الجمعة، 16 فبراير 2018

الأخسرين أعمالاً

الجمعة 16 فبراير 2018م

خاطرة الجمعة /١٢٢
(الأخسرين أعمالاً)

جلسةٌ عائليةٌ طيبةٌ جمعتنا، تبادلنا فيها الأحاديث في موضوعاتٍ شتى، إلى أن وصل بنا المطاف إلى الحديث عن فئةٍ من الناس ضلوا وتجاوز ضلالهم عدم رؤية الحق، رغم أنه ظاهرٌ، إلى اعتقادهم الجازم بأن ما هم فيه من ضلالٍ هو عين الصواب، وهو الحق، بل هو السبيل إلى الخير! فتذكرت الآية الكريمة من سورة الكهف التي تصف حال هؤلاء: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾، فحكيت لمن في تلك الجلسة قصةً تُروى وفيها أن اﻹمام أبا حنيفة رحمه الله مَرَّ يوماً في طريقٍ فرأى رجلاً سرق تفاحةً ثم تصدق بها، فسأله الإمام: "لم سرقتها؟ ظننتك جائعاً!"، قال الرجل: "لا يا هذا {وهو لا يعرف أنه اﻹمام أبو حنيفة} أنا أتاجر مع ربي!"، قال أبو حنيفة: "وكيف ذلك؟!"، قال الرجل: "سرقت التفاحة فكُتبت عليّ سيئةٌ واحدةٌ، وتصدقت بها فكُتبت لي عشر حسناتٍ؛ فبقي لي تسع حسناتٍ كسبتُها؛ فأنا أتاجر مع ربي!"، فقال له الإمام: "أنت سرقت فكُتبت عليك سيئة، ثم تصدقت بما سرقته، فلم يقبلها الله منك؛ لأن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً؛ فبقيت عليك سيئة". قلت لأحبائي في تلك الجلسة كم في زماننا من أمثال هذا الرجل؛ يفتي لنفسه أو لغيره دون بينةٍ، ويجادل بالباطل وهو يظن أنه على الحق، ويبني الحكم على نصٍ قرأه ربما بجهلٍ دون أن يرجع ﻷهل العلم؟
ولأن الشيء بالشيء يُذكر فقد حكى لنا أحد أقاربنا من الذين كانوا معنا في تلك الجلسة العائلية موقفاً حدث له مع أحد أصدقائه القدامى، لم يتواصل معه منذ سنواتٍ طويلةٍ بسبب سفره إلى خارج الدولة، فلما عاد أراد قريبنا أن يعيد الصلة التي انقطعت؛ فإذا بصديقه يدعوه لمصاحبته والسفر معه كل يوم جمعةٍ للصلاة بمسجدٍ به ضريح أحد أولياء الله الصالحين، قال له أنه يتبارك بزيارته، وحكى له عن بركات هذا الولي وكيف أنه كان يشكو من مرضٍ ظل يُعالَج منه لعدة سنوات لكنه ومع أول زيارةٍ لضريح هذا الولي وتوسله له بالشفاء إذا به يُشفى ويتعافى خلال أيامٍ قليلةٍ. يقول قريبنا أنه بيَّن لصديقه أن هذا الأمر حرامٌ لأنه إن لم يكن شركاً بالله سبحانه وتعالى ففيه شبهة الشرك، وأنه قرأ فتوى في هذا الموضوع يتذكر أهم ما فيها أنه أولاً: لا يجوز شد الرحال لزيارة المساجد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: [لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى]، ثانياً: دعاء الأموات أو الاستغاثة بهم أو طلب المدد منهم، والاعتقاد فيهم أنهم يملكون جلب نفعٍ أو دفع ضر ٍأو شفاء مريضٍ أو رد غائبٍ كل ذلك وأشباهه شركٌ أكبر يخرج عن ملة الإسلام، ثالثاً: قد يصادف شفاء بعض المرضى الذين يزورون تلك الأضرحة تقدير الله عز وجل، فيظن الجاهلون أن الشفاء تم بسبب الرجل الصالح الذي في الضريح، بل وقد يقضى الشيطان بعض حوائج الناس ليغريهم بذلك على الثبات على الشرك رغم أن الشفاء لا يتم إلا بأمر الله وقدره.
أضاف قريبنا أنه بيَّن لصديقه واجب التزام المسلم بالنهي عن مثل تلك الزيارات مخافة الوقوع في الشرك والعياذ بالله، لكنه لم يجد من صديقه استجابةً لكل ما قاله، إنما على العكس وجد منه إصراراً على ما يظنه ويعتقده من بركات هؤلاء الأولياء وكراماتهم! ففضَّل ترك الجدال والمِراء عملاً بحديث الرسول الكريم: [أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا]. وتساءل قريبنا أليس هذا واحداً من هؤلاء (الأخسرين أعمالاً)؟

أحبتي في الله .. يقول أهل العلم أن  هذه الآية من سورة الكهف: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ نزلت في الكافرين على وجه الخصوص إلاّ أنّ حكمها عامٌ.
قال شيخ المفسّرين الإمام الطبري أنه يدخل في معنى (الأخسرين أعمالاً) "كلّ عاملٍ عملاً يحسبه فيه مصيباً، وأنّه لله بفعله ذلك مطيعٌ مُرْضٍ، وهو بفعله ذلك لله مُسخطٌ”.
وقال ابن كثير أن (الأخسرين أعمالاً) هم أولئك الذين: "عملوا أعمالاً باطلةً على غير شريعةٍ مشروعةٍ مرضيةٍ مقبولةٍ ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ أي يعتقدون أنهم على شيءٍ، وأنهم مقبولون محبوبون".
وقال عالمٌ جليلٌ: "ضلَّ سَعْى هؤلاء؛ لأنهم يفعلون الشر، ويظنون أنه خيرٌ؛ فهم ضالّون من حيث يظنون الهداية. ومن ذلك ما نراه من أعمال الكفار والملحدين حيث يبنون المستشفيات والمدارس وجمعيات الخير والبر، ويُنَادون بالمساواة وغيرها من القيم الطيبة، ويحسبون بذلك أنهم أحسنوا صُنْعاً وقدَّموا خَيْراً، لكن هل أعمالهم هذه كانت لله؟ الواقع أنهم يعملونها للناس وللشهرة وللتاريخ، فليأخذوا أجورهم من الناس ومن التاريخ تعظيماً وتكريماً وتخليداً لذكراهم".
ومعنى: ﴿ضَلَّ سَعْيُهُمْ﴾ أي: بَطُل وذهب وكأنه لا شيءَ، مثل السراب كما صَوَّرهم الحق سبحانه في قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَآءً حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً﴾.
ويرى أهل العلم أن معنى الآية عامٌ يشمل جميع من ضلّ سعيُهم في العقائد والأديان وهم يحسبون أنّهم على الحقّ، كما يشمل كلّ من كانت هذه صفته في أيّ مجال وفي أيّ مستوى وفي أيّ عمل كان. فالمقصود بعموم معنى الآية الكريمة كل من يعمل عملاً يحسبه طيباً وحسناً، وأنه مثابٌ به مأجورٌ عليه، لكن الصحيح يكون بخلاف ذلك تماماً، فقد وصف الله سبحانه وتعالى عمل مثل هؤلاء بالخسران والضلال.
إن هذه الآية يمكن أن تنطبق ليس فقط على الكافر ولكن أيضاً على المسلم حين يخطئ أو يرتكب معصيةً وهو يظن أنها خيرٌ.
يقول تعالى موضحاً حال مثل هؤلاء، مبيناً أن مفتاح الشر كله أن يزين الشيطان للإنسان سوء عمله فيراه حسناً: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وهو ما يحدث عندما   يُعجب الإنسان بنفسه وبكل ما يصدر عنها فلا يفتش في عمله ليرى مواضع الخطأ والنقص فيه، رغم أن الله سبحانه وتعالى أمر عباده المسلمين أن يسألوه الهداية إلى الصراط المستقيم في كل صلاةٍ بقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾. ويقول سبحانه في الحديث القدسي: [يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ]. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي يقول: [اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ].

إنّ القرآن العظيم يحكم على الّذي يعمل العمل الباطل وهو يظن أنه يفعل الخير بأنّه ليس خاسراً فقط، بل من (الأخسرين أعمالاً)، فالأخسر هو الأكثر خسراناً من الخاسر، إنها صيغة مبالغةٍ تُبين عِظَم الخسارة وفداحة الخُسران؛ ذلك أنّ مَن يفعل الشّر وهو يراه شرّاً، ويفعل الباطل وهو يراه باطلاً، ويقترف الجُرم وهو يراه جُرماً، مَنْ هذه حاله قد يفيق من غفلته، ويرجع عن ضلاله، ويتوب إلى ربّه، لكنّ الّذي يقوم بالظلم، ويستمرئ الضّلال، ويغشى المعاصي، ويقترف المنكر، وهو يرى نفسه من المحسنين، فهذا لا يُرجى منه خيرٌ، ولا تُنتظر منه توبةٌ إلّا من رحم ربي؛ فهو غالباً ما يكون من المكابرين الذين إذا قلت لأحدهم اتقِ الله أخذته العزة بالإثم، هؤلاء لا يستمعون لنصح ناصحٍ ولا لوعظ واعظٍ، مثلهم في ذلك مثل فرعون الذى رأى كفره شيئاً محموداً ومفيداً فقال لقومه: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾.

يرى علماء الاجتماع أنّ كثيراً من مشكلات الأفراد والأسر ونكبات المجتمعات سببها أولئك الّذين يفعلون أشياء يرونها في ظاهرها صلاحاً، وهي عَيْن الفساد؛ وهؤلاء قال الله عزّ وجل عنهم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾، ذلك أنّهم لا يعرفون الصّراط المستقيم، ولا يُفرِّقون بين الفساد والصّلاح؛ فأكبر مصيبةٍ ألا تدري وألا تدري أنك لا تدري، أن ترتكب أشنع الخطأ وتظن أنك على صوابٍ، أن تكون أبعد الناس عن الحق وتظن أنك على الحق ومن سواك على الباطل.

وصدق من قال:
من الناس من يدري، ويدري أنه يدري، فهذا عـالمٌ فاتبعوه
ومنهم من لا يدري، ويدري أنه لا يدري، فهذا جاهلٌ فعلِّموه
ومنهم من لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري، فهذا شيطانٌ فاحذروه

أحبتي .. لا بدّ للمرء أن يقف مع نفسه وقفةً للمراجعة اتّعاظاً بهذه الآية الكريمة واعتباراً بهؤلاء القوم، فقد يكون في الطّريق الخطأ، وقد يكون سعيه في ضلالٍ، وقد يكون عمله في باطلٍ، وهو لا يدري، بل وقد يظن أنّه على خيرٍ، وأنه يسير في طريق البرّ والحقّ؛ قال سبحانه وتعالى على لسان فئةٍ من هؤلاء:  ﴿إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾.

أحبتي .. كم من أناسٍ أدركوا خطأهم في اختيار الطّريق وبُعدهم عن سواءَ السّبيل ولكن بعد فوات الأوان، فهل نترك أنفسنا لنكون مثلهم؟ ألا يجدر بنا أن نبادر إلى حساب أنفسنا لنتبين الحق من الباطل؟ ألم نقرأ قول الله سبحانه: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾؟  ألا تنخلع قلوبنا رهبةً وخوفاً من الآية الكريمة: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾؟ فلنراجع أحبتي أعمالنا قبل أن نُسأل، ونزنها بميزان الشرع، حتى لا نكون من (الأخسرين أعمالاً)، ولنبتعد بأنفسنا عن الهوى والكبر وغمط الحق، ونقترب ما استطعنا من طريق الحق والصواب وسبيل الرشاد الذي سماه الله عز وجل الصراط المستقيم، والذي نطلب هدايتنا إليه في كل صلاةٍ بل وفي كل ركعة؛ حتى لا نكون من المغضوب عليهم ولا الضالين.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.


http://goo.gl/ZoMz5F

الجمعة، 9 فبراير 2018

الرضا والقناعة

الجمعة 9 فبراير 2018م

خاطرة الجمعة /١٢١
(الرضا والقناعة)

يُحكى أن أرملةً فقيرةً عاشت مع طفلها الصغير في حجرةٍ صغيرةٍ فوق سطح أحد المنازل حياةً متواضعةً في ظروفٍ صعبةٍ، وكان أكثر ما كان يزعج الأم هو المطر في فصل الشتاء؛ لكون الغرفة تحيطها أربعة جدرانٍ ولها بابٌ خشبيٌ غير أنه ليس لها سقف. مر على الطفل أربع سنواتٍ منذ ولادته لم تتعرض المدينة خلالها إلا لزخاتٍ متقطعةٍ من المطر، وذات يومٍ تراكمت الغيوم وامتلأت السماء بالسحب الكثيفة الواعدة بمطرٍ غزيرٍ؛ ومع ساعات الليل الأولى هطل المطر بغزارةٍ على المدينة فاختبأ الجميع في منازلهم، أما الأرملة والطفل فكان عليهما مواجهة قدرهما؛ نظر الطفل إلى أمه نظرةً حائرةً واندسّ في حضنها، ولكن جسد الأم والابن وثيابهما طالهم ماء السماء المنهمر، أسرعت الأم إلى باب الغرفة فخلعته ووضعته مائلاً على أحد الجدران، وخبّأت طفلها خلف الباب لتحجب عنه سيل المطر المنهمر؛ فنظر الطفل إلى أمه في سعادةٍ بريئةٍ وقد علت وجهه ابتسامة الرضا وقال لأمه: "تُرى ماذا يفعل الفقراء الذين ليس عندهم بابٌ حين ينزل عليهم المطر؟". لقد أحس الصغير في هذه اللحظة أنه ينتمي إلى طبقة الأثرياء؛ ففي بيتهم باب!
لم يكن الطفل الصغير بحكم سنه مدركاً لقيمة الرضا، ولا كان يفهم قيمة القناعة، لكن سؤاله لأمه كان معبراً عن قيمتي (الرضا والقناعة) معاً كما يدركهما ويفهمهما الكبار.

كما يُحكى أن رجلاً فقيراً يرعى أمه وزوجته وأبناءه، كان يعمل خادماً لدى أحد السادة، مخلصاً في عمله يؤديه على أكمل وجه، تغيب ذات يومٍ عن العمل، فقال سيده في نفسه: "لابد أن أعطيه ديناراً زيادةً حتى لا يتغيب عن العمل؛ فبالتأكيد لم يغب إلا طمعاً في زيادة راتبه لأنه يعلم مدى حاجتي إليه"، وحين حضر الخادم في اليوم التالي أعطاه راتبه وزاد عليه الدينار، لم يتكلم الخادم ولم يسأل سيده عن سبب الزيادة. بعد فترةٍ غاب الخادم مرةً أخرى، فغضب السيد غضباً شديداً وقال: "سأنقص من مرتبه الدينار الذي زدته"، وأنقصه بالفعل، ولم يتكلم الخادم ولم يسأل سيده عن نقصان راتبه؛ فاستغرب السيد مِنْ ردة فعل الخادم، وقال له: "زدتك فلم تسأل، وأنقصتك فلم تتكلم"، قال الخادم: "عندما غبتُ المرة الأولى رزقني الله مولوداً، فحين كافأتني بالزيادة قلتُ هذا رزق مولودي قد جاء معه، وحين غبتُ المرة الثانية ماتت أمي، وعندما أنقصتَ الدينار قلتُ هذا رزقها قد ذهب بذهابها"!
ما أجملها مِنْ أرواحٍ تقنع وترضى بما وهبها إياه الرحمن، وتترفع عن نسب ما يأتيها مِنْ زيادةٍ في الرزق أو نقصان إلى الإنسان أياً كان ولو كان سيداً.

أحبتي في الله .. جُبِلَ الإنسان على حب الخير لنفسه؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾، كما جُبل على الحرص على ما يملك من مالٍ فيبخل به ويمتنع عن صرفه في أوجه الخير والبر والإحسان؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾. يعتقد الإنسان أنه بذلك قد حقق لنفسه السعادة والهناء، لكن فاته أن السعادة الحقيقية هي في (الرضا والقناعة) بما قسم الله له؛ فمن ملكهما عاش في راحة بالٍ، وطمأنينة نفسٍ، وانشراح صدرٍ، وذهاب همٍ ونكدٍ وكدرٍ.
الرضا هو ضد السخط، والسخط كراهية الشيء وعدم الرضا به. والرضا متضمنٌ معنى الحب والإقبال؛ قال سبحانه: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى رضي عن أفعالهم، وهُم قد رضوا عن ربهم لما جازاهم به وخصهم بثوابٍ عظيمٍ. ومعنى الرضا من الله عز وجلّ هو خلاف السخط.

ولقد وردت صفة الرضا في القرآن الكريم على صورٍ مختلفة وفي مواضع متعددة؛ منها على سبيل المثال قوله تعالى: ﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِيـنَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾، وقوله: ﴿إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً﴾، وقوله: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾، وقوله: ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾، وقوله: ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى﴾. وكذلك قوله تعالى: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾، وقوله: ﴿وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾، وقوله: ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَـاهُ﴾، وقوله: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾، وقوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِيـنَ﴾. وقوله أيضاً: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾، وقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾، وقوله: ﴿إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَآءَ مَرْضَاتِي﴾، وقوله: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّـِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَمَسَـاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّـاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مّـِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾.

و(الرضا والقناعة) صنوان متلازمان؛ فلا رضا بغير قناعةٍ ولا قناعة بدون رضا.
ووردت كلٌ من صفة الرضا وصفة القناعة في كثيرٍ من الأحاديث النبوية الشريفة؛ منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: [إن الله يقول لأهل الجَنَّة: يا أهل الجَنَّة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط ِأحداً من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيءٍ أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً]. وقال عليه الصلاة والسلام: [إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها]. كما قال صلى الله عليه وسلم: [عِظَمُ الجزاء مع عِظَمِ البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط]. قال عليه الصلاة والسلام: [إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجاتٍ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم]. وقال صلى الله عليه وسلم: [إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عزّ وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عزّ وجل عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه].
ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على القناعة، وبيّن أنها طريقٌ إلى السعادة والفلاح؛ قال عليه الصلاة والسلام: ]قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ]. وقال صلى الله عليه وسلم: ]مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا]. وقال صلى الله عليه وسلم: [ليس الغِنَى عن كثرة العرَض، ولكن الغِنى غِنى النفس]، كما قال عليه الصلاة والسلام: [من يأخذ عني هؤلاء الكلمات، فيعْمَل بهن، أو يُعَّلِم مَن يعمَل بهن؟] فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمساً، وقال: [اتقِ المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب].
إذا أردنا أن يرزقنا الله القناعة، علينا أن ننظر إلى من هم أقل منا مالاً وجاهاً وحسباً، فقد علمنا ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين قال: [انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ]. وفي رواية أخرى: [إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَنْ فَوْقَهُ فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ].

لقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النموذج والمثل الأعلى في (الرضا والقناعة) بما قسم الله تعالى؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ، فَأَثَّرَ في جَنْبِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ، جَعَلْتُ أَمْسَحُ جَنْبَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ آذَنْتَنَا حَتَّى نَبْسُطَ لَكَ عَلَى الْحَصِيرِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: [مَا لي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا وَالدُّنْيَا، إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ الدُّنْيَا، كَرَاكِبٍ ظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا]. وقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو ربه بأن يرزقه القناعة فيقول: [اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبةٍ لي بخيرٍ]، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: [اللهم ارزق آل محمد قوتاً].
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: ]اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك].وعنها أنها قالت: "لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبزٍ وزيتٍ في يومٍ واحدٍ مرتين". وعنها رضي الله عنها قالت: "كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدمٍ وحشوه ليفٌ". وجاء عنها رضي الله عنها أنها قالت لعُروة ابن أختها: "وإن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلةٍ في شهرين، وما أُوقدت في أبيات رسول الله-صلى الله عليه وسلم-نارٌ"، فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: "الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-جيرانٌ من الأنصار كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله-صلى الله عليه وسلم-من أبياتهم فيسقيانه".

وورد في الأثر أن أبا بكر رضي الله عنه كان يقول في دعائه: {أسألك تمام النعمة في الأشياء كلها، والشكر لك عليها حتى ترضى، وبعد الرضا}. وكتب الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري يقول له: {أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر}. وقال الإمام الشافعي في معنى قول الله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾: {لما حُجب قومٌ بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضا}. ويقول ابن القيّم: "الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين، وقرة عيون المشتاقين، ومن ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ الله صدره غنىً وأمناً، وفرَّغ قلبه لمحبته والإنابة إليه والتوكل عليه، ومن فاته حظُّه من الرضا، امتلأ قلبه بضدِ ذلك واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه".

يقول أهل العلم أن ما يقع فيه الناس من خلافٍ وشقاقٍ سببه الدنيا والتنافس عليها، سببه ضعف (الرضا والقناعة) في القلوب، وصدق رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حينما قال: ]واللهِ ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبْسَط الدنيا عليكم؛ كما بُسِطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم]؛ فما فشا الجشع والطمع إلا عندما غابت القناعة.
والقناعة هي الرضا بما قسمه الله وأعطاه، هي استغناءٌ بالحلال عن الحرام، القناعة هي امتلاء القلب بالرضا وعدم التسخط والشكوى. إن السعيد حقاً هو من رضي بما قسم الله له، وصبر على القضاء خيره وشره، وأحس وذاق طعم الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: ]ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رضي بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً]. وقال صلى الله عليه وسلم: ]مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ]. والإنسان بدون الرضا يقع فريسةً لليأس، وتتناوشه الهموم والغموم من كل حدبٍ وصوبٍ، ولن يجد ملاذاً ولا راحةً من الطمع والجشع والحسد وأمراض القلوب وسخط علام الغيوب إلا بالرضا بما قسم الله. إن أعظم أبواب الخير والراحة والنعيم أن يرضى عنك ربك في الدنيا والآخرة ولن يصل المرء إلى هذه المكانة إلا بعقيدةٍ صحيحةٍ وعبادةٍ سليمةٍ وعملٍ صالحٍ وطمعٍ فيما عند الله من أجرٍ وثوابٍ، وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
فليتك تحلو والحياة مريرةٌ
وليتك ترضى والأنامُ غِضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامرٌ
وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صح منك الود فالكل هينٌ
وكلُ الذي فوق الترابِ ترابُ

إن القناعة لا تعني بالضرورة أن يكون العبد فقيراً، فالغنيُّ محتاجٌ إلى القناعة كحاجة الفقير إليها، فقناعة الغني أن يكون شاكراً راضياً، قناعته أن تكون الدنيا في يده لا في قلبه؛ حتى لا يكون عبداً لها، وتكون الآخرة في قلبه، فكم من صاحب مالٍ وفيرٍ رُزق القناعة، فلا يغش في تجارته، ولا يمنع الأجير حقه، ولا يذل نفسه للناس من أجل مالٍ أو منصبٍ أو جاهٍ، ولا يمنع زكاة ماله، إن ربح شكر، وإن خسر رضي، فهذا هو القنوع ولو ملك قصور كسرى وقيصر، ولو ملك مال قارون.
وقناعة الفقير، أن يكون راضياً بما قسم الله له، مستسلماً لأمر الله، لا ساخطاً ولا شاكياً، ولا جزعاً من حالِه، ولا غاضباً على رازقه، قناعته ألا يتطلع إلى ما في أيدي الآخرين، قناعته أن يكون عفيفاً متعففاً، وألا يرتكب الحرام من أجل الحصول على لقمة العيش.
يقول الشاعر:
فَـلا تَـغُـرَّنَّكَ الـدُّنْيــا وَزِيـنَـتُـهـا
وانْظُرْ إلى فِعْلِها في الأَهْلِ والوَطَنِ
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها
هَلْ رَاحَ مِنْهـا بِغَيْـرِ الحَنْطِ والكَفَنِ
خُذِ القَنَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِهـــا
لَـوْ لـم يَـكُـنْ لَـكَ إِلا رَاحَـــةُ البَـدَنِ

وعن علاقة القناعة بالطموح يقول أحد العارفين: "القناعة والطموح كلمتان قد تبدوان للبعض متضادتين، بينما هما على العكس من ذلك، فالقناعة هي الرضا، وهي حالةٌ نفسيةٌ تدفع إلى رضا الإنسان بواقعه، والطموح عند الإنسان المسلم العاقل يترافق مع القناعة في خطين متلازمين". ويقول آخر: "القناعة ليست هي الخنوع، وإنما هي حالةٌ من التصالح والسلام النفسي الذي يجعلنا نُقَدِّر ما وصلنا إليه نتيجة طموحنا؛ مما يشكل حافزاً إضافياً للانطلاق إلى طموحٍ جديدٍ لا تتوقف عجلة دورانه". ويقول ثالث موضحاً: "يتفاوت الناس في نظرتهم لحياتهم، بين طَموحٍ متحفزٍ متربصٍ بكل فرصةٍ وانفراجةٍ لمحاولة تحسين أحواله، وبين قابعٍ متخاذلٍ متواكلٍ كسولٍ يظن أن الرزق سيأتيه ولو نام على فراشٍ من حرير؛ فجعل من الكسل معنىً يرادف القناعة، رغم أنها في حقيقتها تناقض هذا المعنى، وما ذلك إلا شماعةٌ يعلق عليها فشله وركونه للكسل وعدم أخذه بالأسباب".

أحبتي .. إن السخط والجزع وعدم الرضا على قضاء الله وقدره وبما قسمه للعباد لا يزيد المرء إلا شقاءً وتعاسةً وبعداً عن الله ويحرم صاحبه من راحة البال وطمأنينة النفس. قال الشاعر:
النفس تـجزع أن تكون فـقيـرةً
والفقـر خـيرٌ من غنىً يطغيهــا
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت
فجميع ما في الأرض لا يكفيها

فلا راحة بالٍ ولا طمأنينة نفسٍ بغير (الرضا والقناعة)؛ فلنرضَ ولنقنع بما أنعم به الله علينا، ولنأخذ في ذات الوقت بأسباب توسعة الرزق من كل أبواب الحلال الممكنة.
عافانا الله وإياكم من غضب الله وسخطه، وكتب لنا ولكم رضاه عنا.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك، وارزقنا القناعة يا رب العالمين.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.


http://goo.gl/vd2TkU