نحي به سُنة رسولنا ونطهر به أفواهنا ونرضي به ربنا.

اللهم ألهمنا الصواب والسداد، وألزمنا طريق الهدى وسبيل الرشاد.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

https://goo.gl/cMM2PV


الجمعة، 22 مارس 2019

شطر الإيمان


الجمعة 22 مارس 2019م

خاطرة الجمعة /١٧٩
(شطر الإيمان)

يقول راوي القصة: سألني صاحبي وهو يحاورني: "كيف تتوضأ؟"، قلت ببرودٍ: "كما يتوضأ الناس!"، فأخذته موجةٌ من الضحك حتى اغرورقت عيناه بالدموع ثم قال مبتسماً: "وكيف يتوضأ الناس؟!"، ابتسمت ابتسامةً باهتةً وقلت: "كما تتوضأ أنت!"، قال في نبرةٍ جادةٍ: "أما هذه فلا؛ لأني أحسب أن وضوئي على شاكلةٍ أخرى غير شاكلة أكثر الناس"، قلت على الفور: "فصلاتك باطلةٌ إذن!"، فعاد إلى ضحكه، ولم أشاركه هذه المرة حتى الابتسام، سَكَتَ ثم قال: "يبدو أنك ذهبت بعيداً؛ أنا أعني، أنني أتوضأ وأنا في حالةٍ روحيةٍ شفافةٍ _ علمني إياها شيخي _ فأجد للوضوء متعة، ومع المتعة حلاوة، وفي الحلاوة جمال، وخلال الجمال سموٌ ورفعةٌ ومعانٍ كثيرةٌ لا أستطيع التعبير عنها!". ارتسمت علامات استفهامٍ كثيرةٍ على وجهي، لكنه لم يمهلني حتى أسأل وواصل: "أسوق بين يديك حديثاً شريفاً فتأمل جيداً كلمات النبوة الراقية السامية؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ]، وفي حديثٍ آخر  قال عليه الصلاة والسلام: [مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ]، وفي حديث ثالثٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلاَّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ]. سكت صاحبي لحظاتٍ وأخذ يسحب نفساً من الهواء العليل منتشياً بما كان يذكره من كلمات النبوة .. ثم حدَّق في وجهي وقال: "لو أنك تأملت هذه الأحاديث جيداً، فإنك ستجد للوضوء حلاوةً ومتعةً وأنت تستشعر أن هذا الماء الذي تغسل به أعضاءك، ليس في الحقيقة سوى نورٍ تغسل به قلبك!"، قلت: "سبحان الله، كيف فاتني هذا المعنى!؟ والله أنني أتوضأ منذ سنواتٍ طويلةٍ غير أني لم أستشعر هذا المعنى، إنما هي أعضاءٌ أغسلها بالماء ثم أنصرف، ولم أخرج من لحظات الوضوء بشيءٍ من هذه المعاني الراقية!"، قال صاحبي وقد تهلل وجهه بالنور: "وعلى هذا حين تجمع قلبك وأنت في لحظات الوضوء، تجد أنك تشحن هذا القلب بمعانٍ سماويةٍ كثيرةٍ، وكل ذلك ليس سوى تهيئةٍ للصلاة! فما بالك بالصلاة نفسها! المهم أن عليك أن تجمع قلبك أثناء عملية الوضوء وأنت تغسل أعضاءك"، قلت: "هذا إذن مدعاةٌ لي للوضوء مع كل صلاةٍ؛ أجدد الوضوء حتى لو كنت على وضوء .. نورٌ على نورٍ .. ومعانٍ تتولد من معانٍ!"، قال وهو يبتسم: "بل هذا مدعاةٌ لك أن تتوضأ كلما خرجت من بيتك لتواجه الحياة وأحداثها بقلبٍ مملوءٍ بهذه المعاني السماوية!"، قلت وأنا أشعر أن قلبي أصبح يرف ويشف ويسمو: "أتعرف يا صاحبي أنك بهذه الكلمات قد رسمت لي طريقاً جديداً في الحياة، ما كان يخطر لي على بال، وفتحت أمام عيني آفاقاً رائعةً كانت محجوبةً أمام بصري؛ فجزاك الله عني خير الجزاء".

يقول راوي القصة منذ ذلك اليوم كلما هممتُ أن أتوضأ، سرعان ما أستحضر كلمات صاحبي، فأجدني في حالةٍ روحيةٍ رائعةٍ وأنا أغسل أعضائي بالنور لا بالماء! يا الله كم من سنواتٍ ضاعت من حياتي، وأنا بعيدٌ عن هذه المعاني السماوية الخالصة .. يا حسرةً على العباد! لو وجد الناس دفقةً من هذه المعاني السماوية تنصب في قلوبهم، لوجدوا أُنساً ومتعةً وجمالاً وصقلاً واضحاً لقلوبهم أثناء عملية غسل أعضائهم بهذا النور الخالص.

وعن الوضوء يقول أحدهم: كان أخٌ مسلمٌ يتوضأ في أحد المغاسل في إحدى الدول الأوروبية فجاءه شخصٌ من الخلف وأمسك به في ازدراءٍ وقال له: "أنتم المسلمون قذرين؛ تضعون أقدامكم القذرة في مكانٍ نظيفٍ نغسل فيه وجوهنا وأيدينا!"، فرد عليه المسلم ببراعة: "قل لي، كم مرةً تغسل وجهك في اليوم؟"، أجابه: "مرةً في الصباح، وأحياناً أغسله مرةً أخرى في المساء"، فرد عليه أخونا المسلم: "نحن نغسل أقدامنا خمس مراتٍ في اليوم؛ فقل لي ما الأنظف قدمي أم وجهك؟"، فسكت ولم يرد!

أحبتي في الله .. إنه الوضوء (شطر الإيمان) الذي له - كما يقول العلماء - دورٌ كبيرٌ في حياة المسلم المؤمن؛ فهو يجعله دائماً في حيويةٍ وتألقٍ لأنه لا يُعتبر فقط تنظيفاً وتطهيراً للأعضاء الظاهرة من الجسم، بل هو تنظيفٌ للروح الداخلية للإنسان؛ فالروح تحتاج لطهارةٍ مثلما الجسد بالضبط.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾. وقال تعالى: ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ. فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.
يقول أهل العلم أنَّ للوضوء فضائل كثيرةً منها أنه سببٌ في مغفرة الذنوب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ غَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا مَشَتْ إِلَيْهِ رِجْلَاهُ، وَقَبَضَتْ عَلَيْهِ يَدَاهُ، وَسَمِعَتْ إِلَيْهِ أُذُنَاهُ، وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ عَيْنَاهُ، وَحَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ سُوءٍ].
ولا تصح صلاةٌ إلا بالوضوء؛ قال عليه الصلاة والسلام: [لا تُقْبَلُ صَلاةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ].
والوضوء نصف الإيمان؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ].
 وهو سبيلٌ إلى الجنة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلالٍ عند صلاة الفجر: [يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ]، قال: "ما عملتُ عملًا أرجى عندي أني لم أتطهر طُهورًا في ساعة ليلٍ أو نهارٍ إلا صليتُ بذلك الطُّهور ما كُتب لي أن أصلِّي".
والوضوء يرفع درجات العبد في الجنَّة؛ قال صلى الله عليه وسلم: [ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟]، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: [إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخطى إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ].
 وهو يحُلُّ عُقَدَ الشيطانِ؛ قال صلى الله عليه وسلم: [يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ؛ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ].
كما أنه نورٌ للمسلم يوم القيامة؛ قال صلى الله عليه وسلم: [تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ، حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ].
وهو يُميِّز الأمة المحمدية عن غيرها يوم القيامة؛ قال عليه الصلاة والسلام: [إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ].

وقد أكد بحثٌ علميٌ حديثٌ أن الوضوء، الذي هو (شطر الإيمان)، وسيلةٌ فعالةٌ للتغلب على التعب والإرهاق، كما أنه يجدد نشاط الإنسان، ويعيد توازن الطاقة التي تسري في مسارات جسم الإنسان، ويصلح ما بها من خللٍ بعد تنقية المرء من ذنوبه وخطاياه التي لها تأثيرٌ على الحالة النفسية والجسمية. كما ثبت أن عمليات التدليك لأعضاء الجسم أثناء الوضوء للصلاة تعيد للمرء حيويته ونضارته، بالإضافة إلى أنها تساعد خلايا المخ على التجدد والاستمرار في ضخ الدم. والوضوء يجدد كل خلايا الجسم ويمدها بالطاقة اللازمة التي تشع من أجسامنا، ويعمل على إعادة التوازن النموذجي للمجال الحيوي المحيط بالإنسان، ويصلح أي خللٍ في مسارات الطاقة، وفي ذلك حمايةٌ من الآثار السلبية للتكنولوجيا الحديثة وتلوث البيئة وغيرها من المجالات المختلفة المؤثرة على الطاقة الحيوية للإنسان.

أحبتي .. هذه دعوةٌ لاستحضار كل هذه المعاني السامية والفضائل عندما نتوضأ. كما أنها دعوةٌ لأن نحافظ على وضوئنا طوال اليوم على سبيل الاستحباب؛ لقوله صلوات الله وسلامه عليه: [... وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ].
وأختم ببشارةٍ غفل عنها البعض؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ قال: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ]. وقال عليه الصلاة والسلام: [مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ].

اللهم نعوذ بك أن نكون من الغافلين، واجعلنا اللهم من التوابين ومن المتطهرين، واكتبنا من أصحاب الجنة يا رب العالمين.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.



الجمعة، 15 مارس 2019

أم الكتاب


الجمعة 15 مارس 2019م

خاطرة الجمعة /١٧٨
(أم الكتاب)

اسمها فيكتوريا، كانت تعمل في أحد القصور في خدمة أميرٍ وأسرته، كتبت تقول: توقفت الممرضة عن الكلام وأخذت تنظر إلى نتيجة الفحص، تغيرت ملامح وجهها، أسرعت نحو الهاتف تستدعي الطبيب. شعرتُ بالخوف يتسلل إلى قلبي؛ لماذا بدا عليها القلق؟ هل نتيجة الفحص تستدعي حضور الطبيب بسرعة؟ كدت أن أصرخ بها. عدتُ أُطمئن نفسي؛ إنها آلامٌ بسيطةٌ، لا داعي للخوف، إنها عادة الممرضات يُظهرن المهارة، ويضخمن الأمور. حضر الطبيب، نظر في نتيجة الفحص؛ بدا عليه الذهول، ارتسمت في عينيه علامات الاستياء. أيقنتُ بالخطر، ترقرقت الدموع في عيني. "دكتور .. دكتور" .. وجدتُ صعوبةً بالغةً في النطق بها. التفت الطبيب نحوي، بدا حزيناً. سألتُه: "ما الذي تقوله الفحوصات؟" تحدث كثيراً، وبكيتُ أكثر، لم أعد أذكر من كلماته إلا تلك الجمل، والتي حشد لها الكثير والكثير من العبارات التي حاول بها أن يصبرني، ويُذهب عني الخوف والفزع .. "سرطانٌ في الرحم، يجب استئصاله .. لابد من إجراء العملية بأسرع وقت .. أي تأخير قد يتسبب في انتشار السرطان في جميع أجزاء الجسم". أجهشتُ ببكاءٍ رهيبٍ .. كلمة "ماما" أصبحت مستحيلةً .. طفلٌ صغيرٌ أقبله .. أضمه إلى صدري .. صار مستحيلاً. غربتي .. آلامي .. أحزاني .. أربعة أعوامٍ مضت .. وكل يومٍ يمضي أشعر بأنني أقترب من الحلم .. تناهى إلى سمعي حديثي مع زوجي: " غداً نعود إلى الوطن، ومعنا المال؛ سنعيش سعداء، سيكون لنا منزلٌ واسعٌ، الأطفال يلعبون من حولنا .. غداً .. غداً ..". آهـ .. غداً الذي أرقبه بشوقٍ ولهفةٍ لن يأتي بعد اليوم. بكيتُ بحرقة، غبتُ عن الوعي لحظاتٍ، وعندما أفقتُ وجدتُ زوجي بجانبي يحاول تهدئتي، أبصرتُ الحزن في عينيه، تساءلتُ في نفسي: "هل حزنه بسبب مرضي؟ أم بسبب الحلم الذي تلاشى ولم يعد هناك أملٌ في تحقيقه؟". أقبلت الممرضة، بدأت الفحوصات استعداداً للعملية، الوقت يمضي. جفت دموعي .. توقفتُ عن البكاء .. واستسلمتُ للأمر الواقع؛ جاء السرير أو جاء النعش ليحمل حلم حياتي إلى المقبرة. جاءت اللحظة التي لم أكن أتوقعها في يومٍ من الأيام، تمنيتُ لحظتها أن تُنتزع روحي مع رحمي الذي سينتزعونه مني، أتراهم لا يعلمون أن هذا الرحم هو سر سعادة النساء؟ هو نعمة الرب علينا، هو الذكرى الباقية والحياة الثانية، فيه نحفظ فلذات أكبادنا قبل أن نلقيهم إلى الأرض. مضى بي السرير إلى غرفة العمليات .. الخطوات .. صوت العجلات .. نغماتٌ حزينةٌ تشيعني .. أغمضتُ عينيّ .. جرت الدموع على خدي .. زوجي يمسحها بيديه .. يربت على رأسي .. شعرتُ بالأسى عليه ..اقتربنا من غرفة العمليات؛ فُتح الباب الكبير، وقف الجميع .. ممنوع الدخول .. دخلتُ لوحدي .. منظرٌ رهيبٌ؛ أجسادٌ تتحرك بشكلٍ مرعبٍ .. تلبس الرداء الأخضر .. الكمّامات تغطي وجوههم، تظهر العينان من خلال فتحتين صغيرتين وغالباً تختفي وراء النظارات الطبية، السرير في وسط الغرفة تحيط به الأجهزة المختلفة. أدوات التشريح تثير في النفس الخوف .. الكشافات الضوئية تسلط أشعتها على السرير .. رائحة البنج تقتحم جيوبي الأنفية .. لم أستطع تحمل تلك المناظر .. أغمضتُ عينيّ.
تذكرتُ الأميرة والأمير وأبناءهما .. تذكرتُ القصر الكبير .. تذكرتُ الأميرة وهي تصلي .. تذكرتُ سجادتها التي تبدأ بها كلما عادت من سفرٍ. .. تعودتُ على تلك الكلمات: "أحضروا لي السجادة لأصلي" .. تساءلتُ: "لماذا لا تؤجل الصلاة، خاصةً أنها مرهقة من أثر السفر؟" .. تذكرتُ ذلك اليوم عندما قلتُ لها: "ارتاحي قليلاً فأنت متعبةٌ"، غضبت حينها وقالت كلماتٍ لم أستوعبها جيداً لكنني فهمتُ أن الصلاة هي أهم أمرٍ بالنسبة لها. تذكرتُ الأمير ومحافظته على الصلاة، وكذلك الأبناء؛ إنها أسرةٌ كريمةٌ. تذكرتُ شهر رمضان .. تغييرٌ شاملٌ .. صيامٌ وصلاةٌ .. يتحول القصر إلى مسجدٍ كبيرٍ لا تسمع فيه سوى القرآن وصوت الأئمة وهم يرتلون القرآن. في هذا القصر لم أسمع صوت موسيقى أو غناء .. لم أشاهد أفلاماً ماجنةً .. لم أجد منهم سوى المعاملة الحسنة .. الرفق واللين.
تذكرتُ سورة الفاتحة، تلك السورة التي كانت تتكرر مراتٍ ومراتٍ في القصر، ومن خلال التلفاز أو المذياع .. ومن خلال المسجد القريب .. كنتُ أشعر بها تخاطبني .. تهزني .. تجعلني أعيش معها .. حتى حفظتها وأخذتُ أكررها بيني وبين نفسي .. وفي غرفتي كنتُ أرفع بها صوتي؛ فيتعجب زوجي مني ويسألني: "وهل تعرفين معناها؟"، فأقول له: "لا .. ولكنني أحبها .. أحبها كثيراً". تم نقلي إلى السرير الخاص بالعمليات، بدأ العد التنازلي للعملية .. طبيب التخدير يجهز أسلحته .. لحظاتٍ ويغرزها في جسدي فلا أشعر بشيء .. رفعتُ رأسي إلى السماء .. منظر الكشافات أرهبني .. أخذتُ أردد سورة الفاتحة .. وأدعو الله أن يشفيني بها؛ "يا رب لقد أحببتُ هذه السورة؛ فاجعل فيها شفائي" .. "يا رب بحبي لهذه السورة فَرِّج عني ما أجده".
بدأت العملية .. أقبل طبيب التخدير .. لم أستغرق وقتاً كي أنام .. غبتُ عن الوجود، وعندما أفقتُ من التخدير، كانت المفاجأة تنتظرني؛ الممرضة تناديني وعلى وجهها فرحٌ عظيمٌ: "فيكتوريا .. فيكتوريا" .. نظرتُ إليها .. "لقد أُزيل الخطر عنك يا فيكتوريا؛ لقد رفض الطبيب أن يستأصل الرحم، وضْعُه مستقرٌ، يمكن إزالة الورم بالأدوية" .. لم أصدق ما تقول .. أمعقول .. لا زال رحمي موجوداً .. حلم حياتي سيتحقق .. لم تتلاشَ آمالي .. سأسمع كلمة "ماما" .. سيكون لي أطفالٌ ؟! .. بكيتُ من الفرح .. الحمد لك يا رب .. الحمد لك يا رب .. لقد استجبتَ دعائي .. سورة الفاتحة أنقذت حياتي .. لقد رحم الله ضعفي .. لقد قبل الله دعائي وشفاني بسورة الفاتحة .. أخذتُ أردد سورة الفاتحة .. أُقَّبِلُ الكلمات التي تنطلق في فضاء الغرفة .. شعرتُ كأنني أعانقها. سوف أسلم .. سوف أعتنق هذا الدين .. من الآن أنا مسلمةٌ .. إنه الدين الحق .. لقد قبل الله دعائي بحبي للفاتحة .. طلبتُ من زوجي أن يذهب بي إلى قسم التوعية الدينية بالمستشفى؛ هتفتُ به:  "أريد أن أُسُلِم" .. "لا زلتِ متعبةً؛ نعود فيما بعد" .. "كلا ثم كلا .. أريد أن أعتنق الإسلام الآن .. أريد أن أشكر ربي الآن؛ لقد أنقذني .. لقد سمع ندائي واستجاب لدعائي .. أريد أن أصبح مسلمةً". وبين يديّ الشيخ نطقتُ بالشهادتين بعد أن لَقَّني إياها: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله"، وعندما رأى زوجي حالتي .. نطق بالشهادتين أيضاً. عدتُ إلى القصر أحمل خبر إسلامي إلى الأميرة .. فرحت كثيراً، ثم قالت: "أنتِ اليوم ابنتي"، بكيتُ وأنا أسمع هذه الكلمات .. لقد زادت محبتي لها. أيقنتُ أن الإسلام عظيمٌ .. وأن المسلمين هم السعداء في هذه الحياة .. لقد أسلمتُ أنا وزوجي في يومٍ واحدٍ؛ فحمدتُ الله أن ساقني إلى العمل في هذا القصر ومع هذه الأسرة الفاضلة التي دعتني بأفعالها .. بأخلاقها .. بمحافظتها على الصلاة والصيام وسائر العبادات .. بما كان يصل إلى سمعي من آيات القرآن، وخاصةً سورة الفاتحة.

أحبتي في الله .. كانت تلك قصةً حقيقةً تبين فضل سورة الفاتحة (أم الكتاب) على غير المسلمين؛ فما بالنا بفضلها علينا نحن المسلمين!
تُسمى هذه السورة بالفاتحة لأنه يُفتتح بها القرآن العظيم، وتفتتح بها كل ركعة من ركعات الصلاة، وتُسمى (أم الكتاب)، وتُسمى سورة الحمد، والوافية، والكافية، ، وتُسمى السبع المثاني؛ قال الله تعالى عنها: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾. وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الفُرْقَانِ مِثْلُهَا، وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُهُ]. وقال عليه الصلاة والسلام: [إذا قرأتم ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ فاقرءوا ﴿بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏﴾ إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني و﴿بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏﴾ إحدى آياتها]. ورُوِي عَن أبي سعيد بن المعلَّى رضي اللَّه عنه، قَال: كُنْتُ أُصَلِّي فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ حَتَّى صلّيت، قال: فأتيته، فَقَالَ: [مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟]، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: [ألم يقل الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾؟]، ثُمَّ قَالَ: [لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ]، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لأعلمنَّك أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: [نَعَمْ ﴿الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ].
وقال عليه الصلاة والسلام: [﴿الْحَمْدُ لِلهِ﴾ أمُّ القرآنِ، وأمُّ الكتابِ، والسبعُ المثاني].
وسُميت "مثاني" لأنها تُقرأ في كل ركعةٍ، وكلمة "مثاني" لها معانٍ أخرى؛ منها اشتمال سورة الفاتحة على ثنائياتٍ كثيرةٍ حصرها أحد الباحثين فيما يلي:
- لفظ الجلالة ذكر مرتين: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين
- الرحمن الرحيم ذكر مرتين: في البسملة، وفي آية منفصلة
- صفات الله ذكرت مرتين: رب العالمين، ومالك يوم الدين
- "إياك" ذكرت مرتين: إياك نعبد، وإياك نستعين
- صفات الهالكين ذكرت مرتين: المغضوب عليهم، والضالين
- حرف العطف الواو ذكر مرتين: إياك نعبد وإياك نستعين، غير المغضوب عليهم ولا الضالين
- أفعال المضارعة ذكرت مرتين: إياك نعبد، وإياك نستعين
- صفات الإضافة ذكرت مرتين: رب العالمين، مالك يوم الدين
- صفات الصراط ذكرت مرتين: الصراط المستقيم، وصراط الذين أنعمت عليهم
- ضمائر المتكلمين ذكرت مرتين: نعبد .. نستعين، واهدنا
- الضمائر المستترة ذكرت مرتين: بعد الأفعال المضارعة نعبد ونستعين، وبعد أنعمت
- الضمائر المنفصلة ذكرت مرتين: إياك نعبد، وإياك نستعين
- الضمائر المتصلة ذكرت مرتين: أنعمت، واهدنا
- الاستثناء ذكر مرتين: غير المغضوب عليهم، ولا الضالين
- لفظ "عليهم" ذكر مرتين: أنعمت عليهم، وغير المغضوب عليهم
- الفاعل ذكر مرتين: نعبد .. نستعين "ضمير مستتر تقديره نحن"، وأنعمت ..اهدنا "ضمير مستتر تقديره أنت"
- المفعول ذكر مرتين: إياك نعبد ..إياك نستعين "أي الله"، واهدنا .. الصراط
- أسلوب القصر ذكر مرتين: الحمد لله "قصر الحمد لله"، وإياك نعبد ..إياك نستعين "قصر العبادة والاستعانة على الله"
- الاسم المشتق ذكر مرتين: مالك "اسم فاعل"، والمغضوب "اسم مفعول"
- صيغ المبالغة ذكرت مرتين: صيغة فعلان "الرحمن" ذكر مرتين، صيغة فعيل "الرحيم" ذكر مرتين.

وفضائل سورة الفاتحة كثيرةٌ منها أن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كان في مسيرٍ فنزل ونزل رجلٌ إلى جانبِه، قال: فالتفت النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم فقال: [ألا أخبِرُك بأفضلِ القرآنِ؟]، قال: بلى، فتلا ﴿الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾".
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: [لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ].
ومنها ما رواه ابنِ عباسٍ؛ قال: بينما جبريلُ قاعدٌ عند النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ. سمع نقيضًا من فوقِه. فرفع رأسَه. فقال: [هذا بابٌ من السماءِ فُتِحَ اليومَ. لم يُفتَح قط إلا اليومَ. فنزل منهُ ملكٌ]. فقال: [هذا ملكٌ نزل إلى الأرضِ. لم ينزل قط إلا اليومَ. فسلَّم وقال: أبشِرْ بنوريٍنِ أوتيتهما لم يؤتهما نبيٌّ قبلك. فاتحةُ الكتابِ وخواتيمُ سورةِ البقرةِ. لن تقرأَ بحرفٍ منهما إلا أُعطيتَه].

إنها فاتحة الكتاب، وهي الصلاة التي قال عنها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ].
يقول أهل العلم أن (أم الكتاب) اشتملت على أغراض عدة؛ وهي: الحمد لله وتمجيده في قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، والثناء عليه بذكر أسمائه في قوله: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، وتنزيهه عن جميع النقائص، وإثبات البعث والجزاء في قوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، وإفراده بالعبادة والاستعانة في قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، والتوجه إليه بطلب الهداية إلى الصراط المستقيم في قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، والتضرع إليه بتثبيتهم على الصراط المستقيم في قوله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾، والإخبار عن قصص الأمم السابقين في قوله: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾.
وسورة الفاتحة رغم قصرها قد اشتملت على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. كما أنها تضمنت أنفع الدعاء. يقول بعض العلماء: "اُختزل القرآن في سورة الفاتحة، واُختزلت الفاتحة في آية ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾". وسورة الفاتحة ركنٌ عظيمٌ من أركان الصلاة؛ فالصلاة لا تصح إذا لم تُقرأ الفاتحة فيها.

أحبتي .. هذه هي (أم الكتاب)، التي يقرأها المسلم سبع عشرة مرةً كل يومٍ على الأقل في صلواته الخمس المفروضة، وهذه منزلتها العظيمة، أما قوتها الكامنة فيقول عنها أحد العلماء: "لسورةِ الفاتحة قوةٌ كامنةٌ تبعث في النفس طاقةً روحيةً عجيبةً على مدار اليوم والليلة، لو تدبر المسلمون هذه السورة ووقفوا على أسرارها وكنوزها لرأيت حال أمتنا غير هذا الحال"!
نفعنا الله بفاتحة الكتاب، وجعلها لنا نوراً ورحمةً وشفاءً من كل داء.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

https://goo.gl/CB2UmS

الجمعة، 8 مارس 2019

اللهم عليك توكلنا


الجمعة 8 مارس 2019م

خاطرة الجمعة/ ١٧٧
(اللهم عليك توكلنا)

امرأةٌ سُجن زوجُها، ومَرِض ابنُها وارتفعت حرارته جداً، وكانت في بيت أبيها وحالتهم من أفقر ما يمكن، فلم يكن لها ولابنها عونٌ إلا الله؛ فكانت تتوكل عليه وتدعوه عزَّ وجلَّ، وتضع في ذات الوقت الكمادات لابنها لتخفيض حرارته. في منتصف الليل يُطْرَق الباب، فإذا بالباب طبيبٌ يسأل: "أين المريض؟"، فأدخله أبوها؛ ففحص الولد، وكتب له الدواء، وطلب حسابه، وهم لا يدرون من استدعى الطبيب أصلاً! فقالوا له: "واللهِ ما نملك شيئاً"، فغضب وقال: "إذن لماذا تستدعونني في مثل هذا الوقت من الليل؟"، فقالوا له: "والله ما استدعيناك واستغربنا مجيئك!"، فسألهم: "أليس هذا منزل فلان؟"، فقالوا له: "إن منزله في الأعلى". فانتبه الطبيب إلى أن الله عز وجل أرسله إلى هؤلاء الفقراء؛ ليكون بإذنه تعالى سبباً في شفاء ابنهم، سألهم الطبيب عن أحوالهم وعرف منهم أن والد الطفل سجين؛ فقام جزاه الله خيراً بشراء الدواء، وخصص لهم مبلغاً شهرياً إلى أن يخرج عائلهم من السجن. فسبحان الرزاق الكريم الذي يدهشنا عندما نخلص التوكل عليه؛ فهؤلاء كان لسان حالهم يقول: (اللهم عليك توكلنا).

وهذه قصةٌ أخرى من قصص التوكل على الله؛ حيث يُحكى أنه كان هناك ملكٌ عنده وزيرٌ يتوكل على الله في جميع أموره، ويحمد الله على كل حال. في يومٍ من الأيام انقطع للملك أحد أصابع يده وخرج دمٌ غزيرٌ، وعندما رآه الوزير قال: "خير خير إن شاء الله"، فغضب الملك على الوزير، وقال له: أين الخير والدم يجري من إصبعي؟ وأمر بسجنه، فما كان من الوزير إلا أن قال كعادته: "خير خير إن شاء الله"، وذهب إلى السجن. وكعادة الملك في كل يوم جمعةٍ ذهب إلى النزهة وحط رحله قريباً من غابةٍ كبيرةٍ، وبعد استراحةٍ قصيرةٍ دخل الملك الغابة، وكانت المُـفاجأة أن الغابة بها ناسٌ يعبدون صنماً لهم، وكان ذلك اليوم هو يوم عيد الصنم، وكانوا يبحثون عن قربانٍ يقدمونه للصنم، وصادف أنهم وجدوا الملك فألقوا القبض عليه لكي يقدمونه قرباناً إلى صنمهم، لكن حين رأوا إصبعه مقطوعاً قالوا هذا فيه عيبٌ ولا يُستحسن أن نقدمه قرباناً، وأطلقوا سراحه. حينها تذكر الملك قول الوزير عند قطع إصبعه "خير خير إن شاء الله". عندما رجع الملك من الرحلة أطلق سراح الوزير من السجن، وأخبره بالقصة التي حدثت له في الغابة، وقال له فعلاً كان في قطع الإصبع خيرٌ لي، ولكن دعني اسألك سؤالاً: وأنت ذاهبٌ إلى السجن سمعتك تقول "خير خير إن شاء الله" فأين الخير وأنت ذاهبٌ إلى السجن؟ قال الوزير: أنا وزيرك ودائماً معك، ولو لم أدخل السجن لكنت معك في الغابة؛ ولقبض عليّ عَبَدَة الصنم وقدموني قرباناً لآلهتهم فأنا لا يوجد بي عيبٌ؛ لذلك كان دخولي السجن خيراً لي.
أنجاه الله سبحانه وتعالى لأنه من أهل (اللهم عليك توكلنا).

أحبتي في الله .. إنه التوكل على الله حق توكله؛ يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمَن يَتوكّل عَلى الله فَهو حَسبهُ﴾، ويقول تعالى: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾، ويقول سبحانه: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾، ويقول عز وجل: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾. بل وجعل الله التوكل شرطاً لصحة الإيمان؛ فقال سبحانه: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، وقال موسى عليه السلام لأتباعه: ﴿فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾.
وقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: [لو أنكم تتوكّلونَ على اللهِ حقَّ توكلهِ، لرزقكُم كما يرزقُ الطيرُ، تغدُو خماصًا، وتروحُ بطانا]. وقال صلى الله عليه وسلم: [مَنْ سَرَّه أنْ يَكُونَ أقْوَى النَاسِ فَلْيَتَوكلْ عَلَى اللهِ].
وظهر التوكل على الله في أروع صوره يوم الهجرة، عندما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهما في الغار: لو نظر أحد المشركين تحت قدميه لرآنا، قال له النبي: [يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟].

التوكل لغةً هو إظهار العجز والاعتماد على الغير. يقال توكل فلانٌ بالأمر إذا ضمن القيام به، ووكلت أمري إلى فلانٍ إذا اعتمدت عليه، ووكّل فلانٌ فلاناً إذا استكفاه أمره ثقةً بكفايته، أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه.
يقول أهل العلم أن التوكل على الله عز وجل هو سِمةُ العبد الصادق، وبه أمر الله الأنبياء والمؤمنين، والتوكل: هو صدق اعتماد قلب المسلم على الله سبحانه في استجلاب المصالح، ودفع الضرر من أمور الدنيا والآخرة، وتوكيل جميع أموره إليه، وإيمان العبد إيماناً جازماً بأنه لا يُعطي إلا الله، ولا يَمنع إلا الله، ولا يَنفع غيره سبحانه، ولا يَضر سواه. قيل: "التوكل قوام الإيمان"، وقيل: "غايةُ المؤمن القصوى التوكل"، وقيل: "معنى توكل العبد على الله أن يعلم العبد أنَّ الله هو ثقتهُ". وقيل: "التوكل على الله هو الثقةُ بهِ، والاستسلامُ لأمرهِ، ويقين العبدِ بأنَّ قضاءهُ عليهِ ماضٍ"؛ فالتوكل على الله دليلُ صحةِ إيمان العبدِ وصلاح قلبهِ، وهو اعتراف العبد الكامل بربوبية الله، وتسليمه كل أموره للخالقِ الواحد، المتصرف بجميعِ أمورهِ، والمدبر الوحيد لأحوالهِ، صغيرها وكبيرها. ويكون التوكل على الله بعد الأخذ بالأسباب؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ وهو القادر على نصرة عباده المؤمنين من غير قتالٍ، لكنه مبدأ الأخذ بالأسباب. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى رجلاً قد ترك ناقته ببابِ المسجد؛ فسأله رسول الله عنها فقال: أطلقتها وتوكّلت على الله. فقال عليه الصلاة والسلام له: [اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ]. يظن بعض الناس أن التوكل يعني تعطيل الأسباب، لكن تحقيق التوكل لدى العبد لا ينافي السعي والأخذ بالأسباب، التي قدَّر الله عزّ وجل المقدورات بها، وجرت سنة الله في خلقهِ بذلك، فالله سبحانه وتعالى أمر العبد بالأخذ بالأسباب، كما أمرهُ بالتوكلِ عليه سبحانه، فالسعي في الأسباب يكون بالجوارحِ طاعةً لهُ، والتوكل على الله يكون بالقلبِ إيماناً بهِ سبحانه، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾، وقال سبحانه: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾. والمتأمل في قصة موسى عليه السلام لما واجه البحر، وفي قصة مريم عليها السلام لما ولدت، يجد أنهما أُمرا بفعل أدنى سببٍ؛ فموسى أُمر بضرب الحجر، ومريم أُمرت بهز الجذع. ويغفل الكثير من الناس عن التوكل على الله سبحانه وتعالى، ويقفون على الأسباب الظاهرة المحيطة بهم، ويُتعبون أنفسهم بالأخذِ بالأسباب، ويجتهدون غايةَ الاجتهادِ، ومع هذا كله لا يأتيهم إلا ما كتبهُ الله وقدَّرهُ لهم، ولو أنَّهم إلى جانب أخذهم بالأسباب حققوا التوكل على الله سبحانه بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم، مع أدنى وأصغر سببٍ، كما يَسوق للطيور أرزاقها، بمجردِ الغدو والرواح وهو سعيٌ للرزقِ يسير.
يقول العلماء: ليكن عملك هنا ونظرك في السماء. وليس معنى الأخذ بالأسباب الاعتماد عليها، بل الطريقة المثلى في التصور الإسلامي أن يقوم المسلم بالأسباب كأنها كل شيءٍ في النجاح، ثم يتوكل على الله كأنه لم يقدم لنفسه سبباً، ولا أحكم خطةً، ولا سد ثغرةً.
يقول العارفون بالله أن التوكل على الله يتحقق بإيمانِ العبد بأنَّ ما كتب الله سبحانه نافذٌ، وما قدّره الله له كائنٌ، وإن بدت الأمور بعكس ما يريد العبد فعليه الإيمان بأنَّ الله سبحانه قد اختارَ لهُ الأفضل. قال تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾. ويتحقق التوكل بمعرفةِ المسلم أنَّ بتوكلهِ هذا ينالُ رضا الله سبحانه ومحبته، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ ويُجازى المتوكل بالجنة، والتي هي أسمى أماني المؤمن، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ . الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾. ويتحقق التوكل بشعور العبد بضعفهِ، وفقرهِ، وحاجته لله سبحانه وتعالى، فمهما بلغ من أسباب القوة يبقى ضعيفاً، ويحتاج إعانة الله له في أمور حياته، وفي التغلب على مصائبهِ، وكروبهِ، قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾. التوكل على الله يجلب الرزق التوكل على الله يجلب للمسلم الرزق الكثير، فهو يعلم أنَّه لا يضرُّ ولا ينفعُ إلا الله سبحانه، ولا يُعطي ولا يَمنع إلا الله سبحانه، فيتوكل عليه، ويأخذ بالأسبابِ التي تُعينه على ذلك.

أحبتي .. يلخص لنا أحد الصالحين أمر التوكل على الله بكلماتٍ بسيطةٍ؛ يقول: "على المسلم أن يتذكر أن ليس هناك تعارضٌ بين التوكّلِ والأخذ بالأسباب، وعليه أن يأخذ بالأسباب وإن كانت في نظرهِ ضعيفةً أو ليس لها تأثيرٌ، لكنه لا يعتمد بشكلٍ أساسي وقاطعٍ على الأسباب فقط وإنَّما يعتمدُ في البداية والنهاية على الله سبحانه، مع أخذهِ بالأسباب، فالله يُقدّر الأمور بأسبابها".
ونقول نحن: (اللهم عليك توكلنا) فاكتبنا من المتوكلين عليك، المنيبين إليك، الواثقين بقدرتك، الساعين لرضاك، الطامعين في جنتك.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

https://goo.gl/oFVz5z