الجمعة، 20 سبتمبر 2019

الطريق إلى الجنة


الجمعة 20 سبتمبر 2019م

خاطرة الجمعة /٢٠٥
(الطريق إلى الجنة)

قصةٌ حقيقيةٌ رائعةٌ، عجيبةٌ ومؤثرةٌ، حدثت في هولندا؛ ففي كل يوم جمعة، وبعد الصلاة، كان الإمام وابنه البالغ من العمر إحدى عشرة سنةً يتوجهان إلى إحدى ضواحي أمستردام ويوزعان على الناس كتيباتٍ صغيرةً بعنوان (الطريق إلى الجنة). في إحدى الجمع وكان الجو بارداً جداً وماطراً؛ ارتدى الصبي الكثير من الملابس حتى لا يشعر بالبرد، وقال: "حسنا يا أبي، أنا مستعد"، سأله والده: "مستعدٌ لماذا؟!"، قال الابن: "يا أبي، لقد حان الوقت لكي نخرج لتوزيع الكتيبات"، أجابه أبوه: "الطقس اليوم ممطرٌ وشديد البرودة في الخارج"، أدهش الصبي أباه بالإجابة حين قال: "ولكن يا أبى لا يزال هناك أناسٌ يذهبون إلى النار"، قال الأب: "لن أخرج في هذا الطقس"، قال الصبي: "هل يمكنني أن أذهب لتوزيع الكتيبات؟"، تردد والده للحظةٍ ثم قال: "يمكنك الذهاب"، وأعطاه بعض الكتيبات". مشى الصبي في شوارع المدينة في هذا الطقس البارد الممطر لكي يوزع الكتيبات على من يقابله من الناس، وظل يتردد من بابٍ إلى بابٍ حتى يوزع الكتيبات الإسلامية. بعد ساعتين من المشي تحت المطر، تبقى معه آخر كتيبٍ وظل يبحث عن أحد المارة في الشارع لكي يعطيه له، ولكن كانت الشوارع مهجورةً تماماً بسبب الطقس السيء؛ فاستدار إلى الرصيف المقابل لكي يذهب إلى أول منزلٍ يقابله حتى يعطيهم الكتيب، دق جرس الباب، فلم يُجب أحد، ظل يدق الجرس مراراً وتكراراً، بلا جدوى، كأن شيئاً ما يمنعه من ترك المنزل، مرةً أخرى، التفت إلى الباب ودق الجرس وأخذ يطرق على الباب بقبضته بقوةٍ، وهو لا يعلم ما الذي جعله ينتظر كل هذا الوقت، وظل يطرق فإذا بالباب يُفتح ببطءٍ، وكانت تقف عند الباب امرأةٌ كبيرةٌ في السن تبدو عليها علامات الحزن الشديد، فقالت له: "ماذا أستطيع أن أفعل لك يا بُني؟!"، نظر إليها الصبي بعينين متألقتين وعلى وجهه ابتسامةٌ أضاءت لها العالم وقال: "سيدتي، أنا آسف إذا كنتُ أزعجتك، ولكن فقط أريد أن أقول لك إن الله يحبك حقاً ويعتني بك، وجئتُ أعطيك آخر كتيبٍ معي والذي سوف يخبرك كل شيءٍ عن الله، والغرض الحقيقي من الخَلق، وكيفية تحقيق رضوانه". أعطاها الكتيب وأراد الانصراف، فقالت له: "شكرا لك يا بني!". بعد أسبوعٍ، وبعد صلاة الجمعة، حيث كان الإمام قد أنهى درساً له في المركز الإسلامي، وقفت سيدةٌ عجوزٌ تقول: "لا أحد في هذا الجمع يعرفني، ولم آتِ إلى هنا من قبل، وحتى يوم الجمعة الماضي لم أكن مسلمةً، ولم أفكر أن أكون كذلك. لقد تُوفي زوجي منذ أشهرٍ قليلةٍ، وتركني وحيدةً تماماً في هذا العالم. ويوم الجمعة الماضية كان الجو بارداً جداً وكانت السماء تمطر، وقد قررتُ أن أنتحر لأنني لم يبقَ لدي أي أملٍ في الحياة؛ لذا أحضرتُ حبلاً وكرسياً وصعدتُ إلى الغرفة العلوية في بيتي، ثم قمتُ بتثبيت الحبل جيداً في إحدى عوارض السقف ووقفتُ فوق الكرسي وثَبَّتُ طرف الحبل الآخر حول عنقي، وقد كنتُ وحيدةً يملؤني الحزن، وكنتُ على وشك أن أقفز، وفجأةً سمعتُ صوت جرس الباب في الطابق السفلي، فقلتُ سوف أنتظر لحظاتٍ ولن أجيب، وأياً كان من يطرق الباب فسوف يذهب بعد قليل، انتظرتُ ثم انتظرتُ حتى ينصرف مَنْ بالباب، ولكن كان صوت الطرق على الباب ورنين الجرس يرتفع ويزداد. قلتُ لنفسي مرةً أخرى: مَن يكون؟! رفعتُ الحبل مِن حول رقبتي وذهبتُ لأرى مَنْ يطرق الباب بكل هذا الإصرار، عندما فتحتُ الباب لم أصدق عيني فقد كان صبياً صغيراً وعيناه تتألقان وعلى وجهه ابتسامةٌ لم أرَ مثلها من قبل، حتى لا يمكنني أن أصفها لكم. الكلمات التي جاءت من فمه مست قلبي الذي كان ميتاً فقفز إلى الحياة مرةً أخرى، وقال لي بصوتٍ حانٍ: "سيدتي، لقد أتيت الآن لكي أقول لك إن الله يحبك حقيقة ويعتني بك!"، ثم أعطاني هذا الكتيب الذي أحمله (الطريق إلى الجنة)، فأغلقت بابي، وبتأنٍ شديدٍ قمتُ بقراءة الكتاب، ثم ذهبتُ إلى الأعلى وقمتُ بإزالة الحبل والكرسي لأنني لن أحتاج إليهما بعد الآن. أنا الآن سعيدةٌ جداً لأنني تعرفت إلى الإله الواحد الحقيقي. عنوان هذا المركز الإسلامي مطبوعٌ على ظهر الكتيب، جئتُ إلى هنا بنفسي لأقول: "الحمد لله وأشكركم على هذا الملاك الصغير الذي جاءني في الوقت المناسب تماماً؛ فأنقذ روحي من الخلود في الجحيم".
دمعت العيون في المسجد وتعالت صيحات التكبير "الله أكبر". نزل الإمام الأب من المنبر، وذهب إلى الصف الأمامي حيث كان يجلس ابنه واحتضنه وأُجهش في البكاء أمام الناس دون تحفظ. ربما لم يكن بين هذا الجمع أبٌ فخورٌ بابنه مثل هذا الأب.

أحبتي في الله .. كم من أناسٍ يعيشون حولنا لم تصلهم الدعوة إلى الله فلم يعرفوا (الطريق إلى الجنة) فكان مصيرهم نار جهنم والعياذ بالله، وهذا تقصيرٌ منا نحن المسلمين في مسئوليتنا وواجبنا في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى التي تفتح (الطريق إلى الجنة) أمام غير المسلمين، وترفع من درجة المسلمين في جنات النعيم، أمر الله بها في آياتٍ ورغَّب فيها سبحانه؛ يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، ويقول سبحانه: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾، ويقول عزَّ وجلَّ: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ ثم يقول: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
يرى أهل العلم أن أحسن الناس قولاً من دعا إلى الله وأرشد إليه، وعلم العباد دينهم وفقههم فيه، وصبر على ذلك، وعمل بدعوته، ولم يخالف قوله فعله ولا فعله قوله، هؤلاء هم أحسن الناس قولاً، وهم أصلح الناس وأنفع الناس للناس؛ يقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. 
وأخبر سبحانه أن الدعوة إلى الله على بصيرةٍ هي سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وهي سبيل أتباعه من أهل العلم؛ كما في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾.
ويأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله فيقول: [بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً]، ومن لطيف ما قال العلماء عن هذا الحديث: "بلغوا": تكليف، "عني": تشريف، "ولو آية": تخفيف.
وعن الثواب العظيم للدعوة إلى الله يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ]؛ يوضح علماؤنا في شرح هذا الحديث أنك لو دعوتَ كافراً فأسلم يكون لك مثل أجره، ولو دعوتَ مبتدعاً فترك البدعة يكون لك مثل أجره، ولو دعوتَ إنساناً عاقاً لوالديه فأطاعك وبر والديه يكون لك مثل أجره، ولو دعوتَ إنساناً يغتاب الناس فترك الغيبة يكون لك مثل أجره، وهكذا. ويقول عليه الصلاة والسلام: [مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا] فإن دعوتَ إلى خيرٍ فلك مثل أجور المهتدين على يديك، وإن دعوتَ إلى شرٍ فعليك مثل أوزارهم وآثامهم. وقال صلى الله عليه وسلم: [فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم].
وعن أسلوب الدعوة يقول أحد العلماء: ليعلم كل من يدعو إلى الله وإلى (الطريق إلى الجنة) أن الخطاب الديني الذي يصدر عنه هو خطاب تحريرٍ وتنوير؛ تحريرٍ للعقول والقلوب من الزيغ والهوى لتستنير بنور الهُدى والتُقى. وهو خطاب تبصيرٍ وتذكيرٍ وسماحةٍ ورفقٍ ورحمةٍ ولينٍ ودفعٍ بالتي هي أحسن. هو خطاب تسامحٍ وتعايشٍ وسلامٍ وتعاونٍ على البر والتقوى. خطابٌ ينبذ التعصب والتزمت والانغلاق والتحجر، يقاوم الفُرقة والفتنة، خطابٌ يدفع إلى تحقيق الخيرية الفعلية لأمة الإسلام: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس ِتَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾.
يوضح أحد العاملين في مجال الدعوة أن من الأمور التي تختلط في أذهان الكثيرين تصور أنَّ الدعوة إلى الله هي أن تعتلي المنابر وتُلقي الدروس والمحاضرات، والحقيقة أن الأمر أيسر من ذلك، يكفي أنتقول كلمةً أو تكتب عبارةً يستفيد منها غيرك، أو تفعل فعلاً طيباً يقتدي به الآخرون. ومن الشبهات قول بعضهم: إنك كمن يحرث البحر، إنك لن تغير الكون بكلامك، لن تستطيع أن تصنع شيئاً، لن تجد استجابةً من الناس والفساد يحيط بهم من كل جهة. هؤلاء أذكرهم بقول الله سبحانه: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾. وأضيف إلى ذلك أن الدعوة إلى الله لا تقتصر على تلاوة آيةٍ وقراءة حديثٍ نبويٍ شريف بعد انتهاء صلاة الجماعة في المسجد، وإنما هي منظومةٌ متكاملةٌ أهم ما فيها أن يكون الداعي قدوةً صالحةً لغيره يعمل بما يقول بغير انفصامٍ بين الأقوال والأفعال.

أحبتي .. الدعوة إلى الله ليست وظيفة واعظٍ، ولا واجب إمامٍ فقط، وإنما هي مسئولية كل مسلمٍ، صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، فقيراً أو غنياً، كلٌ حسب قدرته واستطاعته؛ فلا ينبغي أن يتخلف أحدٌ من المسلمين عن هذا الواجب. ليسأل كلٌ منا نفسه ماذا قدَّم للدعوة إلى الله؟ وليحاسب نفسه حتى لا يُفَوِّت على نفسه ثواباً عظيماً لا يُحسب له حساباً بسيطاً وإنما حساباً مركباً يتضاعف كل حين، ينتفع به في حياته وبعد مماته. وهذه دعوةٌ مني، خاصةً للشباب وغيرهم ممن يجيد استخدام التقنيات الحديثة، استخدموا هذه التقنيات من إنترنت وبرامج تواصل اجتماعي وهواتف ذكية في الدعوة إلى الله بنشر آية، أو شرحٍ أو تفسيرٍ لها، أو حديثٍ نبويٍ شريف، أو قصةٍ من سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أو من سير الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين أو الصحابة أو التابعين، أو من قصص الحضارة الإسلامية العظيمة وعلماء المسلمين. كذلك فإن المسارعة إلى تصحيح ما يُنشر من أخطاء أو مزاعم أو افتراءاتٍ أو أحاديث موضوعةٍ وباطلةٍ لا يقل في أهميته عن الاهتمام بنشر ما يفيد، بل قد يكون هو الأولىٰ في كثيرٍ من الحالات.   
وفقنا الله جميعاً إلى الإخلاص في الدعوة إلى سبيله القويم وطريقه المستقيم عسى أن يكون في عملنا إنقاذٌ للبعض من النار، وإرشادٌ لآخرين بتعريفهم (الطريق إلى الجنة) فنكون نحن وهم رفقاء فيها بإذن الله.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2msSv9X

الجمعة، 13 سبتمبر 2019

حبل الله المتين


الجمعة 13 سبتمبر 2019م

خاطرة الجمعة /٢٠٤
(حبل الله المتين)

تداول عددٌ كبيرٌ من الناس هذه القصة التي نشرها صاحبها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. تقول القصة: كنتُ في زيارةٍ قصيرةٍ لموسكو، وأردتُ أن أتوجه إلى المطار فطلبت سيارة أجرة. وصلت السيارة وكان سائقها شاباً مسلماً من جمهورية قيرغيستان، وهي إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي التي انفصلت عنه ومعظم سكانها مسلمون. عندما ركبتُ السيارة سألني السائق من أي عرقٍ أو أمةٍ أنا: شيشاني - تتري - طاجيكي - أوزبكي؟ كان ردي أني عربي، قال بلهفةٍ غريبة: "عربي! هذا يعني أنك تستطيع أن تقرأ القرآن بنطقٍ صحيح؟"، قلتُ: "نعم، والحمد لله"، سألني: "هل يمكن أن تعلمني كيف أقرأ سورة الفاتحة؟"، قرأتُها وكان يردد خلفي، طلب مني أن أعيد قراءتها عدة مراتٍ، وظل يردد خلفي. ومرةً بعد مرةٍ كان صوت أنفاسه يعلو ويرتفع؛ قال لي: "أُحس أن قلبي سيتوقف؛ لا أصدق نفسي أني أقرأ الفاتحة قراءةً صحيحة!". سألني عن اسمي؛ أخبرته أن اسمي محمد، قال: "محمد، ما شاء الله"، وبدأ يبكي، واستطرد قائلاً: "اسمك محمد، مثل اسم النبي عليه الصلاة والسلام، ومن نسله، وتقرأ القرآن الكريم كما كان يقرأه!". ظللنا طوال الطريق إلى المطار؛ أنا أقرأ الفاتحة وهو يردد بعدي، ثم انتقلنا لقراءة سورة الإخلاص - وكان يريد أن يتعلمها ويقرأها بنطقٍ صحيحٍ -أخبرني أنه لأكثر من ثلاثين سنةً كان كل حلم أمه أن أتمكن من قراءة القرآن الكريم باللغة العربية، وأن أُعَلِّمها هي كيف تقرأ بطريقةٍ صحيحة.  ثم أمسك بهاتفه المحمول واتصل بأمه ليُسْمِعها كيف يقرأ الفاتحة وسورة الإخلاص بطريقةٍ صحيحة، وقال لها أنه قابل أخاً عربياً سوف يعلمه القرآن الكريم كله، والتفتَ إليّ وسألني: "صح؟!"، أجبته دون تردد: "صح!". اتفق معي أن نبدأ من قصار السور ثم نكمل حتى نصل إلى سورة البقرة يقرأها كلها بدون مصحف!

كنا قد وصلنا إلى المطار وعندما ناولتُه الأجرة رفض استلامها وقال لي: "أنا أخذتُ أجرتي وزيادة، بل أنا مدينٌ لك بأي عددٍ من التوصيلات عندما تعود إلى موسكو مرةً أخرى، يكفي أنك علمتني اليوم الفاتحة وسورة الإخلاص!".
علق ناشر القصة على هذا الموقف بأن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بلسانٍ عربيٍ مبينٍ لا نعرف قيمته، وأنعم علينا بنعمة القراءة في المصحف وفهم معاني كلماته وآياته، لكن للأسف كثيرٌ منا ينسى هذه النعم، وكثيرٌ منا لا يُقَدِّر قيمتها! نِعَمٌ يتمناها ناسٌ كثيرون لأنفسهم ومستعدون لدفع كل غالٍ وثمينٍ مقابل حصولهم عليها.

أحبتي في الله .. إنه القرآن الكريم (حبل الله المتين) كلام الله الذي أنزله على رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم. إنه القرآن الكريم كتاب الإسلام الخالد، ومعجزته الكبرى، أنزله الله سبحانه وتعالى هدايةً للبشر أجمعين؛ يقول تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.
يقول أهل العلم عنه: فيه تقويمٌ للسلوك، وتنظيمٌ للحياة، من استمسك به فقد استمسك بالعُروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه وطلب الهُدى في غيره ضل ضلالاً بعيداً. مكتوبٌ في المصاحف، محفوظٌ في الصدور، مقروءٌ بالألسنة، مسموعٌ بالآذان، فالاشتغال به من أفضل العبادات، ومن أعظم القُربات. أودع الله فيه علم كل شيء؛ ففيه الأحكام والشرائع، والأمثال والحِكم، والمواعظ والتأريخ، والقصص ونظام الأفلاك، ما ترك شيئاً من الأمور إلا وبيَّنها، وما من نظامٍ في الحياة إلا وأوضحه، قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَة، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾، هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ].
هذا هو كتابنا ودستورنا، هذا هو نبراسنا، إن لم نقرأه نحن معاشر المسلمين، فمن يقرأه؟ قال تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا﴾، فما أعظمه من أجرٍ لمن قرأ كتاب الله، وعكف على حفظه، فله بكل حرفٍ عشر حسناتٍ، ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
إنه القرآن الكريم (حبل الله المتين) الذي وصفه عالمٌ بأنه كتاب هدايةٍ ومنهجٍ وعمل، كما أنه كتاب تأمّلٍ وتدبّرٍ وتفكّر، وهو الحُجَّة البالغة التي تخاطب العقل والوجدان والروح معاً في كل زمانٍ ومكانٍ بالبراهين والأدلَّة التي تُذعن معها الفطر السليمة وتُسلِّم بها، فتنقاد للحق وهي راضيةً مختارةً. وكلما اكتشف العلماء حقائق علميةً جديدةً وجدوا القرآن الكريم قد سبقهم بالإشارة إليها، فنحن في كتاب الله أمام معجزةٍ مستمرةٍ ومتجدّدةٍ تأتي في كل عصرٍ بإعجاز جديدٍ. لقد نزل هذا القرآن الكريم في القرن السابع الميلادي، ومرّ على نزوله أكثر من أربعة عشر قرناً، ولا يزال يكشف لنا يوماً بعد يومٍ وجيلاً بعد جيلٍ مزيداً من عجائبه، وفي كل الميادين؛ ففي ذلك الزمان لم يكن أحدٌ يعلم شيئاً عن تطوّر الأجنة في الأرحام، وتكوّر الليل والنهار، والرتق والفتق الكوني، وتوسع الكون، ومواقع النجوم، والبحر المسجور، وتعدد مطالع الشمس ومغاربها، ورفع السماء بغير عمد، والظلام الكوني، والضغط الجوي ونقص الأوكسجين، والحاجز الكيميائي بين البحرين، والجبال ووظائفها، وحقيقة السُحب والأمطار، وغير ذلك من الحقائق العلمية التي يكتشفها البشر تباعاً فيجدونها موصوفةً في القرآن الكريم بشكلٍ مدهشٍ وبدقةٍ متناهية. ولا يمكن لعاقلٍ أن يتصور مصدراً لهذه الحقائق العلمية في القرآن الكريم غير الله الخالق الذي أنزله بعلمه، وأورد فيه مثل هذه الحقائق الكونية لتكون شاهدةً على مر العصور والأجيال بأن هذا القرآن كلامه ووحيه إلى خاتم رسله وأنبيائه مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلّم.
إنه القرآن، كتاب الله، (حبل الله المتين) الذي أثر في القلوب والنفوس حتى قال عنه أحد كفار قريش - وكان سيداً في قومه وعشيرته -: "واللهِ إن لقوله لحلاوةٌ، وإن عليه لطلاوةٌ، وإنه لمثمرٌ أعلاه، مغدقٌ أسفله، وإنه ليحطم ما تحتَه، وإنه ليعلو وما يُعلى عليه".

يقول أحدهم: كنتُ ضائعاً حتى التزمت بوردٍ ثابتٍ من القرآن لا أتخلّف عنه أبداً ففجر الحياة في قلبي إلى حدٍ لا أستطيع أن أصفه؛ ليتني عرفتُ هذا الطريق مبكراً. وينصح غيره بقوله: يا أحبابي اقرؤوا بتدبر الآية الكريمة: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا﴾، القرآن ليس حروفاً وإنما هو روح.

ويقول آخر: سيأتي اليوم الذي نعرف فيه أن القرآن الكريم بصفحاته ال٦٠٤، وأجزائه ال٣٠، وسوره ال١١٤، هذا المصحف الذي نهمله؛ لا نفتحه، لا نتلوه، لا نحفظه، لا نهتم به، لا نتدبر آياته، لا نُحَكِّمه فيما شجر بيننا، لا نعمل بأحكامه، نحلف به، نزين به مكتباتنا وسياراتنا، سنعرف يوماً أنه كانت فيه قصة الخلق جميعهم من البداية إلى النهاية بأدق تفاصيلها، كانت فيه الحلول لمشاكلنا، والإجابات عن أسئلتنا، والشفاء لصدورنا، لكن لم يكن لدينا الوقت الكافي لنقرأه حيث كنا مشغولين بأمورٍ أخرى نظن أنها الأهم! يوم نعرف ذلك ونتيقن منه يكون ما سماه المولى عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم يوم الحسرة؛ ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.

إن القرآن الكريم (حبل الله المتين) نزل علينا نعمةً من المولى عزَّ وجلَّ؛ فيه خيرٌ كثير؛ ضبط معاملاتنا كلها في جميع مجالات الحياة، يكفي على المستوى الشخصي أنه ضبط علاقتنا بوالدينا: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وضبط معاملاتنا مع الآخرين: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، وضبط مشيتنا: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾، ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾، وضبط صوتنا: ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾، وضبط نظراتنا: ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾، وضبط سمعنا: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾، وضبط طعامنا وشرابنا: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾، وضبط ألفاظنا: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾، وضبط مجالسنا: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾. فالقرآن الكريم كفيلٌ بأن يضبط حياتنا كلها، بل هو سبيلٌ إلى أن تتحقق السعادة للبشرية جمعاء.

قال الشاعر عنه:
هو حَبلُ رَبى للوجودِ جَميعُه

جَمعَ الأُمورَ وصاغَ كلَ بَيانِ
هو قولُ حقٍ غيرِ ذي عوجٍ أتىٰ
أَنْعِم بهِ - قد جاءَ مِن مَنَّانِ
وتكفّلَ اللهُ الحفيظُ بحِفظِه
ليعيشَ صَرحاً كاملَ البُنيانِ
يا أيها العَطشىٰ تَعالوا نَرتوي
ونعيشُ أمناً في رُبىٰ الفُرقانِ

أحبتي .. فلنراجع أنفسنا ونتفكر في علاقتنا بالقرآن الكريم، هل نحن ممن نواظب على تلاوته ونحرص على حفظه؟ أم ممن اشتكى منهم الرسول الكريم لربه وقال: ﴿إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾؟ وكما يقول أصحاب العلم: ترك علمه وحفظه من هجرانه، وترك الإيمان به وتصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره -من شعرٍ أو قولٍ أو غناءٍ- من هجرانه.
ألا نخجل من أنفسنا وأبناؤنا يدرسون في الروضة والتمهيدي ثم الابتدائي ثم الإعدادي ثم الثانوي ثم الجامعة، ويتخرجون لم يحفظوا جزءاً واحداً من ثلاثين جزءاً من القرآن الكريم؟! نجري بهم وهم صغارٌ من البيت إلى النادي ومن النادي إلى البيت لتنمية أجسادهم بالرياضة، ولا نهتم بتنمية أرواحهم وعقولهم بالقرآن الكريم تلاوةً وحفظاً؟!
مصيبةٌ أن نكون نحن الآباء مسئولين عن أن يقضي أبناؤنا أجمل وأهم أيام عمرهم لا يتعلمون إلا للدنيا، ونغفل أو نتغافل عن تعليمهم ما ينفعهم - وينفعنا معهم - في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾.
لا نقلل من شأن علوم الدنيا ولا من الرياضة ولا من غيرها من الهوايات، وإنما نتعجب من التركيز عليها وتنميتها وبذل الوقت والجهد والمال في سبيل تحصيلها مع إهمال ما هو أهم وأنفع! ألا يمكن أن نوازن بين علوم الدنيا وعلوم الآخرة وعلى رأسها علوم القرآن؟ وإذا لم يتوفر سوى وقتٍ قليلٍ وجهدٍ محدودٍ فبأيٍ منهما نضحي؟ ما يفيدنا في دنيا فانيةٍ أم ما ينفعنا في آخرةٍ باقية؟ لا تحتاج الإجابة إلى كثير ذكاء، بل تحتاج إلى فطرةٍ صحيحةٍ لم تتلوث، ونيةٍ خالصةٍ لم تتلون، وفهمٍ صحيحٍ لم تصبه الجهالة.
نسأل الله العفو والعافية والمعافاة في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
جعلنا الله وأبناءنا من أهلين الله؛ كما بَيَّن ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: [إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ]، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: [هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ].

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2kfXbyZ


الجمعة، 6 سبتمبر 2019

غفلة الآباء


الجمعة 6 سبتمبر 2019م

خاطرة الجمعة /٢٠٣
(غفلة الآباء)

كتب أحد الأبناء على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك رسالةً إلى أبيه يقول فيها:
أبتي .. اِستمع إلى شكواي أبثها إليك، ومشكلتي أضعها بين يديك؛ فمشكلتي يا أبتي أنك أنت مشكلتي!
إنني أعيش في تخبطٍ عجيبٍ وصراعٍ غريب؛ وذلك لأني أراك تأمرني بأمورٍ أنت لا تفعلها، وتنهاني عن أمورٍ أنت ترتكبها، فاحترتُ أأقتدي بأقوالك أم بأفعالك؟ تأمرني بالصدق وتحثني عليه، وترغبني فيه، وتحذرني من الكذب وتنهاني عنه، ثم أراك في مواضع كثيرةٍ تمارس ما نهيتني عنه وحذرتني منه؛ فتكذب تارةً، وتأمرني بالكذب تارةً أخرى! تأمرني يا أبتي بأن آكل الحلال، وأكون أبعد ما أكون عن الحرام، وأنت لا تعطي صاحب البقالة حقه الذي له علينا منذ سنوات! تأمرني أن أكون باراً بأمي، وأنت تُهينها وتُهين أهلها كلما غضبت! تخالف أوامر الخالق سبحانه وتعالى أمامي، ثم تطلب مني أن أخافه وأراقبه! لقد أصبَحَتْ المُثُل والقيم التي تعلمني إياها في نظري كلاماً نظرياً لا يمت للواقع بصلة؛ فألفيتُ نفسي أتعلم منك كلاماً في الصباح، وأرى ما يخالفه أفعالاً في المساء!
يا أبتي: إني لا أريد أن أكون خصيماً لك يوم القيامة؛ فأُمسك بتلابيبك يوم الحسرة والندامة وأقول: "يا ربِ خُذ لي مظلمتي من والدي؛ لأنه رآني على المعصية فلم ينهني، وأبصرني محجماً عن المعروف فلم يأمرني. يا ربِ إنه يَسَّر لي أسباب المعصية، وزيَّن في عيني الخطيئة، وألقاني في نار الشهوات؛ فأحرقت إيماني والتهمت حسناتي".
يا أبتي: إني أمانةٌ في عنقك، وأنت مسؤولٌ عني أمام ربي وربك؛ فاشغلني بطاعة الله حتى لا تشغلني نفسي بمعصيته، استعملني في مرضاة الله حتى لا أقع فيما يغضبه، سخرني في قربات الله كي لا أفعل ما يسخطه، بِرَّني صغيراً حتى أُبِرُك كبيراً. لن أشكوك يوم القيامة أمام الله لأنك لم تسافر بي للسياحة، أو لأنك لم توفر لي أجهزةً إلكترونيةً أو هواتف حديثة، أو لأنك لم تسجلني بنادٍ رياضي، أو لم تُلبسني ثياباً فاخرة، لكنني سأخبر ربي أنك لَمْ تعلمني كيف أعبده وأحبه وأتعلق به، ولَمْ تعلمني أن أفزع إليه في الشدائد، وأُراقبه وأذكره في الرخاء، ولَمْ تعلمني القرآن والسنة والعمل بهما، ولَمْ تكن تأمرني بالصلاة وتحثني على عدم تركها في كل حال، لَمْ توقظني لصلاة الفجر وتعلمني الحفاظ عليها، لَمْ تزرع في نفسي الحرص على صلاة الجماعة في المسجد، لَمْ تنهني عن التهاون والتفريط  في الفرائض وَالانخراط في الشهوات وفعل المنكرات ومصاحبة أصدقاء السوء واللهو والانشغال عن عبادة الله وطاعته، وتركتَ الشارع وأصدقاء السوء هم من يتولون تربيتي، سمحتَ لنا بمتابعة القنوات الفضائية التي تُضيِّع الدين وتهدر الأخلاق فنشأنا تائهين ضائعين في هذه الحياة.
أبي الحبيب، هل أعددتَ جواباً ينجيك يوم تقف أمام الله سبحانه وتعالى فيسألك عني وعن إخوتي - وقد كنا أمانةً عندك - هل حفظتنا أم ضيعتنا؟!

إنها رسالةٌ صعبةٌ عن (غفلة الآباء) حركت مشاعري، وجعلتني أسأل نفسي السؤال الأخير: ماذا سأجيب ربي عندما يسألني أحفظتُ أمانتي أم ضيعتُها؟
ذكرتني هذه الرسالة بقصةٍ من قصص التراث ذات الصلة؛ حيث كان هناك ملِكٌ كثير المال، وكانت له ابنةٌ لم يكن له ولدٌ غيرها، وكان يحبها حبّاً شديداً، وكان يلهيها بصنوف اللهو، فمكث كذلك زماناً، وكان إلى جانب الملِك عابدٌ، فبينما هو ذات ليلةٍ يقرأ إذ رفع صوته وهو يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ فسمعت الابنة قراءته، فقالت لجواريها: كفوا، فلم يكفوا، وجعل العابد يردد الآية والابنة تقول لهم: كفوا، فلم يكفوا، فوضعت يدها في جيبها فشقت ثيابها، فانطلقوا إلى أبيها فأخبروه بالقصة، فأقبل إليها، فقال: يا حبيبتي ما حالك منذ الليلة؟ ما يبكيك؟ وضمها إليه، فقالت: أسألك بالله يا أبتِ، أللهِ عزَّ وجلَّ دارٌ فيها نارٌ وقودها الناس والحجارة؟ قال: نعم، قالت: وما يمنعك يا أبتِ أن تخبرني؟ واللهِ لا أكلتُ طيِّباً، ولا نمتُ على ليِّنٍ حتى أعلمَ أين منزلي في الجنة أو النار.
إنها قصةٌ أخرى عن (غفلة الآباء)!

أحبتي في الله .. يقول أهل العلم أن تضييع الأبناء وعدم الاهتمام بتربيتهم أمرٌ منكرٌ ومعصيةٌ ظاهرةٌ وتضييعٌ لوصية الله سبحانه الذي قال: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ﴾؛ فالأبناء ودائع عند الوالدين وصى الله عليهم ليقوم الوالدان بمصالحهم الدينية والدنيوية، فيعلموهم ويؤدبوهم ويكفوهم عن المفاسد، ويأمروهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام؛ فالأولاد عند والديهم موصىً بهم، إما أن يقوم الوالدان بتلك الوصية، وإما إن يضيعاها فيستحقا بذلك الوعيد والعقاب. والتربية مسؤوليةٌ مشتركةٌ بين الوالدين، لذا فمن الخطأ حصر مسؤولية الأب في الإنفاق فقط؛ فعليه أن يتقي الله ربه، وأن يَعْلَم أن اشتغاله بتربية أولاده ودعوتهم إلى الله وإلزامهم أخلاق الإسلام من أولى واجباته؛ لأن هؤلاء الأولاد من رعيته التي استرعاه الله عليها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ]. ويقول عليه الصلاة والسلام: [كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُوْلُ]، فإن فرَّط الأب وقصَّر في واجب تربية أبنائه كان آثماً؛ يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ].
إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده؛ فإنه كما أن للأب على ابنه حقاً فللابن على أبيه حقٌ، فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدىً، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً.

يقول علماء الاجتماع وعلماء النفس إن وجود الأب في حياة الأطفال يعني الحماية والرعاية والقدوة والسلطة، فالأطفال بحاجةٍ إلى أن يشعروا بأن هناك حمايةً ورعايةً وإرشاداً يختلف نوعاً ما عما يجدونه عند الأم، وبأن الأب هو الراعي الأساسي للأسرة، وهو المسؤول عن رعيته، فوجود الأب كمعلمٍ في حياة الطفل يُعتبر من العوامل الضرورية في تربيته وإعداده. إن بعض الآباء يظنون أن دور الرجل يقتصر على تأمين السكن والملبس والمصاريف، ويُعَرِّفون مفهوم رب الأسرة بأنه ذلك الديكتاتور المتسلط الحازم في كل شيء، لكن هذا خطأٌ فادحٌ، فمشاركة الأب في تربية الأبناء شيءٌ في غاية الأهمية، لما له من تأثيرٍ قويٍ في شخصية الأبناء، من خلال اهتمامه بأبنائه ومصاحبتهم ومعرفة أفكارهم وميولهم وهواياتهم، ومساعدته لهم في حل مشاكلهم، ومعرفة أصدقائهم، كما أن عليه إرشادهم وتقويمهم واستخدام الشدة والحزم، إلى جانب الرفق والتسامح؛ فإحساس الأبناء بوجود رادعٍ لهم، يجعلهم على حذرٍ من الوقوع في الخطأ، كما يجب على الأب الاقتراب أكثر من الأبناء، وتمضية الوقت الكافي معهم، وتعويدهم على أسلوب النقاش والحوار؛ ما يمنحهم الثقة بالنفس. وعليه أن يمنحهم الإحساس بوجود الصدر الحنون الذي يلجؤون إليه عندما يصعب عليهم حل مشاكلهم بأنفسهم. إن الأب الجيد هو الذي يهتم باحتياجات أطفاله النفسية والعاطفية ويبادر إلى تلبيتها، ومهما اختلفت الأساليب التي ينتهجها لدعم أطفاله عاطفياً، فمن المهم أن يتعامل مع ابنه بصدقٍ وتلقائيةٍ حتى يتفاعل معه بكل مشاعره وحواسه؛ فعلى الأب إذن أن يؤسس علاقةً مع ابنه قائمةً على التواصل المتبادل والاحترام، التالي عندما يأتي وقت تقديم النصائح الأبوية سيجد الأب كلامه مسموعاً. وعلى الأب أن يمارس دوره كقدوةٍ لابنه الصغير، فيكون من السهل على الطفل أن يقلد السلوك الجيد في حياته، بدلاً من تنفيذ نصائح وأوامر لسلوكيات لا يراها؛ فالأب في نظر أبنائه بطلٌ يقلدونه في كل شيء؛ في الحركة، في التصرف، في الأمانة، في التواضع، وفي كل السلوكيات، فالطفل يميل لاعتبار كل تصرفات أبيه مثاليةً، حتى دون أن يشعر الأب نفسه بذلك.
وعن أهمية القدوة وتأثيرها على الأبناء قال أحد السلف لمعلم أولاده: "لِيَكُنْ أولَّ إصلاحكَ لِبَنِيَّ إصلاحُك لنفسِك، فإن عيوبَهم معقودةٌ بعيبِك، فالحَسَنُ عندهم ما فَعلتَ، والقبيحُ ما تركتَ".

أحبتي .. يقول أحدهم: يظل الأب هو القدوة والنموذج الذي يُحتذى في البيت والحياة عموماً، لذا فإن له دوراً كبيراً في تنشئة وتوجيه الأبناء وإرشادهم، خاصةً في مراحل حياتهم الأولى. ويقول آخر: الواجب على من قصَّر في تربية أولاده التوبة من هذا الذنب، وتدارك ما يمكن تداركه من تربيتهم ونصحهم وتوجيههم قدر المستطاع، والدعاء لهم بظهر الغيب أن يصلحهم الله ويهديهم، كما أن عليه أن يصلح من نفسه ليكون قدوةً صالحةً يقتدي بها أبناؤه.
اللهم باعد بيننا وبين (غفلة الآباء)، وأعنا على حُسن تربية أبنائنا ليكونوا مسلمين صالحين، واهدنا اللهم لنصلح من أنفسنا لنكون قدوةً حسنةً لهم.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2lHSFJO

الجمعة، 30 أغسطس 2019

عبادة على حرف!


الجمعة 30 أغسطس 2019م

خاطرة الجمعة /٢٠٢
(عبادة على حرف!)

يَحكي أحد الشيوخ الأفاضل قصة فتاةٍ كانت تحب ابن عمها حباً شديداً، وتدعو الله صباحَ مساء أن يكون زوجاً لها، وتُكثر من العبادة وقيام الليل والدعاء بأن يحقق لها المولى عزَّ وجلَّ أملها، إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، فقد تزوج ابن عمها ابنة عمٍ أخرى، فتغير حال الفتاة وأصابها الحزن والكآبة، وتركت العبادة والدعاء، واتصلت أثناء ذلك على ذلك الشيخ، وشكت له حالها وأنها تركت العبادة والدعاء وقيام الليل بسبب ترك ابن عمها لها، فقال لها الشيخ: "افتحي المصحف وانظري إلى الآية رقم 11 من سورة الحج، وستجدين فيها حلاً لمشكلتك"، وكان فضيلته يحيلها إلى الآية التي تذكر الناس الذين يعبدون الله (عبادة على حرف!).

أحبتي في الله .. يقول العلماء أن الله سبحانه وتعالى قد بَيَّن لنا أن الابتلاءات سنةٌ ربانيةٌ؛ يقول عزَّ وجلَّ: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾، وأمام هذه الابتلاءات ترى ضعاف الإيمان يسألون الله ويظلون في الدعاء المستمر ليكشف عنهم الله تعالى الغُمة والابتلاء، وعندما يأتي الله بالفرج وتنزاح غمتهم ينقطع ذلك الوصال الرباني، فما عرفوا الله تعالى إلا وقت حاجتهم، ونسوه وقت الرخاء، هؤلاء كانت عبادتهم لله (عبادة على حرف!)، أما المؤمنون حقاً فهم عندما يتعرضون للاختبارات والامتحانات والابتلاءات والفتن يزدادون قُرباً إلى الله، وليس بعداً أو انقلاباً.

يقول تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ وعلى حرف هنا بمعنى على شرطٍ أو على شك؛ ذلك أنه كان ناسٌ من قبائل العرب ومَن حولهم مِن أهل القرى يقولون: "نأتي محمداً صلى الله عليه وسلم، فإن صادفنا خيراً من معيشة الرزق ثبتنا معه، وإلا لحقنا بأهلنا"، وهؤلاء هم المنافقون، إن صلحت لهم دنياهم أقاموا على العبادة، وإن فسدت عليهم دنياهم وتغيرت، انقلبوا فلا يقيمون على العبادة إلا لما صلح من دنياهم، فإن أصابتهم فتنةٌ أو شدةٌ أو اختبارٌ أو ضيقٌ، تركوا دينهم ورجعوا إلى الكفر.
وقيل في سبب نزول هذه الآية أن رجلاً من اليهود أسلم فذهب بصره وماله وولده، وتشاءم بالإسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أَقِلْني، فقال: [إن الإسلامَ لا يُقال]، فقال: إني لم أَصِب في ديني هذا خيراً؛ أَذْهَبَ بصري ومالي وولدي، فقال: [يا يهوديّ، إن الإسلامَ يَسْبِكُ الرِجالَ كما تَسْبِكُ النارُ خَبَثَ الحديدِ والفضةِ والذَهب]؛ فأنزل الله تعالى الآية.
وقيل أن هذه الآية نزلت في شيبة بن ربيعة ذلك أنه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يظهر أمره: ادعُ لي ربّك أن يرزقني مالاً وإبلاً وخيلاً وولداً حتى أومِن بك وأعدِل إلى دينك؛ فدعا له فرزقه الله عزَّ وجلَّ ما تمنّى؛ ثم أراد الله فتنته واختباره - وهو أعلم به - فأخذ منه ما كان رَزَقه به بعد أن أسلم فارتد عن الإسلام.

وقريبٌ من ذلك، لكن بغير رِدةٍ إلى الكفر ولله الحمد، ما يحدث في موسم الامتحانات المدرسية والجامعية كل عامٍ، حيث نرى الكثير من الطلبة يواظبون على صلاة الجماعة بالمسجد، ويحرصون على صلاة الفجر، ويتسابقون ليكونوا في الصف الأول، يُصَلُّون بخشوعٍ ويُمسكون بالمصاحف يقرأون ما تيسر من القرآن، تراهم يطيلون السجود يدعون الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم وييسر لهم طريق النجاح ويحقق أمانيهم، فإذا انتهت فترة الامتحانات لا ترى منهم إلا القليل! فقد كانت عبادتهم لله (عبادة على حرف!)،
وكذلك أي شخصٍ - أياً كانت مهنته أو وظيفته أو عمله - إذا هو عَبَدَ اللهَ سبحانه وتعالى حق عبادته وقت الحاجة فقط، أو إذا ترك العبادة كلها أو قَصَّر فيها وقَلَّل منها حين يتعرض لابتلاءٍ أو تصيبه مصيبةٌ أو ينزل به عارضٌ من عوارض الدنيا.
كلما رأيتُ شخصاً من هؤلاء تذكرتُ من الشعر هذا البيت المشهور:
صَلَّىٰ المُصَلّي لأمرٍ كَانَ يَطْلُبُهُ
لَمَّا انْقَضَىٰ الأمْرُ لا صَلَّىٰ وَلا صَامَا

يتساءل أحد الصالحين ويقول: في أي شريعةٍ يكون هذا الأمر؟ وفي أي ملةٍ ودين؟ هذا الأمر ضربٌ من ضروب الحيلة، ويمكن لك أن تتحايل على الناس، أما الله سبحانه وتعالى فلا يمكن لك أن تستخدم الحيلة معه، فهو كما وصف نفسه: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾. عندما تعبد الله لتحقيق أمرٍ ما، وبمجرد أن يتحقق - أو لا يتحقق - تترك العبادة، هذا يعني أنك تعبده سبحانه على شرط، وهذا ما لا يجوز على الإطلاق، أيجوز أن يشترط العبد الضعيف على خالقه؟ لا شك أن من يفعل ذلك إنسانٌ منافقٌ ضعيف الإيمان.

أحبتي .. حذارِ ثم حذارِ من عبادة الله (عبادة على حرف!)، نعرفه ونسعى إليه وقت الشدة ثم ننساه إذا لم تتحقق حاجتنا أو نصل إلى مبتغانا، أو بعد انقضاء الشدة وتَحَقُق المصلحة وانتهاء الحاجة!
فلنراجع أنفسنا؛ ولنعبد الله لأنه أهلٌ للعبادة، ليس لأي سببٍ آخر. لنعبد الله في كل وقتٍ وحين، ولا ننساه أبداً حتى لا يتحقق وعيده فينسانا فنكون من المنافقين الفاسقين الذين يقول تعالى عنهم: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك. اللهم يَسِّر لنا أن نعبدك في السراء والضراء، في السر والعلن، وقت السرور ووقت الضيق، ولا تجعلنا من المنافقين ولا الفاسقين. تجاوز اللهم عن تقصيرنا، ورُدنا إليك وإلى دينك رداً جميلاً.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2ZoPJoM

الجمعة، 23 أغسطس 2019

وما كان ربك نسيا/1

الجمعة 23 أغسطس 2019م

خاطرة الجمعة /٢٠١
(وما كان ربك نسيا)

سامح شابٌ من سكان القاهرة، خريج كلية ألسن قسم ألماني يروي قصته فيقول: كنت متوجهاً في أحد الأيام، بصحبة بعض الزملاء، إلى الجامعة لأداء امتحان، أثناء سيرنا في أحد الشوارع رأينا رجلاً كبيراً ملقىً الأرض، جرينا نحوه لنعرف ما به، وجدناه في غاية التعب والإرهاق وغير قادرٍ على التنفس بشكلٍ طبيعيٍ، يتصبب عرقاً، يحاول أن يتكلم ولا يستطيع، اتصلنا بالإسعاف لكن للأسف مر وقتٌ طويلٌ ولم تصل سيارة الإسعاف. تأخرنا كثيراً واقترب موعد الامتحان، ووجدت أصدقائي يتركونني وحدي مع الرجل المريض ويتوجهون واحداً تلو الآخر إلى الكلية حتى لا يفوتهم الامتحان. بقيتُ أنا وحدي مع هذا الرجل لا أدري كيف أتصرف. الناس من حولي إما مشغولٌ بنفسه، أو لا يريد أن يجر على نفسه المشاكل إذا هو ساعد رجلاً لا يعرفه. نظرتُ إلى الرجل فإذا به وقد دخل في غيبوبة، لم أستطع أن أتركه وأمشي هكذا ببساطة، تذكرتُ الامتحان الذي يكاد يفوتني، وفكرتُ في هذا الرجل الملقى أمامي على الأرض، واحترتُ؛ ماذا عساني أفعل؟ حسمتُ أمري واتخذتُ قراري؛ فأوقفتُ سيارة أجرة ونقلتُ الرجل إلى أقرب مستشفى، تم حجز الرجل في العناية المركزة، وظللتُ بجانبه حتى وقت العصر، ومن شدة تعبي وجدتني وقد غلبني النوم فألقيتُ بجسمي على أريكةٍ بجوار سريره واستغرقتُ في نومٍ عميق. أفقتُ على حركةٍ بالغرفة فإذا بطبيبٍ يشد على يدي ويقول لي: "لولا سرعة نقلك له - يقصد الرجل المريض - للمستشفى لكان قد أصيب بشللٍ رباعيٍ ناتجٍ عن جلطةٍ في المخ. لقد وصل إلينا في الوقت المناسب تماماً، وقمنا بإجراء ما يلزم وسيتعافى بإذن الله". فرحتُ جداً عندما علمتُ أن الرجل يتماثل للشفاء، رغم أني لا أعرفه، لكني أحسستُ بارتياحٍ نفسيٍ، على الأقل لم تذهب تضحيتي بالامتحان بغير فائدة!
ظللتُ أزوره يومياً حتى ترك العناية المركزة، ونقلوه إلى غرفةٍ عاديةٍ حيث بدأت صحته في التحسن وصار من الممكن أن يتكلم، تعارفنا، شكرني، تركتُ له اسمي ورقم هاتفي وطلبتُ منه أن يتصل بي في أي وقتٍ إذا احتاج لشيءٍ، وتركته وخرجت. لم أحزن كثيراً لرسوبي في المادة التي كنت في طريقي للامتحان فيها، فهذا كان أمراً متوقعاً، لكني حزنت جداً عندما أعلنت إدارة الكلية قبيل انتهاء العام الدراسي عن منحةٍ دراسيةٍ مجانيةٍ لإكمال الدراسة في ألمانيا بشرط النجاح في جميع المواد وفي كل سنوات الدراسة بتقدير جيد على الأقل، وكان رسوبي في تلك المادة هو المانع الوحيد أمامي للحصول على هذه المنحة. مرت الأيام وامتحنت المادة ونجحت فيها وتخرجت، لكني كنت بائساً ليس لديّ رغبةٌ في أي عمل، خاصةً عندما أتذكر زملائي الذين فازوا بالمنحة وسافروا إلى ألمانيا ليكملوا دراستهم بها ويعودوا بشهادةٍ تساعدهم على الحصول على أفضل فرص العمل بمصر. أما أنا فقد مرت عليّ الأيام بطيئةً مملةً، كلها متشابهةٌ، مرت بلا طعمٍ وبغير هدف، حتى كان ذلك اليوم المشهود، يومٌ لن أنساه ما حييت؛ حيث لحظةٌ واحدةٌ غيرت حياتي كلها تغييراً جذرياً، حدث فيها ما لم يكن في حسباني وما لم يخطر على بالي أبداً، ولا حتى في الأحلام. كنتُ في ذلك اليوم على موعدٍ لمقابلة عملٍ في إحدى الشركات الكبيرة في مصر، وكنتُ قد أعددتُ نفسي جيداً استعداداً لتلك المقابلة، لكن للأسف ذهبت الوظيفة إلى غيري صاحب الواسطة الكبيرة! لا أنسى ذلك اليوم أبداً، خرجتُ من الشركة، وقد اسودت الدنيا في عينيي، أو بالأحرى اشتد سوادها. من شدة حزني ارتفع ضغط دمي، وأحسستُ بألمٍ شديدٍ في عينيي اللتين بدأتا تدمعان لا إرادياً، أسير كالأعمى أكاد لا أرى، وشريط الفرص التي ضاعت مني يمر في مخيلتي. وصلتُ إلى البيت وأنا صامتٌ، لا أريد أن أتكلم مع أحد، ولا أجيب على أسئلة أهلي، أردتُ فقط أن أنام، دخلتُ إلى غرفتي وألقيتُ بنفسي على السرير، أريد أن أصرخ من شدة حزني، أكاد أنفجر من الغضب والغيظ والإحساس بالظلم. وحتى أُنَّفِس عن نفسي هذا الغضب الهائل وهذه المشاعر السلبية أمسكتُ بهاتفي وكتبتُ على صفحتي على الفيس بوك: "لماذا يا رب خذلتني، لماذا تخليت عني؟". كنتُ منهاراً انهياراً شاملاً نفسياً وجسدياً فنمت، استيقظتُ في منتصف الليل بسبب كوابيس كثيرةٍ، فتحتُ الفيس مرةً أخرى فوجدتُ رسالةً من شخصٍ ليس على قائمة الأصدقاء، لا يضع اسماً حقيقياً، ولا يضع صورته، وجدته وقد كتب لي يقول: "مساء الخير يا سامح، هل أنت بخير؟ طمني عنك؟"، تعجبتُ من كونه يعرفني بالاسم؛ فكتبتُ أقول له: "الحمد لله، أنا بخير، عفواً من معي؟"، رد عليّ بقوله: "غير معقول! ألا تعرفني يا سامح؟ أنا الرجل الذي أنقذته من الموت"، قلت: "أهلاً بك، كيف حالك؟ كيف وصلت إلى صفحتي على الفيس بوك؟!"، قال: "بحثتُ برقم هاتفك المسجل لدي فوجدتُ صفحتك. لفت نظري ما كتبتَ، أخبرني، ما بك؟ ما الذي يضايقك إلى درجة أن تكتب لماذا يا رب خذلتني؟". أخبرته بما حدث في المقابلة للوظيفة التي لم أحصل عليها، وكيف أني ظُلمت في ذلك بسبب عدم وجود واسطة معي، فوجئت به يسألني إن كنتُ أرغب في السفر إلى ألمانيا. قرأت سؤاله مرتين وبقيتُ للحظات لا أصدق ما تراه عيناي. أجبته بتلقائية: "هل أنت جاد؟!"، قال لي: "أنا مستثمرٌ أقيم في ألمانيا منذ فترةٍ طويلة. وهذا أقل ما يمكن أن أقدمه لك بعد كل ما قدمته لي". مرت الأيام، وصدق الرجل في وعده، سافرتُ إلى ألمانيا، وسهّل لي كل إجراءات الإقامة والعمل. الغريب في الأمر أني عندما قابلت أصدقائي هناك استغربوا جداً وسألوني كيف أتيتَ إلى ألمانيا؟! حكيتُ لهم قصة الرجل الذي نقلته إلى المستشفى بسيارة أجرة وقت الامتحان، وكيف أنه ساعدني للحضور.
سبحان الله؛ كنتُ أحلم بمنحةٍ دراسيةٍ لعدة أشهرٍ في ألمانيا أعود بعدها للعمل في مصر، لكن الله سبحانه وتعالى بكرمه وإحسانه رزقني إقامةً دائمةً في ألمانيا، وعملاً مستمراً أحسن وأفضل بكثيرٍ مما كنتُ أحلم أو أتصور؛ وصدق قوله تعالى: (وما كان ربك نسيا).

ويُحكى أن رجلاً تُوفيَّ وترك زوجته الشابة هي وابنهما الرضيع، وورث الابن الرضيع عن أبيه بعض الممتلكات. طلب أخو الزوج المتوفَى من أرملة أخيه أن يتبنى الطفل الرضيع ويُربيه ويحافظ له على ممتلكاته؛ فقامت بعمل توكيلٍ رسميٍ لعم الطفل يُخول للعم الحق في التصرف في ممتلكات الطفل وكأنه مالكها؛ فقام الرجل ببيع الممتلكات التي تخص ابن أخيه، واستولى على ثمنها، وترك البلد وسافر إلى أمريكا.
تزوج من أمريكيةٍ وأنجب منها وأصبحت لديه أسرةٌ وأبناء. ساعدته زوجته في عمله واستثمار ما معه من مالٍ فبدأ بتجارة السيارات وصارت لديه ثروةٌ كبيرةٌ تقدر بالملايين، بينما كانت أرملة أخيه تعيش هي وابنها في فقرٍ مدقع، ولولا أن سخَّر الله لهما من أهل الخير من ينفق عليهما لماتا جوعاً. بعد خمسةٍ وعشرين عاماً قرر العم الهارب العودة إلى بلده بالأموال التي استثمرها في أمريكا، وقام بشراء أرضٍ كبيرةٍ بنى عليها قصراً فخماً في أرقى الأماكن بالعاصمة، وافتتح مشروعاً تجارياً كوكيلٍ لشركةٍ عالميةٍ لبيع السيارات، وأصبح من أشهر رجال الأعمال، وذاع صيته في البلاد. كبر الطفل وأصبح شاباً وعلم بأمر عودة عمه وما صار عليه من مكانةٍ وما يمتلك من ثروةٍ، فذهب إليه يطلب منه بعضاً من ماله الذي ورثه عن أبيه، طرده عمه وقال له أن ليس له عنده شيءٌ، وطلب منه ألا يأتي لزيارته مرةً أخرى. عاد الشاب إلى أمه حزيناً مكسور الخاطر. عندما انتهى العم من تجهيز القصر بأفخم وأحدث أنواع الأثاث استدعى عائلته من أمريكا لتعيش معه في مصر؛ وذهب يوم وصولهم ليستقبلهم في المطار، ذهب بسيارته الحديثة الفارهة واستقبل زوجته وأبناءه، ويشاء الله سبحانه وتعالى أن تقع لهم حادثةٌ مروعةٌ وهم في طريقهم من المطار إلى القصر، فلقوا جميعهم مصرعهم في الحال.
وكانت المفاجأة أن الشاب اليتيم هو الوريث الوحيد لمال عمه الذي تُوفي! سبحان الله، وكأن عمه رجع إلى البلاد ليموت بها، ويورثه ابن أخيه، ويرجع المال لصاحبه. وكأن الله سبحانه وتعالى قد سخَّر للطفل الرضيع الضعيف عمه، الذي زين له الشيطان أن يسرق مال ابن أخيه فهرب بالمال واستثمره، ثم وبعد خمسة وعشرين عاماً يعود المال لصاحبه! يعود ومعه واحدةٌ من أكبر الشركات، وقصرٌ واسعٌ منيفٌ مؤثثٌ بأفخم الأثاث ومجهزٌ بأفضل الأجهزة! لعلها دعوة المظلوم؛ فليس بينها وبين الله حجابٌ (وما كان ربك نسياً).

أحبتي في الله .. قصتان حقيقيتان حدثتا بالفعل: تُبين القصة الأولى عدم نسيان المولى عزَّ وجلَّ عمل خيرٍ رآه صاحبه بسيطاً، واعتبره واجباً ينبغي القيام به؛ فلم يتأخر عن تقديم العون والمساعدة لرجلٍ غريبٍ لا يعرفه، لكنه كان في حاجةٍ إلى المساعدة والمعاونة، فأعطاه الله سبحانه وتعالى أجره في الدنيا بأكثر مما كان يتوقع، وسيكون ثوابه في الآخرة عظيماً بإذن الله. أما القصة الثانية فتُبين عدم نسيان المولى عزَّ وجلَّ عمل شرٍ استصغره من قام به، وظن أن استيلاءه على مال يتيمٍ قريبٍ وحرمانه من حقه الشرعي في إرثٍ ورثه عن أبيه أمرٌ بسيطٌ، وزين له الشيطان عمله فأنساه أن الله لا يرضى بالظلم؛ فما كان من الله سبحانه وتعالى إلا أن عاقبه في الدنيا أشد العقاب، وسيكون حسابه في الآخرة عسيراً إن شاء الله.
في الحالتين - رغم أنهما مختلفتان تماماً؛ الأولى عن الخير والثانية عن الشر - إلا أن ما يجمع بينهما هو التأكيد على حقيقة (وما كان ربك نسيا).

وقد نفى الله سبحانه وتعالى عن نفسه صفة النسيان؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾، وكذلك في قوله تعالى: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾.
أما الإنسان فيكون نسيانه في أغلب الأحوال من عمل الشيطان؛ يقول تعالى: ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾، ويقول سبحانه: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾، ويقول عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.



قال الإمام الشافعي رحمه الله: "آيةٌ من القرآن هي سَهمٌ في قلبِ الظالم، وبَلسمٌ على قلبِ المظلوم"! قيل: وما هي؟ فقال: "قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾".
وقال أحد العارفين: إذا رأيتَ مَن يَهزَأُ بدين الله، ويتآمر على دعوة الله، ويستبيح حرمات الله. وإذا رأيتَ مَن يداهن الحكَّام، وينافق؛ لينالَ عرضاً من الدنيا. وإذا رأيتَ مَن يكذب على الله في شرعه وسُنة نبيه. وإذا رأيتَ مَن يُلبس على الناس الحقَّ بالباطل، ويخلط بين المعروف والمنكر. وإذا رأيتَ مَن يهتك أعراض الناس بالغيبة أو اللعن أو إشاعة الفاحشة. وإذا رأيتَ مَن يظلم الناس، ويسفك الدماء. وإذا رأيتَ مَن يسرق ويغش ويُدَلِّس. وإذا رأيتَ الظالمين يصادرون الأموال، وينهبون الأغراض، ويهتكُون الأعراض. وإذا رأيتَ تضحيات الصابرين، وصبر المحتسبين، وثبات المظلومين، فقل لكل هؤلاء: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾. ولا يغرنَّ أحداً منا حلمُ الله عليه؛ فإنه سبحانه يُمهِلُ ولا يُهمِلُ، وما من مظلومٍ دعاه إلا رفع دعْوتَه فوق الغمام وفتح لها أبواب السماء، وقال: {وعزتي، لأنصرنَّك ولو بعد حين}.
يقول أهل العلم إن الله تعالى يُمهل مَن عصاه، ويُملي له، فإن تاب إلى ربه ورجع وآب كان ذلك رحمةً من الله تعالى عليه، وإن استمر في طغيانه كان ذلك استدراجاً من الله تعالى، ولكن الله تعالى لا يُهمله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنَّ اللهَ تبارَك وتعالَى يُملي - وربَّما قال: يمهلُ - للظَّالِمِ، حتَّى إذا أخذَه لم يُفلِتْهُ] ثم قرأ: ﴿كَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.

والله سبحانه وتعالى لا يرضى بالظلم، وينتصر للمظلوم ولو بعد حين، لا يهمل ولكن يمهل؛ يقول الشاعر:
لا تظلمنَّ إذا ما كنتَ مُقتدراً
فَالظُلْمُ مَرْتَعُهُ يُفْضِي إلىٰ النَّدَمِ
تَنامُ عَيْنُكَ وَالمَظْلومُ مُنَتَبِهٌ
يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ

في المقابل أقول: لا تستصغر أي عملٍ من أعمال الخير، بل سارع فيه وكُن من السابقين؛ قال تعالى واصفاً المؤمنين من عباده: ﴿أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾. وإذا رأيتَ مَن يحافظ على الصلاة المكتوبة والسنن الرواتب وغير الرواتب وقيام الليل. وإذا رأيتَ مَن يصوم الفرض والنوافل. وإذا رأيتَ مَن يُخرج زكاة ماله ويحرص على أن يتصدق على الفقراء والمساكين. وإذا رأيتَ مَن إذا أنعم الله عليه بأقل سُبل الاستطاعة بادر إلى حج بيت الله ولم يؤخر ولم يُسَوِّف. وإذا رأيتَ مَن لسانه رطبٌ بذكر الشهادتين مداومٌ على شكر الله والثناء عليه يطلب منه الرحمة والمغفرة. وإذا رأيتَ مَن يتقي الله في معاملاته ويخالق الناس بخُلقٍ حسنٍ ويسارع في عمل الخير، فقل لكل هؤلاء: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾.

أحبتي .. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾؛ فذِكرُ الله هو الذي يدفعنا نحو عمل الخير، وهو الذي يبعدنا عن طريق الشر. اللهم اجعلنا ممن يذكرونك في الرخاء قبل الشدة، وفي اليُسر قبل العُسر، واجعلنا اللهم من أهل قولك: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، ولا تجعلنا ممن قلت عنهم: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾، ولا من المنافقين الفاسقين الذين قلت عنهم في كتابك الكريم: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾. ندعوك اللهم بما دعاك به عبادك الصالحون: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾، ﴿اللَّهُمَ حَبَّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ﴾ فاستجب لنا ربنا، أنت مولانا؛ فنعم المولى ونعم النصير.


http://bit.ly/2Nok3IR

الجمعة، 16 أغسطس 2019

عناية الله

الجمعة 16 أغسطس 2019م

خاطرة الجمعة /٢٠٠
(عناية الله)

تمثلت (عناية الله) التي تحيط بالبشر في كل زمانٍ ومكان، في معجزةٍ ربانيةٍ وقعت قبل أيامٍ في مكة المكرمة، لم يشعر بها إلا قليلٌ من الناس!
كانت أعدادٌ كبيرةٌ من المُحْرمين يقفون على مداخل عرفات، وقد تعذر عليهم دخولها لعدم حصولهم على تصاريح الحج حسب الأنظمة المعمول بها، وقام جنود الأمن بمنعهم من الدخول. عيونهم تتطلع إلى عرفات، وأفئدتهم متعلقةٌ برحمة الله سبحانه وتعالى، وألسنتهم تلهج بالتلبية: "لبيك اللهم لبيك"، لا يملون من ذكر الله والدعاء له مخبتين خاشعين، لسان حالهم يقول: "لبينا يا الله فاقبلنا، إنا ضيوفك يا الله فلا تُرجعنا، لا تردنا ربنا ونحن واقفون ببابك". يمر الوقت عليهم وهم ممنوعون من الدخول إلى حيث رُكْن الحج الأكبر بالوقوف في عرفات. يدعون الله سبحانه وتعالى بتضرعٍ وتذللٍ وإخلاص. ثقتهم في الله مطلقة، وحسن ظنهم بالله كبير. ينتظرون معجزةً تحقق لهم أغلى أمانيهم، لا يحول دون تحقيقها سوى تلك الحواجز الحديدية الموضوعة أمامهم تسد الطريق عليهم وتحول بينهم وبين العبور إلى عرفات. لا يفكرون في طعامٍ أو شرابٍ، لا يشعرون بتعبٍ ولا إرهاقٍ - رغم وقوفهم تحت الشمس الحارقة لساعاتٍ طوال - كل ما يشغلهم هو الدعاء، يدعون ربهم ﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾، دامعةً عيونهم، منكسرةً نفوسهم، كلما طال انتظارهم قل أملهم حتى كاد أن يتلاشى؛ فها هو وقت العصر قد اقترب، وكاد النهار أن ينتهي، وإذا انتهى النهار تبخر أملهم وضاع حلمهم وتبددت أمنيتهم الغالية. وقبل الغروب بوقتٍ قصير، ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ إذا (عناية الله) لم تتخلَ عنهم، وإذا رحمته سبحانه وتعالى بهم تأتيهم من حيث لا يحتسبون، وإذا بالمعجزة الربانية تقع؛ فتتعالى صيحاتهم: "الله أكبر، الله أكبر". لم تصدر الأوامر من البشر بالسماح لهم بالدخول إلى عرفات، وإنما ﴿أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ﴾ رب البشر، من فوق سبع سمواتٍ بالسماح لهم بالدخول؛ فإذا بجنود الله تُنَفِّذ الأمر؛ فتطيح الريح بالحواجز الحديدية، وتفتح الأمطار الشديدة الطريق المغلقة لهؤلاء الذين وقفوا يدعون الله سبحانه وتعالى ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ فيتحقق أملهم ويعبرون إلى عرفات! إنها حقاً (عناية الله). في لحظاتٍ تبدلت الأحوال، دون تمهيد، اختفى قرص الشمس، دوى صوت الرعد دوياً شديداً، وجاءت ريحٌ عاصفٌ اقتلعت الحواجز الحديدية الثقيلة لتتطاير في الهواء كما لو كانت أوراقاً، وهطلت أمطارٌ غزيرةٌ؛ فوقف هؤلاء المحظوظون مكبرين؛ لم يحصلوا على تصريحٍ للحج من العباد، لكنهم حصلوا على هذا التصريح من رب العباد!
إنها (عناية الله) التي أدخلتهم إلى صعيد عرفات ملبيين مهللين؛ فمع هذا الطقس الغريب تحول الوضع عند الحواجز، فما كان لأحدٍ أن يوقف أحداً ليسأله هل معه تصريحٌ أم لا!
إنها واللهِ لمعجزةٌ كبيرةٌ، ونعمةٌ عظيمةٌ أنعم الله سبحانه وتعالى بها على بعض عباده ممن وقفوا ببابه، لم يملوا ولم ييأسوا، بل ظلوا يدعونه سبحانه وتعالى وهم ينتظرون رحمته، واثقين كل الثقة في أن العزيز الحكيم لن يخذلهم أبداً، يشعرون في قرارة أنفسهم بأنهم سيدخلون عرفات وسيكونون ممن كُتب لهم الحج، لكن لم يكن يخطر ببال أيٍ منهم للحظةٍ واحدةٍ كيف سيتحقق ذلك!

أحبتي في الله .. لم أتمالك نفسي وأنا أتابع تفاصيل هذه المعجزة الربانية؛ فإذا عيناي تفيضان بالدموع مستشعراً حال أولئك الذين مَنَّ الله سبحانه وتعالى عليهم بفضله، وفتح لهم الأبواب الموصدة ليكونوا من بين حجاج هذا العام. أي شعورٍ جياشٍ يا تُرى أحسوا به؟ وأية سعادةٍ طاغيةٍ غمرتهم؟ وأي إحساسٍ بمعية الله وعظمته وقدرته ورحمته تملكهم في تلك اللحظات؟ أحس بهم وقد اختلطت تلبيتهم بالشكر والثناء، وامتزجت مشاعرهم بالفرح والبكاء.
لقد تابع الملايين من المسلمين في شتى بقاع الأرض - ممن لم يُكتب لهم أداء شعيرة الحج هذا العام - مسيرة الحجيج في الأيام العشر الأُوَل من شهر الله الحرام ذي الحجة من خلال شاشات التلفاز، وتابعوا أخبارهم من خلال وسائل الإعلام المختلفة وكلهم شوقٌ إلى أن يكونوا مع هؤلاء الحجيج. تابعوا مسيرتهم وقلوبهم تهفو إلى بيت الله الحرام وإلى الكعبة المشرفة وإلى كل مكانٍ من أماكن الشعائر المقدسة، داعين لأنفسهم بأن يكتب الله سبحانه وتعالى لهم زيارة بيته الحرام حجاجاً ومعتمرين في أعوام قادمةٍ، وداعين للحجيج من الأهل والأقارب والجيران والمعارف بأن يُتموا شعائرهم على أكمل وجه، ويعودوا إلى ديارهم سالمين غانمين مستبشرين القبول من الله عزَّ وجلَّ.

وكانت أخبار الطقس تصل إلينا، وشاهدنا بأم أعيننا هذا التحول الكبير في الطقس وتلك الأمطار الشديدة والريح العاصفة، لكن لم يخطر على بالنا أبداً أن مجموعةً من المسلمين كانت تلك العاصفة سبباً في دخولهم عرفات وإتمامهم شعائر الحج!
ما أقدرك يا الله، وما أرحمك يا الله، وما أرأفك يا الله يا رب العالمين. ومَن أصدق منك ربنا حديثاً وأنت سبحانك تقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾؟ ومَن أوفى منك وعداً وأنت تقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾؟ ومَن أوضح منك بياناً إذ تقول: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾؟
وها هو رسولنا الكريم يوجهنا ويرشدنا ويهدينا؛ يقول صلى الله عليه وسلم: [إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ]، ويقول  عليه الصلاة والسلام: [ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ]، ويقول صلى الله عليه وسلم: [قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي]، ويقول كذلك: [مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ]، ويقول أيضاً: [لَا تَعْجِزُوا فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَهْلِكُ مَعَ الدُّعَاءِ أَحَدٌ].
إنه الدعاء إذن، سلاح المؤمن، إنه - كما يقول أهل العلم - نعمةٌ عظيمةٌ وعبادةٌ في حد ذاته؛ طالما أنت تدعو الرحمن فأنت في عبادةٍ ولك الأجر على ذلك، والله سميعٌ عليمٌ بصيرٌ خبيرٌ يعلم كل ما في صالحك، ويدرك كل أحوالك، فهو الحكيم، يعرف متى يعطيك، ومتى يُبعد عنك ما تريد فقد يكون فيه شرٌ لك.
قال صلى الله عليه وسلم: [يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ: يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي]؛ فإذا جاء الداعي بشروط الدعاء - وأهمها الإخلاص والدعاء بما هو مشروع - واستمر عليه فإنّ ثمرة هذا الدعاء ستكون مضمونةً بإذن الله، فسيحصل على الخير وينال منه ما يريد، فدُعاء المُسلم لا يُهمَل بل يُعطىٰ إليه عاجلاً أو آجلاً؛ قال صلى الله عليه وسلم: [مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عنهُ من السُّوءِ مثلَها]. قالوا: إذاً نُكثِرُ، قال: [اللهُ أكثرُ]. وعلى ذلك فقد قسم العلماء الدعاء والاستجابة إلى ثلاث مراتب؛ الأولى: يستجيب الله سبحانه وتعالى لدعائك، الثانية: لا يستجيب الله لدعائك لكنه يدخره لك فيجعله في ميزان حسناتك فينفعك يوم القيامة، الثالثة: يدفع الله به عنك بلاءً لم تكن تعلمه أنت ويعلمه الله علام الغيوب ومقدر الأقدار.
يقول أحد العارفين عن الدعاء أنه سببٌ عظيمٌ للفوز بالخيرات والبركات، وسببٌ لدفع المكروهات والشرورِ والكربات، وهو استعانةٌ من عاجزٍ ضعيفٍ بقويٍ قادرٍ، واستغاثةٌ من ملهوفٍ بربٍ مُغيثٍ، وتوجهٌ إلى مصرِّفِ الكون ومدبِّر الأمر، لِيُزيلَ عِلَّةً، أو يَرْفَعَ مِحْنَةً، أو يَكْشِفَ كُرْبَةً، أو يُحَقِّقَ رجاءً أو رَغْبَةً. فكم سمعنا عمَّن أُغلِقت في وجهه الأبواب، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، ثم طَرَقَ باب مُسبب الأسباب، وألحّ على الله في الدعاء، ورفع إليه الشكوى، وبكى بين يدي الرب الرحيم، فَفُتِحَتْ له الأبواب، وانفرج ما به من شِدّةٍ وضيق. فالإلحاح في الدعاء سببٌ للإجابة؛ فالله عزَّ وجلَّ يفرح بانكسار عبده بين يديه يباهي به ملائكته، ويعطيه أكثر مما يتوقع ويتخيل.
وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ]، والحديث وإن كان سنده غير ثابتٍ، لكن معناه صحيح؛ يقول العلماء إن الإلحاح في الدعاء، هو الذي يفتح الأبواب الموصدة والطرق المغلقة، وهو الذي يسهل كل صعبٍ بإذن الله، وهو ملازمٌ للدعاء، فلا ييأس المسلم من الإجابة، وفي ذلك انقيادٌ لله واستسلامٌ له، وإظهارٌ لافتقار العبد إليه، وفيه رضى الله ومحبته، كما أنّه ليس اعتراضاً على القَدر، بل هو سببٌ مشروعٌ لبلوغ المراد، وهو من علامات العبودية والإيمان. ويقولون إن معنى الإلحاح في الدعاء هو لزومه، وتكراره والمداومة عليه، وعدم اليأس من الإجابة؛ وإن أبطأ حصول المطلوب. والمُلِّحون في الدعاء هم الملازمون لسؤال ربهم في جميع الحالات، اللائذون بباب كرمه، لا تقطعهم المحن عن الرجوع إليه، ولا تبعدهم النعم عن الإقبال عليه؛ لأن دعاء المُلِّح دائمٌ غير منقطعٍ، فهو يسأل ولا يرى إجابة، ثم يسأل، ثم يسأل، فلا يرى إجابة، وهكذا. فلا يزال يلح، ولا يزال رجاؤه يتزايد، وفي ذلك دلالةٌ على صحة قلبه، وصدق عبوديته، واستقامة وجهته. فقلب المُلِّح معلقٌ دائماً بمشيئة الله، واستعمال اللسان في الدعاء عبادةٌ، وانتظار مشيئة الله عبادةٌ، فيكون العبد بين عبادتين سريتين، ووجهتين فاضلتين؛ فلذلك يحبه الله تعالى.
يقول الشاعر:
يا مَن له عنت الوجوهُ بأسرِها
وله جميعُ الكائناتِ توحدُ
يا مُنتهىٰ سُؤلي وغايةَ مطلبي
مَن لي إذا أنا عن جنابِك أُطردُ
أنتَ المؤملُ في الشدائدِ كلِها
يا سيدي ولك البقاءُ السرمدُ
ولك التصرفُ في الخلائقِ كلِها
فلذاكَ تَهدي مَن تَشاءُ وتُسعدُ
فامنن عَليّ بتوبةٍ يا مَن له
قلبُ المُحبِ مُقدِّسٌ ومُوحِّدُ

أحبتي .. آمنا بالله، وشهدنا معجزاته، وعلمنا أنه من (عناية الله) أنه لا يُرجِع ضيفاً ولا يَرد ملبياً.
سبحانك يا الله، ها نحن عبيدك، نرفع إليك أكفنا بالدعاء، نتضرع إليك فلا تردنا خائبين. اكلأنا اللهم بعنايتك، واشملنا برعايتك، واكتب لنا اللهم حجاً مبروراً نختم به حياتنا وأعمارنا لنرجع إليك بصحائفنا خاليةً من الذنوب والخطايا كيوم ولدتنا أمهاتنا. إنك سبحانك ولي ذلك والقادر عليه.


http://bit.ly/2YRONZR