الجمعة، 17 مايو 2019

مدرسة الصوم


الجمعة 17 مايو 2019م

خاطرة الجمعة /١٨٧
(مدرسة الصوم)

كتب يقول: حدثني شخصٌ أسلم عن قصة إسلامه، وأنها كانت بسبب رمضان، قال إنه تعجَّب من حال المسلمين، كيف كانت وجوهُهُم تتقلَّب في السماء خلال الشهر السابق لشهر الصوم، كأنهم ينتظرون إشارةً من خالق الكون من فوقهم ليقوموا بشيءٍ بعدها، فلما رأوْا هلال رمضان، فرحوا فرحاً عظيماً، كأنهم بُشـِّروا بأعظم البشرى، ولم أتوقّع أن يكون فرحهم بأنهم سيمتنعون عن الشهوات في النهار كلِّه طيلة شهرٍ كاملٍ! هذه الشهوات التي يتقاتل بنو البشر عليها، وتُخاض الحروب التي تفتك بالملايين من أجلها. وزاد تعجبي حين وجدتهم يفرحون بأنهم سيقفون معظم ساعات الليل على أقدامهم يُصلُّون مناجاةً لربهم وطلباً للرحمة والمغفرة! فأخذ هذا منهم بلُبِّي، واستحوذ على قلبي، فصُمتُ معهم، وأنا لا أعرف الإسلام، ولم أنطق بالشهادتين، بل أكتفي بالامتناع عن الأكل والشرب وإتيان زوجتي إذا ذهب المسلمون لصلاة الصبح، وكنت أفطر إذا سمعت أذان المسجد لصلاة المغرب، وأذهب فأصلي معهم في الليل صلاة التروايح وأصنع مثل ما يصنعون، قياماً وركوعاً وسجوداً، غير أنني لا أتكلم بشيء، فأجد راحةً عجيبةً وسكينةً لم تعرفها روحي من قبل وأنا أستمع للقرآن، حتى إذا انتصف الشهر، لاحظ أحدهم أنني غريبٌ عن القوم، فسألني عن نفسي وأحوالي، فدُهش من قصتي اندهاشاً حمله على أن يجمع الناس ليسمعوا مني، فلما سمعوا قصتي علموني الإسلام، فنطقت بالشهادتين، فكبروا وقالوا أنت أسلمت على يد رمضان؛ فسموني رمضان!

أحبتي في الله .. يقول أهل العلم أن حِكْمة الحقِّ تبارك وتعالى اقْتَضَتْ أن يُفَضِّلَ بعض الشهور على بعض، فَفَضَّلَ شهر رمضان على سائر الشُّهور، واخْتَصَّه بِمَزايا مُتَعدِّدة، حيث أنزل فيه القرآن الكريم؛ قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، وجَعَل فيه ليلةَ القدر، وهي ﴿خيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر﴾، واخْتَصَّهُ بِفَريضةٍ عظيمةِ الشأن، وهي فريضةُ الصِّيام. ولو نَظَرْنا إلى الصِّيام، نَجِد أنَّه يختلف عَنْ سائرِ العِبَادات في خاصيةٍ هامَّةٍ، وهي خُلُوُّه منَ الرِّياء، فقد يدخل الرِّياء في الصَّلاة، أوِ الزكاة، أوِ الحج؛ لأنَّها عِباداتٌ تُؤَدَّى بأفعالٍ ظاهريَّة، يراها الناس، أمَّا الصَّوم فإنه لا يُؤَدَّى بِفِعْلٍ، ولكن بالكَفِّ عن فعلٍ، وهو الامتناعُ عَنْ تناوُل المفطرات، ومِن هنا فإنَّ الصَّائمَ لا يعلم حَقِيقة صَوْمه إلاَّ اللهُ سبحانه المُطَّلِع على سَرِيرَتِه وقَلْبه؛ لذا يقول الله تعالى في الحديث القُدسي الذي يرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ}.
ويقولون إنه من عجائب آيات الله في رمضان، أنه لو بذل فلاسفة البشرية ومفكروهم - كلهم مجتمعون - طلاع الأرض ذهباً على أن يجعلوا سُدس سكان الكرة الأرضية، يجتنبون الشهوات، ويتنزهون عن متاع الدنيا، ويتركون بطونهم خاويةً، ويلتفتون إلى أرواحهم ليطهروها من التعلق بعالم المادة، إلى السمو الأخلاقي الذي يصل إليه المسلم بالصيام، يوماً واحداً وليس شهراً كاملاً، لأعلنوا عجزهم عما نجح فيه هذا الدين العظيم.
حقاً؛ فرمضان (مدرسة الصوم)، يقولون أن العبد يتعلم فيها ويتدرب على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيءٍ، والتسليم لحكمه في كل شيءٍ، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيءٍ. فهو مدرسةٌ متميزةٌ للتربية العملية يتعلم منها الناس القيم وأرفع المعاني، فمن اغتنم الفرصة وصام كما أمر الله وشرع فقد نجح في الامتحان، ومن تكاسل وخالف فهو الخاسر ولا يضر الله شيئاً، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: [مَنْ لَم يَدَعْ قَوْلَ الزُوْرِ والعَمَلَ بِهِ والجَهْلَ فَلَيْسَ للّه حَاجَةٌ فِي أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ]. رمضان مدرسةٌ للتقوى يعيش بها ضمير المسلم حياً تفرحه الطاعة وتؤذيه المعصية. رمضان مدرسةٌ يتعلم فيها العبد الصبر فلا جزع، ويتعلم التواضع فلا كبر، ويتعلم الكرم فلا شح، ويتعلم الإخلاص فلا رياء.

يقول الشاعر:
أتى رمضانُ مدرسةَ العبادْ
لتطهيرِ القلوبِ من الفسادْ
فأدِّ حقوقَه قولاً وفعلاً
وزادُك فاتخذه للميعادْ
فمن زرعَ الحبوبَ وما سَقاها
تأوهَ نادِماً يومَ الحصادْ
وقال آخر:
الصَومُ مدرسةُ التعفُّف والتُّقى
وَتَقارُبِ البُعَداءِ والأغرابِ
الصّومُ رابِطَةُ الإخاءِ قوِيّةً
وَحِبالُ وُدِّ الأهْلِ والأَصْحابِ
الصّومُ دَرسٌ في التّساوي حافِلٌ
بالجودِ والإيثارِ والتَّرحْابِ
شهرُ العَزيمةِ والتَصبُّرِ والإبا
وصفاءِ روحٍ واحتمالِ صعابِ
أما حال شهر رمضان (مدرسة الصوم) الآن فيصفه الشاعر في هذه الأبيات:
الصوم مدرسةٌ قلّت نظائرها
قد خرّجت سالف الأزمان فرسانا
مالي أرى اليوم طلاباً بها درسوا
شتان أخلاقهم واللهِ شتانا
الصوم صبرٌ ونحن اليوم نفقده
إذا غضبنا فعلنا الشر ألوانا
الصوم عطفٌ فأين اليوم رحمتنا
أين الشعور بجارٍ بات جوعانا


فاللهَ اللهَ فيما بقي لنا من أيام هذا الشهر الفضيل .. اللهَ اللهَ في أيامه ولياليه لا تدعوها تضيع منا فيما لا ينفع، فما لا ينفع يضر؛ نخسر في كل دقيقةٍ نفوتها بغير عبادةٍ أو نافلةٍ أو ذكرٍ لله أو عملِ خيرٍ وبر ما لا يمكن تعويضه في غير رمضان. انظروا كم كان الصالحون يحرصون على ألا يضيع منهم رمضان؛ هذا واحدٌ منهم قيل له: إنك شيخٌ كبيرٌ وإنَّ الصيام يضعفك، فقال: إني أعده لسفرٍ طويلٍ، والصبرُ على طاعة الله أهونُ من الصبر على عذابه، ولما صبر الصائمون لله في الحر على شدة العطش والظمأ، أفرد لهم باباً من أبواب الجنة وهو باب الريان، من دخله شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً.
وهذا آخر كتب يقول: ‏عندما يأتي رمضان أكتشف أنني كنت أستطيع الصوم كل اثنين وخميس خلال السنة، وأن الصوم ليس بهذه الصعوبة التي كنت أتصورها! وأجد أنني أستطيع أن أقلع عن التدخين نهائياً لكني لم أحاول! ويتضح لي أن الختمة الشهرية للقرآن ليست صعبةً ولا هي من المعجزات كما كان الشيطان يوهمني بذلك! وأتعجب من نفسي حين أستيقظ للسحور في رمضان قبل الفجر، وأعجز عن القيام لصلاة الفجر في غير رمضان! ويتبين لي أن الفقير موجودٌ طوال العام بينما أنا لا أراه إلا في رمضان!

أحبتي .. إذا كان شق تمرةٍ يبعدنا عن النار، وصدقةٌ تطفئ غضب الرب، وكلمتان تثقلان ميزان أعمالنا، ووضوءٌ يزيل من جوارحنا الخطايا، وحسنةٌ تتضاعف لعشرة أضعاف .. إذاً لماذا نعتقد أن الجنة بعيدة المنال؟! ورمضان جاء فرصةً لنا ليقربنا إلى جنة ربنا ورضاه؛ فاستثمروا رمضان لجنةٍ عرضها السموات والأرض.
رمضان أحبتي (مدرسة الصوم) نتعلم فيها دروساً عظيمةً في الإخلاص والصبر والعزيمة فلا مجال للوهن والخمول والكسل؛ دعونا إذن نقول لأنفسنا حي على العبادة، حي على الإكثار من أعمال الخير والبر، ولنشمر سواعد الجد ونسرع ونبادر ونتسابق في أداء العبادات وفعل الخيرات في هذه الأيام الطيبة المباركة؛ فهي أيامٌ لا تُعوض وأوقاتٌ لو وُزنت بالذهب لرجحت كفتها.  
اللهم سامحنا على ما فرطنا فيما مضى وأعنا على ما بقي، واجعلنا ممن يصومون رمضان قياماً واحتساباً لوجهك الكريم، وارحمنا واغفر لنا واعتق رقابنا من النار.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2HKFsHV

الجمعة، 10 مايو 2019

موسم الطاعات


الجمعة 10 مايو 2019م

خاطرة الجمعة /١٨٦
(موسم الطاعات)

جلس الإمام مالك يوماً في المسجد النبوي كعادته يروي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والطلاب حوله يستمعون، فصاح صائحٌ: جاء للمدينة فيلٌ عظيمٌ - ولم يكن أهل المدينة قد رأوا فيلاً قبل ذلك والمدينة ليست موطناً للفيلة - فهُرع الطلبة كلهم ليروا الفيل وتركوا مالكاً إلا يحيى بن يحيى الليثي فقط، فسأله مالك: لِمَ لَمْ تخرج معهم؟ هل رأيت الفيل قبل ذلك؟، قال يحيى: إنما رحلتُ لأري مالكاً لا لأرى الفيل!
نُشرت هذه القصة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوانٍ غريبٍ؛ فقد كان العنوان هو: "ما أكثر الفيلة في رمضان؟"، وقال ناشر القصة: قد تتعجبون من العنوان، لكن سيزول العجب حين أُبَيْن المقصد؛ لو تأملنا هذه القصة لوجدنا أن واحداً فقط من الحضور هو من علم لماذا أتى، وما هو هدفه، لذا لم يتشتت ولم يبدد طاقاته يمنةً ويسرةً، أما الآخرون فخرجوا يتفرجون! فانظر عِظَم الفرق بين هذا وهؤلاء! لذا نجد أن من حدد الهدف واستعان بالله وصل، فكانت رواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي عن مالك هي المعتمدة للموطأ، أما غيره من الطلبة المتفرجين فلم يذكرهم لنا التاريخ.
وفي زماننا يتكرر الفيل، ولكن بصورٍ مختلفةٍ وطرائق شتى، وخصوصاً في رمضان؛ فالناس في رمضان صنفان: صنفٌ قد حدد هدفه فهو يعلم ماذا يريد من رمضان، وما هي الثمرة التي يتمنى تحصيلها. وصنفٌ آخر غافلٌ لاهٍ مفرطٌ تستهويه أنواع الفيلة المختلفة؛ فالقنوات الفضائية فيلة، والمسلسلات والأفلام الهابطة فيلة، والأغاني والموسيقى فيلة، والغيبة والنميمة وأنواع المحرمات فيلة، وكل مضيعات الأوقات فيلة، والفيس بوك والواتساب والإنستجرام فيلة هذا الزمان! فاحذروا الفيلة وبريقها فإنها ستسلب منكم أفضل أوقات العام. حددوا لأنفسكم أهدافاً في رمضان، واستعينوا بالله ولا تعجزوا ولا تتشتتوا؛ فإن المحروم من حُرم الأجر في موسم الأجور، والمغبون من ضيع السلعة الغالية بثمنٍ بخسٍ.

أحبتي في الله .. كم دعونا الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا رمضان، وها قد استجاب المولى عزَّ وجلَّ بكرمه وإحسانه لدعائنا فماذا نحن فاعلون؟ ها قد هلَّ علينا شهر رمضان بأيامه ولياليه، شهر العبادة وشهر القرآن وأعمال الخير والبر، إنه شهر الصوم والقيام؛ إنه (موسم الطاعات).

بدأ الشهر الكريم وما يزال البعض منا لم يحدد هدفه منه؛ فتراهم يوزعون أوقاتهم ما بين الصوم والصلاة والقيام وقراءة القرآن وإطعام الفقراء والمساكين، وبين مشاهدة ما يسميه شياطين الإنس مسلسلات وبرامج رمضانية، ورمضان منها براء. الذين لم يحددوا هدفهم في هذا الشهر الفضيل تراهم ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾، تارةً هم في قمة الإيمان والخشوع، وتارةً هم غارقون في مستنقع الإسفاف والابتذال مع تلك المسلسلات والبرامج الهابطة. يجادل البعض منهم بالقول أنه توجد مسلسلاتٌ دينيةٌ يمكن مشاهدتها، يكفي أن يعلم هؤلاء أن غض النظر من الفضائل التي يحث عليها ديننا الحنيف والتي يتضاعف ثواب الالتزام بها في هذا الشهر الكريم، فهل تترك لنا مثل هذه المسلسلات - ولو كانت دينيةً - فرصةً لغض النظر؟ يقولون أنه نادراً ما تظهر في تلك المسلسلات ممثلاتٌ حيث يكون أغلب الممثلين فيها من الذكور، وكأن غض النظر فضيلةٌ مطالبٌ بها ذكور المسلمين دون إناثهم!
إن الذين هم مذبذبون، يجمعون بين العبادة وأعمال الخير، وبين مشاهدة اللهو والمجون في التلفاز والقنوات الفضائية، وتضييع أثمن الأوقات في تصفح مواقع لا نفع من ورائها على شبكة الإنترنت، أو في دردشاتٍ لا فائدة منها، أو في استخدام وسائط التواصل الاجتماعي والهواتف  الذكية لغير ضرورةٍ ملحةٍ خلال شهر رمضان، أخشى أن تنطبق عليهم الآية الكريمة: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾ فيضيعون على أنفسهم ثواب أعمالهم الطيبة بإصرارهم على مشاهدة ما تحرم مشاهدته وسماع ما يحرم سماعه وقول ما يحرم قوله؛ فليحذر هؤلاء أن يكونوا ممن قال عنهم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: [رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ صَوْمِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ وَالنَّصَبُ].

يقول العلماء عن (موسم الطاعات): إنه من أعظم المواسم الربانية والنفحات الإلهية؛ فهو فرصةٌ ذهبيةٌ لا يجب تضييعها أو التفريط بها، وهو ميدانٌ للتسابق في الخيرات لنيل أعلى الدرجات، والفوز بجنةٍ عرضها الأرض والسموات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ]؛ فاحرص أيها المسلم على اغتنام أوقاتك في الطاعة، وخذ من قوتك لضعفك، ومن شبابك لهرمك، ومن غناك لفقرك، ومن فراغك لشغلك، ومن صحتك لسقمك، فالسعيد من أشغل نفسه في الطاعة، والشقي من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، والنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
ما يزال الاختيار في يد كلٍ منا، وما تزال الفرصة متاحةً لنا لاختيار طريق العمل الصالح الذي يُعلي شأننا ما بقيت لنا أيامٌ وليالٍ في هذه الدنيا؛ قال الشاعر:
نأتي إلى الدنيا ونحن سواسية
طفلُ الملوك هنا كطفل الحاشية!!
ونغادر الدنيا ونحن كما ترى
متشابهون على قبورٍ حافية !!
أعمالنا تُعلي وتَخفض شأننا
وحسابُنا بالحق يوم الغاشية !!
حورٌ، وأنهارٌ، قصورٌ عالية،
وجهنمُ تُصلى، ونارٌ حامية !!
فاختر لنفسك ما تُحب وتبتغي
ما دام يومُك والليالي باقية !!
وغداً مصيرك لا تراجع بعده
إما جنان الخلد وإما الهاوية !!

أحبتي .. هنيئاً للذين اختاروا أن يكونوا ممن حددوا هدفهم لشهر رمضان، فخالفوا هواهم، وابتعدوا عما يرتبه لهم شياطين الإنس من مغرياتٍ تسرق منهم أوقاتهم وتُفسد عليهم ما صلح من أعمالهم. هنيئاً لمن حسم أمره واختار لنفسه طريق الصواب وسبيل النجاة، ليفوز برضا الله ورضوانه، فيحرص على ألا يضيع منه (موسم الطاعات) ويخرج منه خاسراً؛ فالخسارة أن تكون هناك جنةٌ ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ولا يكون له فيها مكان‏!
قال أحدهم ناصحاً: فلنبادر بالتوبة النصوح من جميع الخطايا والسيئات، واستبقوا الخيرات، وسارعوا إلى فعل الطاعات، فإن المسارعة إلى الخيرات صفةٌ عظيمةٌ من صفات الذين هم من خشية ربهم مشفقون، وإن السابقين إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى رفيع الدرجات في الآخرة، قال سبحانه: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾.
تمسكوا أحبتي بطريق الحق والخير والفلاح، واستغفروا الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وتوبوا إليه توبةً نصوحاً في هذا الشهر الفضيل. أرُوا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حُرم رحمة الله في شهر رمضان (موسم الطاعات)؛ صوموا أيامه وقوموا لياليه، واملأوا أوقاتكم كلها بالعبادات والنوافل وأعمال الخير، عسى أن يتقبل الله منا ومنكم أعمالنا؛ فتثقل بها موازيننا ويكون مثوانا الجنة بفضل الله وكرمه ورحمته وإحسانه.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.



الجمعة، 3 مايو 2019

هل تستطيع؟


الجمعة 3 مايو 2019م

خاطرة الجمعة /١٨٥
(هل تستطيع؟)

هذا مقالٌ نشره الراحل الدكتور مصطفى محمود يتحدث فيه عن واقعةٍ حدثت قبل حوالي ستين عاماً، عندما كان طفلاً صغيراً. المقال بعنوان: «لماذا لا يحترم الإعلام العربي رمضان؟»، جاء فيه: لماذا يتحول رمضان إلى شهرٍ ترفيهيٍ بدلاً من شهرٍ روحانيٍ؟ لستُ شيخاً ولا داعيةً، ولكني أفهم الآن لماذا كانت والدتي تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان.. كنتُ طفلاً صغيراً ناقماً على أُمي التي منعتني وإخوتي من مشاهدة فوازير رمضان بينما يتابعها كل أصدقائي.. ولم يشفِ غليلي إجابة والدتي المقتضبة: "رمضان شهر للعبادة، ليس للفوازير!"، لم أكن أفهم منطق أمي الذي كنت كطفلٍ أعتبره تشدداً في الدين لا فائدة منه.. فكيف ستؤثر مشاهدة طفلٍ صغيرٍ للفوازير على شهر رمضان؟ مرت السنوات وأخذتني دوامة الحياة وغطى ضجيج معارك الدراسة والعمل على همسة سؤالي الطفولي، حتى أراد الله أن تأتيني الإجابة عن هذا السؤال من رجلٍ مسنٍ غير متعلمٍ في الركن الآخر من الكرة الأرضية، كان ذلك الرجل هو عاملٌ أمريكيٌ في محطة بنزينٍ اعتدت دخولها لشراء قهوةٍ أثناء ملء السيارة بالوقود في طريق عملي، وفي اليوم الذي يسبق يوم الكريسماس دخلتُ لشراء القهوة كعادتي، فإذا بي أجد ذلك الرجل منهمكاً في وضع أقفالٍ على ثلاجة الخمور، وعندما عاد لمحاسبتي على القهوة، سألته وكنتُ حديث عهدٍ بقوانين أمريكا: "لماذا تضع أقفالاً على هذه الثلاجة؟!"، فأجابني: «هذه ثلاجة الخمور، وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور في ليلة ويوم الكريسماس، يوم ميلاد المسيح». نظرت إليه مندهشاً قائلاً: "أليست أمريكا دولةً علمانيةً؟ لماذا تتدخل الدولة في شيء مثل هذا؟"، قال الرجل: "الاحترام، يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر في هذا اليوم حتى وإن لم تكن متديناً؛ إذا فقد المجتمع الاحترام فقدنا كل شيء". الاحترام .. الاحترام .. ظلت هذه الكلمة تدور في عقلي لأيامٍ وأيامٍ بعد هذه الليلة.. فالخمر غير محرمٍ عند كثيرٍ من المذاهب المسيحية في أمريكا.. ولكن المسألة ليست مسألة حلالٍ أو حرامٍ.. إنها مسألة احترامٍ.. فهم ينظرون للكريسماس كضيفٍ يزورهم كل سنةٍ ليذكرهم بميلاد المسيح عليه السلام، وليس من الاحترام السكر في معية ذلك الضيف.. فلتسكر ولتعربد في يومٍ آخر إذا كان ذلك أسلوب حياتك.. أنت حرٌ.. ولكن في هذا اليوم سيحترم الجميع هذا الضيف وستضع الدولة قانوناً! أتمنى أن نحترم شهر القرآن، ونعرف ماذا نشاهد. ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه، قال تعالى: «وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ». 

لم أكد أنتهي من قراءة هذا المقال إلا واستلمتُ - من خلال وسائل التواصل الاجتماعي - رسالةً تصف وصفاً دقيقاً كيف ينقسم المسلمون إلى فريقين مختلفين مع اقتراب شهر رمضان الكريم؛ تقول الرسالة:
فريقان لا ينامان هذه الأيام، يسابقان الوقت ويسارعان الزمان:
الفريق الأول- أشخاصٌ لا ينامون استعداداً لاستقبال شهر رمضان؛ يجهزون مسلسلاتٍ وبرامج ومقالب وفوازير تُنتج خصيصاً لهذا الشهر المبارك! منهم من يكتب ومنهم من يُنتج، ومنهم من يُمَثِّل ومنهم من يُخرج. يعملون بهمةٍ ونشاطٍ وكأن الشيطان يقول لهم: "أفوضكم في القيام بمهامي، حيث سأكون مُكبلاً ومُسلسلاً ومصفداً بالأغلال طوال شهر رمضان، لا أريد عند عودتي أن أجد الناس وقد غفر الله لهم، أريدكم أن تشغلوا المسلمين عن صلاة الجماعة وعن صلاة التراويح، ولا تتركوا لهم فرصةً لختم القرآن، ولا الخشوع في الصلاة، ولا حتى غض البصر، اضبطوا جدول المسلسلات التلفزيونية مع مواعيد الصلوات الخمس، واستغلوا فترة استجابة الدعاء وقت الإفطار  ببعض المقالب أو الفوازير، أما أفضل مسلسلٍ فلابد من عرضه وقت صلاة التراويح، وزودوا جرعة الإثارة، والمشاهد الغرامية. لا أوصيكم فأنتم أساتذةٌ مشهودٌ لكم في هذا المجال وأنا مطمئنٌ؛ فكم أبدعتم في هذا المجال في السنوات السابقة بأكثر مما كنت أحلم أو أتصور. أترككم أحبتي على خيرٍ وألتقي بكم بعد انتهاء شهر رمضان". إنهم فريق: ﴿الَّذينَ يُحِبّونَ أَن تَشيعَ الفاحِشَةُ فِي الَّذينَ آمَنوا﴾. وهذا الفريق يتبعه -مع الأسى والأسف - بعض المسلمين الغافلين اللاهين الذين ندعو الله سبحانه وتعالى لهم بالهداية.

أما الفريق الثاني- فهم مسلمون هداهم الله سبحانه وتعالى، يحترمون قدسية شهر رمضان المبارك، يعلمون قدره فيستعدون لاستقباله أحسن استعداد؛ يبدأون من شهر شعبان في تدريب أنفسهم على الصوم فيزيدون من صوم التطوع، ويراجعون علي ما حفظوه من القرآن الكريم، ويُحَضِّرون أنفسهم للصلوات المكتوبة مع جماعة المسلمين في المسجد، ويحددون في أي مسجدٍ سوف يصلون التراويح، كما يُحَضِّرون دروساً وخواطر رمضانيةً ومسابقاتٍ وقوافل خيريةً لإفطار صائمٍ أو إطعام مساكين، ويُجهزون حقائب رمضان وما تحتوي عليه من مواد غذائيةٍ لتوزيعها على الفقراء. منهم من يبكي بينه وبين الله سبحانه وتعالى يناجيه وهو يصلي ويطلب منه أن يُصلح له قلبه كي يستحق الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، ومنهم من يبادر إلى إصلاح علاقته بأقاربه ويبر أرحامه ويقوي صلته بهم، ومنهم من يسهر في إعداد جداول لنفسه ولأبنائه ولإخوانه لمتابعة الالتزام بالعبادات وتوزيع أعمال الخير على أيام الشهر الفضيل، ومنهم من اتخذ قراراً بأن يكون شهر رمضان فرصةً لا يضيعها للتغيير نحو الأحسن بترك السيئات والمعاصي والاقتراب من الله سبحانه وتعالى؛ يضع أسس علاقةٍ جديدةٍ مع الصلاة والقرآن، ويعزم على هجر الصحبة السيئة من الأصدقاء وملازمة من يساعده ويأخذ بيده نحو الخير في رمضان وبعد رمضان. إنهم يستعدون لاستقبال موسم الطاعات؛ إنهم فريق: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ﴾.

أحبتي في الله .. أحسستُ وأنا أقرأ المقال بأن كلماته كأنما كُتبت بالأمس! وكما لو كانت تخاطبنا نحن الآن!
أما عندما اطلعت على الرسالة فقد تبين لي أن المشكلة لم تعد في التلفاز فقط؛ فعلى مدى العقود التي مضت منذ الواقعة التي أشار المقال إليها، حدثت متغيراتٌ كثيرةٌ؛ صار التلفاز ملوناً، ثم ظهرت القنوات الفضائية، بالتزامن مع انتشارٍ سريعٍ لشبكة الإنترنت، ثم اختراع الهواتف الذكية، وتعدد برامج وتطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، كلها تخطف الأبصار والأسماع وتغزو القلوب بالألوان والصور المجسمة ومقاطع الفيديو والمسلسلات والأفلام وغيرها. وأصبح هناك فئةٌ من الناس ينظرون إلى شهر رمضان باعتباره موسماً اقتصادياً يحرصون على أن يكسبوا مئات الملايين من إنتاج المسلسلات والأفلام والفوازير والبرامج الهابطة، فئةٌ لا تراعي حرمة الشهر الفضيل، ولا تهتم إلا بمكاسبها المادية، وهم - والحق يُقال - يجيدون عملهم الشيطاني ويبدعون فيه! 
إنه الاستعداد لاستقبال شهر رمضان الكريم موسم الطاعات، فريقان لا ثالث لهما؛ فريقٌ منهما هو حزب الشيطان، إنهم هم الخاسرون؛ يقول عنهم سبحانه وتعالى: ﴿استَحوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطانُ فَأَنساهُم ذِكرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزبُ الشَّيطانِ أَلا إِنَّ حِزبَ الشَّيطانِ هُمُ الخاسِرونَ﴾، وهم أصحاب السعير؛ يقول تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيطانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدعو حِزبَهُ لِيَكونوا مِن أَصحابِ السَّعيرِ﴾. والفريق الآخر هو حزب الله، إنهم هم الغالبون؛ يقول عنهم عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسولَهُ وَالَّذينَ آمَنوا فَإِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ الغالِبونَ﴾، وهم المفلحون؛ يقول تعالى: ﴿أَلا إِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ المُفلِحونَ﴾.
كلاهما يستعد لاستقبال الشهر الكريم.
إذن فقد كبر التحدي، وصار السؤال الآن: إلى أي الفريقين تنتمي؟
يتمنى كلٌ منا في قرارة نفسه أن يكون من فريق المؤمنين الصالحين المتقين الراغبين في أن يكون شهر رمضان بالنسبة لهم شهر عبادةٍ لا يشوبها شائبةٌ، لكن العبرة ليست بالتمني وإنما بالتنفيذ والالتزام الفعلي، وهنا مربط الفرس، هنا يكمن التحدي؛ (هل تستطيع) أن تدير وجهك عن كل هذه المفاسد والموبقات طوال شهرٍ واحدٍ فقط هو شهر رمضان؟ ألا يستحق منك هذا الشهر أن تستقبله باحترامٍ وتعيشه في خشوعٍ وتنهيه وأنت مرتاح الضمير؟ إنه تحدٍ كبيرٌ يحتاج إلى نيةٍ صادقةٍ مخلصةٍ وإرادةٍ صلبةٍ.

وللتخفيف نعيد صياغة السؤال ليصبح: "(هل تستطيع) أن تضع برنامجاً محدداً لمشاهدة ما هو مفيدٌ في التلفاز والقنوات الفضائية، وتقصر دخولك على شبكة الإنترنت على مواقع محددةٍ تستفيد منها ولمدةٍ محدودةٍ لا تتجاوزها، وكذلك الأمر مع الهاتف الذكي؛ فتستخدمه فقط لإجراء المكالمات الهامة واستقبالها، مع التوقف التام عن استخدام مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي، ومقاطعة كل ذلك لمدة شهرٍ واحدٍ فقط؟".
كي تنجح خطة المقاطعة المقترحة لابد أن يكون هناك البديل، وهذا تحدٍ آخر يواجه كل من لم يتعود التخطيط لحياته، ويترك حياته يخطط لها الآخرون ويبقى هو متلقياً بليداً تُصب في عقله الأفكار صباً، ويُحشى وجدانه بما يريده غيره له، لا بما يختاره لنفسه ولا بما ينبغي أن يكون! ولأن المسلم كما وصفه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: [كَيْسٌ فَطِنٌ]؛ فليبادر كل مسلمٍ إلى وضع خطةٍ تناسب جميع أفراد أسرته تختلف باختلاف أعمارهم وميولهم، بل وعليه أن يشركهم في وضع هذه الخطة بأنفسهم ليكسب قناعتهم بها وحرصهم على تنفيذها، وهي ببساطةٍ برنامجٌ يوميٌ يشتمل على متابعة أداء الفروض من صلاةٍ وصومٍ، وأداء السنن من صلاة تراويح وصلاة قيامٍ وتهجد، وأعمال الخير كحفظ القرآن الكريم وتلاوته، وحفظ ما تيسر من الأحاديث الشريفة، وإفطار الصائمين، وإطعام الفقراء والمساكين والتصدق عليهم، وحضور الدروس الدينية في المساجد، مع فقراتٍ ترويحيةٍ لطيفةٍ كرواية القصص الدينية، وتنظيم المسابقات، ومشاهدة برنامجٍ مفيدٍ على التلفاز، وفتح الحاسوب أو الهاتف الذكي على موقعٍ محددٍ سلفاً يعرض السيرة النبوية أو يتحدث عن الحضارة الإسلامية أو يقدم القيم الإسلامية في صورٍ مقبولةٍ شرعاً بعيداً عن أي إسفافٍ أو تجاوز، وإخراج زكاة الفطر.

أحبتي .. على كلٍ منا أن يختار لنفسه فريقاً من الفريقين: ﴿مَثَلُ الفَريقَينِ كَالأَعمى وَالأَصَمِّ وَالبَصيرِ وَالسَّميعِ هَل يَستَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرونَ﴾. وعند الاختيار ينبغي أن نتذكر الآية الكريمة: ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ﴾، ونتأمل قوله تعالى: ﴿أَمَّن هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيلِ ساجِدًا وَقائِمًا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجو رَحمَةَ رَبِّهِ قُل هَل يَستَوِي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبابِ﴾، ولنستشعر موقف الحساب عن كل ما قررنا أن نستمع له وكل ما أحببنا أن نشاهده وكل هوىً وقر في أفئدتنا؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾. فإذا قرأنا قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُريدُ أَن يَتوبَ عَلَيكُم وَيُريدُ الَّذينَ يَتَّبِعونَ الشَّهَواتِ أَن تَميلوا مَيلًا عَظيمًا﴾ لاخترنا فوراً أن نكون من حزب الله ليتوب علينا. ولنتذكر أحبةً لنا غيبهم الموت لا يتمنون الآن إلا أن يعودوا للحياة ليحسنوا الاختيار؛ فلا يكونوا أبداً من فريق الغافلين اللاهين المفرطين في اغتنام فرصة الفوز برحمة الله ومغفرته والعتق من النار، إذا كانوا هم قد أضاعوا فرصتهم، ولم يعد أمامهم الآن سبيلٌ للتراجع، ففرصتنا نحن ما تزال قائمةً وهي بين أيدينا؛ فليقل كلٌ منا الآن: نعم أستطيع، نعم أستطيع، نعم أستطيع؛ ليتحقق وعد الله سبحانه وتعالى بالتيسير: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى . فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾.

أعاننا الله، وصوب خطانا، وأبعد عنا شياطين الجن والإنس بما يزينوه لنا من باطل. اللهم بلِّغنا رمضان هادين مهتدين، واجعل أيامه ولياليه شاهدةً لنا لا علينا. اللهم رُدنا إليك رد الكرام عليك، لا رد الغافلين عنك.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2PJlVuO

الجمعة، 26 أبريل 2019

يسارعون في الخيرات/1


الجمعة 26 إبريل 2019م

خاطرة الجمعة /١٨٤
(يسارعون في الخيرات)

وقفت امرأةٌ ثريةٌ على طريقٍ سريعٍ بعد أن تعطلت سيارتها فنزلت منها وتركتها بجانب الطريق حتى ترسل من يصلحها. ووقفت تُلَوِّح بيدها للسيارات المارة المسرعة، لكن لم تقف لها أية سيارة، مضى وقتٌ طويلٌ، تغير لون السماء وتلبدت الغيوم وبدأ رذاذٌ من مطرٍ خفيفٍ ينذر بهطول أمطار، وخشيت حلول الظلام. فجأةً، توقفت لها سيارةٌ قديمةٌ يسوقها شابٌ حنطي البشرة، نظرت إليه وإلى السيارة وترددت؛ هل تصعد معه أم تبقى تنتظر حافلةَ نقلٍ عامٍ أو سيارةً بها أسرةٌ أو سيارةَ أجرةٍ أو لو اقتضى الأمر سيارةً يقودها شخصٌ أكبر سناً؟ كانت تخشى أن يطمع فيها هذا الشاب خاصةً أن علامات غناها وثروتها باديةٌ عليها. حسمت أمرها وتوكلت على الله وقررت أن تصعد وتركب مع الشاب في سيارته القديمة. في الطريق سألته عن اسمه وعمله - وقد كانت تظهر عليه علامات الفقر والحاجة - فأخبرها بأن اسمه آدم، وأنه يعمل بوظيفةٍ متواضعةٍ؛ اطمأنت نوعاً ما، وعاتبت نفسها وأنّبها ضميرها لسوء ظنها به، خاصةً بعد أن لفت انتباهها أن الشاب كان مؤدباً ولم يلتفت إليها منذ أن صعدت إلى سيارته. وصلت إلى المدينة وهي تضمر في نفسها أن تعطيه ما يطلب من الأجرة؛ فطلبت النزول وتوقف، سألته: "كم حسابك؟"، قال: "لا شيء!!"، قالت له: "لا يمكن؛ أنت ساعدتني وأوصلتني"، رد آدم: "أجرتي أن تفعلي الخير مع غيري!". انصرفت مذهولةً مندهشةً من تصرفه. مشت قليلاً في طريقها ثم وقفت أمام مقهى فدخلت وطلبت كأساً من القهوة أتت العاملة به. لفت نظر المرأة الغنية شحوب وجه العاملة وكبر بطنها؛ فقالت لها: "أراكِ متعبة"، قالت: "إني على وشك الولادة"، قالت المرأة: "ولِمَ لا ترتاحين؟"، قالت العاملة: "مضطرةٌ للعمل كي أوفر ما يكفي تكاليف ولادتي". أعطت المرأة للعاملة ورقةً نقديةً تساوي عشرة أضعاف قيمة القهوة؛ فذهبت العاملة إلى المحاسب لتأتي لها بالباقي من الحساب، وعندما عادت بالباقي لم تجد المرأة، نظرت يميناً وشمالاً، فلم تجدها، لكنها وجدت ورقةً صغيرةً مكتوبٌ فيها: "تركتُ باقي الحساب هديةً لك". فرحت العاملة كثيراً، لكنها لاحظت عبارةً مكتوبةً بخطٍ صغيرٍ تحت العبارة السابقة: "اقلبي الورقة"، أسرعت بقلب الورقة فوجدت كلاماً آخر: "وتركتُ لك ما تحت غطاء الطاولة هديةً لمولودك". كادت تصرخ من الفرح وهي ترى مبلغاً يزيد عن ستة أضعاف مرتبها الشهري. دمعت عيناها من الفرح، ذهبت سريعاً واستأذنت من عملها، وسابقت الريح مشتاقةً لإفراح زوجها الذي يحمل همّ ولادتها. دخلت البيت مسرعةً تنادي زوجها الذي تعجب من عودتها من العمل قبل وقت انتهائه، وخشي أن يكون وقت الولادة قد حان، أو يكون صاحب العمل أنهى خدماتها، غير أنه سمع صوتها مخلوطاً بنغمة الفرح وبه نبرة شكرٍ وامتنانٍ وهي تقول وقد احتضنته: "أبشر يا آدم قد فرجها الله علينا وأكرمنا"!
سبحان الله؛ إنه آدم إذن! صاحب السيارة الذي أقل المرأة الثرية قبل قليل، إنه حقاً عالمٌ صغير! ويا لكرم المولى عزَّ وجلَّ مع من (يسارعون في الخيرات) فيرد لهم أعمالهم أضعافاً مضاعفة.

أحبتي في الله .. أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نكون من الذين (يسارعون في الخيرات) ويتسابقون إلى فعلها؛ قال تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾.
وعمل الخير لا يضيع أبداً، يعود حتماً إلى صاحبه، يعود أضعافاً مضاعفةً، محملاً ببركة الله سبحانه وتعالى.
مدح الله الذين (يسارعون في الخيرات)؛ قال تعالى في وصف المؤمنين: ﴿أُولئِكَ يُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَهُم لَها سابِقونَ﴾، وقال في وصف الصالحين: ﴿يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَيَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصّالِحينَ﴾، وبيَّن أن المسارعة في الخيرات سببٌ لإجابة الدعاء؛ قال سبحانه: ﴿فَاستَجَبنا لَهُ وَوَهَبنا لَهُ يَحيى وَأَصلَحنا لَهُ زَوجَهُ إِنَّهُم كانوا يُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَيَدعونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكانوا لَنا خاشِعينَ﴾.



المسارعة إلى الخيرات دليلٌ على حب الله سبحانه وتعالى للعبد؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾.
وقد اختار الله سبحانه وتعالى الذين (يسارعون في الخيرات) وجعلهم مفاتيح للخير؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ، مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ].
وكان عليه الصلاة والسلام يقول في دعائه: [اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي ...].
وبيَّن النبي عظم ثواب تنفيس الكرب والستر والتيسير وإعانة المسلم لأخيه المسلم؛ قال صلى الله عليه وسلم : [مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ..].
وورد في وصف النبي صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. ولو تأملنا العبارة الأخيرة في وصف نبينا الكريم "أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ" لوجدنا أنها أبلغ كلماتٍ يمكن أن يُعبر بها عن مدى مسارعته في الخيرات، وهو الأسوة الحسنة لنا جميعاً؛ قال تعالى: ﴿لَقَد كانَ لَكُم في رَسولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرجُو اللَّهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيرًا﴾.

وهذه أبيات شعرٍ من أروع ما كُتب وصفاً لأحد الذين (يسارعون في الخيرات):
تراهُ إذا ما جئْتَه مُتَهَلِّلاً
كأنَّك تُعطيه الذي أنتَ سائلُهْ
هُوَ اليَمُّ مِنْ أَي النَّواحي أتيتَهُ
فلُجَّتُه المعروفُ والجُودُ سَاحِلُهْ
تعوَّدَ بسط الكفِّ حتى لو أنَّه
ثناها لقبضٍ لمْ تُجبهُ أنامِلُهْ
ولو لم يكنْ في كفِهِ غيرُ روحِهِ
لجادَ بها، فليتقِ اللهَ سائلُهْ

قال العلماء: المسابقة إلى الخيرات خُلُقٌ لا يتصف به إلا المؤمن الصادق، والمسارعة إلى أعمال البر طبعٌ لا يتخلق عليه إلا من وهبه الله تعالى رجاحةً في العقل وانشراحاً في الصدر وسلامةً في القلب.
وقالوا: إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحدٌ فافعل تكن من الفائزين المفلحين.
وقال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم
فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ
يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ
من كان للخير منّاعًا فليس له
على الحقيقة إخوانٌ وأخْدانُ
من جاد بالمال مالَ النّاسُ قاطبةً
إليه والمالُ للإنسان فتّانُ

وهناك كثيرٌ من صور عمل الخير يحرص المسلمون على أدائها؛ منها على سبيل المثال: كفالة اليتيم، مساعدة الفقراء والمحتاجين، إماطة الأذى عن الطريق، إغاثة الملهوف، إكرام الضيف، التعاون والتكافل بين الأشخاص، الإصلاح بين المتخاصمين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تشجيع الناس على فعل الخيرات، تقديم النصيحة والكلمة الطيبة للآخرين، صلة الأرحام، الصلاة على الجنازة واتباعها، الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى بالحمد والتسبيح والتكبير والتهليل والاستغفار، قراءة القرآن الكريم، تقديم الرّعاية للمرضى، تعليم الناس، زيارة المرضى، البدء بالسلام على الناس، وغير ذلك كثير.
ولقد أكّد القرآن الكريم على أن من ينفقون أموالهم في سبيل الله تعالى وفي أعمال الخير سينالون الأجر العظيم منه سبحانه، وأن أجورهم ستتضاعف أضعافاً مضاعفة؛ قال تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
ويتضاعف ثواب عمل الخير والمسارعة فيه وفقاً للزمان الفاضل؛ مثل: شهر رمضان الكريم، وعشر ذي الحجة، ووفقاً للمكان الفاضل: كالحرمين، فإن الحسنات تُضاعف في مكة والمدينة مضاعفةً كبيرة. فلنحرص على المسارعة في عمل الخير دائماً كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

أحبتي .. أقتبس كلماتٍ أعجبتني يقول كاتبها: اتقوا الله وبادروا في اغتنام حياتكم قبل فنائها، وأعماركم قبل انقضائها؛ بفعل الخيرات والإكثار من الطاعات، فإن الفرص لا تدوم، والعوارض التي تحول بين الإنسان وبين العمل كثيرةٌ وغير مأمونةٍ؛ فإذا سمعت بمشروعٍ خيريٍ أو عملٍ فيه صدقةٌ جاريةٌ فحاول أن تساهم فيه ولو بالقليل، ولا تجعل الخير يفوتك دون أن تشارك؛ فقد جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: [أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ].
وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
مَضَى أَمْسُكَ الْمَاضِي شَهِيدًا مُعَدَّلا
وَأَعْقَبَهُ يَوْمٌ عَلَيْكَ جَدِيدُ
فَإِنْ كُنْتَ اقْتَرَفْتَ بِالأَمْسِ إِسَاءَةً
فَثَنِّ بِإِحْسَانٍ وَأَنْتَ حَمِيدُ
فَيَوْمُكَ إِنْ أَعْتَبْتَهُ عَادَ نَفْعُهُ عَلَيْكَ
وَمَاضِي الأَمْسِ لَيْسَ يَعُودُ
وَلا تُرْجِ فِعْلَ الْخَيْرِ يَوْمًا إِلَى غَدٍ
لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ

اللهم انفع بنا، واجعلنا سباقين إلى الخير من الذين (يسارعون في الخيرات)، واجعل أعمالنا خالصةً لوجهك الكريم، وتقبلها اللهم قبولاً حسناً يا رب العالمين.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2IMjmHB

الجمعة، 19 أبريل 2019

على نياتكم تُرزَقون

الجمعة 19 إبريل 2019م

خاطرة الجمعة /١٨٣
(على نياتكم تُرزَقون)

كتب لي يقول: سأقص عليك قصةً واقعيةٍ غريبةً كنت أنا شخصياً شاهداً من شهودها؛ أنا مغتربٌ مقيمٌ في إحدى الدول العربية، ولي جارٌ في السكن، كبيرٌ في السن، يعمل في هذه الدولة منذ قرابة أربعين سنة، يعيش مع زوجته التي لم ينجب منها إلا بنتين، أصابه فشلٌ في الكبد فنُصح بإجراء عملية زرع كبدٍ في الصين. لم تكن العملية مضمونة النتائج، ومع تقدمه في السن كان احتمال فشلها أكبر من احتمال أن تنجح، حجز لإجراء العملية، وقبل أن يسافر فكر في مصير أمواله السائلة في البنوك إذا تُوفي أثناء العملية - وكان له ثلاثة ملايين درهمٍ هي كل ما ادخره طوال حياته - فتملكته فكرة حرمان إخوانه الذكور من حقهم في الميراث، حيث لم يكن على وفاقٍ معهم. كاد أن يكتب أمواله باسم زوجته ثم تراجع حيث أن من السهل على إخوانه إثبات أن عملية نقل أمواله إليها كانت صوريةً وتمت أثناء مرض الموت فيحصلون على ميراثهم بحكم محكمة. ماذا يفعل إذن؟ بعد تفكيرٍ طويلٍ خلص إلى أن التصرف الآمن هو أن ينقل أمواله كلها لشخصٍ كبيرٍ في السن موثوقٍ فيه؛ فلما كانت والدته متوفاةً أحضر حماته من بلده، ونقل إليها أمواله كلها المودعة في البنوك فصارت باسمها. ويشاء الله سبحانه وتعالى أن تموت حماته بأزمةٍ قلبيةٍ أثناء إجرائه العملية، وأن تنجح عمليته هو! أراد الرجل أن يستعيد أمواله ففوجئ بأن إخوان زوجته يقولون له لا أموال لك عندنا، هذه أموالٌ ورثناها عن أمنا؛ فضاع عليه كل ما كان ادخره طوال حياته، وعاد إلى نقطة الصفر من حيث كان قد بدأ، لا يملك درهماً، ولا يمكنه العمل في هذا العمر خاصةً مع حالته الصحية التي وصل إليها. يكاد يموت كمداً وهو يشاهد بأم عينيه إخوان زوجته يتمتعون بثروته وأمواله وينعمون بها؛ لقد ورثوه وما زال حياً!
إنها لقصةٌ عجيبةٌ .. سبحان الله .. كانت نيته أن يعاند شرع الله ويحرم إخوانه من ميراثٍ مستحقٍ شرعاً فعاقبه الله بحرمانه من كل أمواله، وبإحساسٍ مستمرٍ لا ينقطع بالحسرة والمرارة والندم! صدق القول المأثور (على نياتكم تُرزَقون).

ذكَّرني هذا الموقف بقصةٍ كنت قد قرأتها منذ فترةٍ، ربما كانت من نسج الخيال، لكن المهم ما فيها من عبرةٍ وعظة. تقول القصة أنه كان هناك ساقٍ يتجول بجرته الطينية في الأسواق يبيع الماء للناس. أحبه الناس لحسن خلقه ونظافته ولطرائفه التي يحكيها لهم. سمع الملك عن هذا الساقي فطلب من وزيره أن يحضره له. ذهب الوزير ليبحث عنه في الأسواق إلى أن وجده وأتى به إلى الملك، قال الملك له: من اليوم لا عمل لك خارج هذا القصر، ستعمل هنا في قصري؛ تسقي ضيوفي وتجلس بجانبي تحكي لي طرائفك. قال الساقي: سمعاً وطاعةً يا مولاي. عاد الساقي إلى زوجته يبشرها بالخبر السعيد. وفي كل يومٍ يلبس أحسن ما عنده ويغسل جرته ويقصد قصر الملك، يدخل الديوان، ويبدأ في توزيع الماء على ضيوف الملك، وحين ينتهي يجلس بجانب الملك يحكي له الحكايات والطرائف المضحكة، وفي نهاية اليوم يقبض ثمن تعبه ويغادر إلى بيته. بقي على هذه الحال مدةً من الزمن، إلى أن جاء يومٌ شعر فيه الوزير بالغيرة من الساقي بسبب المكانة التي احتلها في قلب الملك، وحين كان الساقي في طريقه عائداً إلى بيته تبعه الوزير وقال له إن الملك يشتكي من رائحة فمك الكريهة. تفاجأ الساقي وسأله: وماذا أفعل حتى لا أؤذيه برائحة فمي؟ فقال الوزير: عليك أن تضع لثاماً حول فمك عندما تأتي إلى القصر. قال الساقي: حسناً سأفعل. عندما أشرق صباح اليوم التالي وضع الساقي لثاماً حول فمه وحمل جرته واتجه إلى القصر كعادته. فاستغرب الملك منه ذلك لكنه لم يعلق عليه، واستمر الساقي يلبس اللثام إلى أن جاء يومٌ وسأل الملك وزيره عن سبب وضع الساقي للثام؛ فقال الوزير: أخاف يا سيدي إن أخبرتك أن تقطع رأسي. فقال الملك: لك مني الأمان فقل ما عندك. قال الوزير: لقد اشتكى الساقي من رائحة فمك الكريهة يا سيدي. أرعد الملك وأزبد، وذهب عند زوجته فأخبرها بالخبر، قالت: من سولت له نفسه قول هذا تُقطع رأسه ليكون عبرةً لكل من تسول له نفسه الانتقاص منك. قال لها: ونعم الرأي. في اليوم التالي استدعى الملك الجلاد وقال له: من تراه خارجاً من باب القصر حاملاً باقةً من الورد فاقطع رأسه. حضر الساقي كعادته في الصباح وقام بتوزيع الماء وحين حان وقت عودته إلى بيته أعطاه الملك باقةً من الورد هديةً له، وعندما هَمَّ الساقي بالخروج التقى بالوزير فقال له الوزير: من أعطاك هذه الورود؟ قال الساقي: الملك. فقال له: أعطني إياها؛ أنا أحق بها منك. فأعطاه الساقي الباقة وانصرف. وعندما خرج الوزير حاملاً باقة الورد رآه الجلاد فقطع رأسه. في اليوم التالي حضر الساقي كعادته ملثماً حاملاً جرته وبدأ بتوزيع الماء على الحاضرين، استغرب الملك رؤيته لظنه أنه قد قُطعت رأسه بالأمس، فنادى عليه وسأله: ما حكايتك مع هذا اللثام؟ قال الساقي: لقد أخبرني وزيرك يا سيدي أنك تشتكي من رائحة فمي الكريهة وأمرني بوضع لثامٍ على فمي كي لا تتأذى. سأله مرة أخرى: وباقة الورد التي أعطيتك؟ قال الساقي: أخذها الوزير مني وقال لي أنه أحق بها مني. فابتسم الملك وقال حقاً هو أحق بها منك؛ فحسن النية والضغينة لا تلتقيان.
شتان ما بين النية الصادقة الطيبة للساقي، والنية الخبيثة للوزير، و(على نياتكم تُرزَقون).

أحبتي في الله .. إنها النية، إن صلحت وكانت نقيةً صلح العمل، وإن كانت فاسدةً تنطوي على بُغضٍ أو خُبثٍ أو خديعةٍ أو حسدٍ أو شرٍ انقلبت على صاحبها فبَطُل عمله وخاب مسعاه.
النِّيَّة لغةً هي عزْم القلب على الشيءِ، وعقْد القلب على إيجاد الفعل جزماً.
وفي الشَّرع: هي قصد الطَّاعة، والتَّقرب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل.
يُروى أنَّ رجلاً أتى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ الله، الرَّجل يُقاتِل للمَغْنَم، والرَّجل يُقاتِل ليُذْكَر، والرَّجل يُقاتِل ليُرى مكانه، فمَن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: [مَن قاتل لِتَكونَ كَلمةُ اللَّهِ أَعْلَى فهو في سبيلِ اللَّهِ]. يقول أهل العلم أي أمرٍ فرَّق بين ما لهذا الأخير من ثواب الدُّنيا وحُسن المآل في الآخرة، وبين هؤلاء الذين ليس لهم إلاَّ ما قَصَدوا إلى تحصيله مِن مغانمَ، أو صِيتٍ وشهرةٍ، أو رياء وسُمعة، ممَّا لا ينفعهم في الآخرة؟ إنَّها النيَّة، المقصد، والغرض، والغاية التي حركت كلاً منهم من أجل تحقيقها، وهي الطَّاقةَ الدَّاخليَّة التي دفعت بكلٍ منهم إلى هدفه. إنَّها النيَّة، ذلك الفعل القلبيُّ، الذي لا يراه أحدٌ إلاَّ الله سبحانه وتعالى. إنَّها النيَّة، التي بمقتضاها يكون الجزاء: إمَّا ثوابٌ، وإمَّا عقابٌ. إنَّها النيَّة، التي يغفل عنها بعضنا في تعبُّدِنا وسائر أعمالنا. والنيَّة هي الحدُّ الفاصل بين العمل الخالص لوجه الله تعالى وبين العمل الذي يُقصد به غيرُ الله تعالى.
والعمل بغير نيةٍ ناقصٌ غير مكتملٍ؛ فالنية أول أركان العمل، ولكي يكون العمل مقبولاً ينبغي توفر شرطين: الأول- إخلاص النية لله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى . إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا﴾، وقال تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾، وقال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»]، وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ]. والعبادات لا تصحُّ ولا تُجزئ إلاَّ مقترنةً بالنيَّة، ولا ثوابَ عليها إلاَّ على أساس النيَّة.
أما الثاني- فهو موافقة العمل للشرع الذي أمر الله تعالى ألا يُعبد إلا به، وهو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الشرائع؛ فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: [مَنْ عَمِلَ عَمَلاً ليسَ عليه أمرُنا هذا فهو رَدٌّ].

وعن نية الإنسان قال رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: [... إنَّما الدُّنيا لأرْبعَةِ نَفَرٍ: عبدٍ رَزقَهُ اللَّهُ مالاً وَعِلْمًا، فهو يَتَّقِي فيه رَبَّهُ، وَيَصِلُ فيه رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فيه حَقًّا، فَهذا بِأَفْضلِ المَنازِلِ، وعَبْدٍ رَزقَهُ اللَّهُ عِلْمًا، ولمْ يَرْزُقْهُ مالاً، فهو صادِقُ النيَّة، يقولُ: لو أَنَّ لي مالاً لَعَمِلْتُ بِعَملِ فُلانٍ، فهو بِنِيَّتِهِ، فأَجْرُهما سواءٌ، وعَبْدٍ رَزقَهُ اللَّهُ مالاً ولمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فهو يَخْبِطُ في مالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لا يَتَّقِي فيه رَبَّه، ولا يَصِلُ فيه رَحِمَهُ، ولا يَعْلَمُ لِلَّهِ فيه حَقًّا، فهذا بِأَخْبثِ المنازِلِ، وعَبْدٍ لم يَرْزُقْهُ اللَّهُ مالاً ولا عِلْمًا، فهو يقولُ: لو أَنَّ لي مالاً لَعَمِلْتُ فيه بِعَملِ فُلانٍ، فهو بِنِيَّتِهِ؛ فَوِزْرُهما سواءٌ]. وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: [إِنَّما يُبْعَثُ النَّاسُ على نِيَّاتِهم]. فلا ينبغي أن يفهم أحدٌ من عموم قوله عليه الصلاة والسلام: [إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ] أن المعصية تنقلب طاعةً بالنية، كالذي يغتاب إنساناً مجاراةً لهوى غيره، أو يطعم فقيراً من مالٍ ليس ماله، أو يبني مدرسةً أو مسجداً أو يقيم موائد للإطعام بمالٍ حرامٍ، وقصده الخير، فهذا كله جهلٌ، والنية لا تغير في كونه معصيةً.
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بالمسلمين أن يتعدد الأجر بتعدد النية في العمل الواحد، و(على نياتكم تُرزَقون)؛ يقول العلماء أن المسلم إذا توضأ وصلى ركعتين ينويهما سنة الوضوء، يحصل له أجر سنة الوضوء، وإذا دخل المسجد بعد الوضوء صلى ركعتين ينويهما سنة الوضوء وتحية المسجد، يحصل له أجر سنة الوضوء وأجر تحية المسجد، وإذا توضأ ودخل المسجد ونوى سنة الظهر وسنة الوضوء وتحية المسجد حصل له ذلك كله، والحمد لله.
كما يغفل الكثير منا عن استحضار النية في المباحات لتكون طاعاتٍ وقرباتٍ، كأن نأكل ونشرب وننام بغير نية الاستقواء بذلك على الطاعة؛ قال أحد الصالحين: "أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي"؛ فكان يحتسب الأجر في النوم، كما يحتسبه في قيام الليل، لأنه أراد بالنوم التقوّي على العبادة والطاعة.
والنية محلها القلب؛ يقول العلماء أن الجهر بالنية لا يجب ولا يُستحب، بل الجاهر بالنية مبتدعٌ مخالفٌ للشريعة؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: "الله أكبر" ولم يقل شيئاً قبلها، ولا تلفظ بالنية، ولا قال: أُصَلي صلاة كذا مستقبل القبلة أربع ركعاتٍ إماماً أو مأموماً، ولا قال: أداءً ولا قضاءً. لم ينقل عنه أحدٌ قط بإسنادٍ صحيحٍ ولا ضعيفٍ ولا مسندٍ ولا مرسلٍ لفظةً واحدةً منها، بل ولا عن أحدٍ من أصحابه، ولا استحسنه أحدٌ من التابعين، ولا الأئمة الأربعة.

أحبتي .. النية أمرها عظيم، ومع ذلك فهي سهلة الأداء لا تكلف مالاً ولا تتطلب جهداً ولا تحتاج إلا لقلبٍ ذاكرٍ غير لاهٍ ولا منشغلٍ بسفاسف الأمور. فلنواظب على استحضار النية في قلوبنا لكل عملٍ مباحٍ، حتى ولو لم يكن في ظاهره أنه عبادةٌ، ولنعدد نوايانا على العمل الواحد ما استطعنا تعظيماً للثواب، ولنحسن نوايانا ونجعلها دائماً طيبةً نقيةً خالصةً من أي خبثٍ أو سوءٍ أو شر.

اللهمَّ أَصلحْ نيَّاتِنا، ويسِّر لنا تذكرها عندَ كلِّ عملٍ من أعمالنا، وارزقْنا الإخلاص فيها، والعمل بها على سُنة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2PlgOAG