الجمعة، 25 يناير 2019

رُبَّ أخٍ لك لم تلدهُ أُمك


الجمعة 25 يناير 2019م

خاطرة الجمعة /١٧١
(رُبَّ أخٍ لك لم تلدهُ أُمك)

كتبَ يقول كان الوضع الصحي لجَدِّي حرجاً، ولم يكن له أحدٌ سواي ليعتني به، فاحتجتُ إلى شراء الدواء له، لكن لم يكن معي نقودٌ تكفي لأشتري له الدواء، فاتصلتُ بصديقٍ لي وقلتُ له أنني بحاجةٍ إلى نقودٍ لأشتري الدواء لجدي، فأخبرني أن أعاود الاتصال به في المساء! في المساء عاودتُ الاتصال، لكن لا أحد يجيب، كان هاتفه خارج التغطية! فشعرت بخيبة أملٍ، ثم خرجت إلى الشارع وبدأت أبحث عن أي مصدرٍ للمال لشراء الدواء لجدي، لكني لم أتمكن من ذلك؛ فعدتُ إلى المنزل وأنا محبطٌ لعدم جلب الدواء. دخلتُ إلى المنزل حزيناً فإذا بي أفاجأ بأن الدواء في يدي أمي! سألتها: "كيف أحضرتِ الدواء؟!"، قالت لي: "جاء صديقك سأل عنك، ولما أخبرته بأنك غير موجود؛ سألني عن وصفة الطبيب التي بها اسم الدواء الخاص بجدك؛ فأعطيتها له، فذهب وجلبه". اتصلتُ بصديقي مجدداً لأشكره؛ فإذا هاتفه ما يزال خارج نطاق التغطية. فذهبتُ إليه إلى المقهى التي نجتمع فيها دائماً، وجدتُه جالساً في مكانه المعتاد، جلستُ معه وسألتُه: "لماذا هاتفك خارج التغطية؟!"، فأجابني بأنه باع هاتفه لكي يجلب لي النقود. هنا بكيتُ وأحسستُ بأن الله سبحانه وتعالى قد رزقني بأغلى صديق.

وفي قصةٍ أخرى؛ حدث ذات مرةٍ أثناء وجود المعلم بالفصل، وطرحه لبعض الأسئلة على الطلاب أن وقع أحمد الطالب في الصف الخامس الابتدائي، في موقفٍ محرجٍ، فقد كان لا يستطيع التحكم في مثانته في بعض الأحوال؛ لذا تبلل سرواله وشعر بالخجل الشديد. وأخذ يتخيل كيف سيفكر فيه زملاؤه إن رأوه على هذه الحال، لا شك أنه سيكون موضوع سخريتهم، وسيتحدث عنه الجميع وينظرون له بامتعاضٍ شديدٍ. كان خياله يمضي به بعيداً، وتخيل كل الأشياء السيئة التي من الممكن أن تحدث. أثناء ذلك لاحظ المعلم نوعاً من عدم الارتياح يبدو على ملامح أحمد، فظل يراقبه ليتبين ما به من المتاعب، فزاد ارتباك أحمد عندما لاحظ ذلك، وحاول أن يتصرف بشكل طبيعي، ولأنه كان مضطرباً شعر بضربات قلبه تتزايد بشدةٍ، وأحس أن قلبه سيتوقف من شدة قلقه. نظرات المعلم لأحمد جعلت صديقه محمود يتنبه له، ولقرب مقعده منه استطاع رؤية سرواله المبلل. فطلب محمود من المعلم السماح له بالشرب فوافق، وحينما جلب محمود زجاجة الماء توجه إلى مقعده، وأثناء مروره بمقعد أحمد تعمد إسقاط الزجاجة عليه، فانسكب الماء منها على ملابسه. صُدم الجميع وهُرع المعلم لمساعدة أحمد، وأحضر محمود منشفةً من غرفة المعلمين، كما قام زملاء أحمد بتنظيف مقعده، وذهب واحدٌ منهم لإحضار ملابس رياضيةٍ من صالة الألعاب ليلبسها ريثما تجف ملابسه. وبدلاً من أن يسخر الجميع من أحمد أصبحوا متعاطفين معه، وعلى الرغم من أن المعلم وَبَّخ محمود على إهماله وعاقبه لإسقاطه زجاجة الماء على أحمد، إلا إن محمود لم يحزن فقد فعل هذا عن عمدٍ، حتى ينقذ صديقه من الوقوع في الحرج. وبطبيعة الحال صار أحمد مرتاحاً بعد كل ما حدث، ونظر إلى محمود، الذي وقف معاقبَاً في زاوية الفصل نظرة امتنانٍ، وبعد أن حان وقت انتهاء الدوام المدرسي، اقترب منه وشكره من كل قلبه، واعتذر له عن توبيخ المعلم له، لكن محمود ابتسم في هدوءٍ وقال له: "لا داعي للشكر بين الأصدقاء؛ لقد فعلتُ ما يحتمه عليّ واجب الصداقة".

أحبتي في الله .. صدق المثل الذي يقول (رُبَّ أخٍ لك لم تلدهُ أُمك)، وهو مثلٌ يُضرب للشهامة ووقوف الصديق بجانب صديقه في وقت الشدة، كنايةً عن قربهما من بعضٍ بحيث يصيرا كالأخوين رغم أنه لم تلدهما نفس الأم. إنها الصداقة الحقة والحب في الله الذي جعل أحدهم يقول: "إني لأضع اللقمة في فم صديقي فأجد طعمها في حلقي!".
يقول أهل العلم إن الصداقة هي الصحبة عن محبةٍ، وهي مأخوذةٌ من الصدق؛ لأن الصديق يصُدق صديقه. وقد حث الشرع على مصادقة الأخيار والبعد عن مصادقة الأشرار؛ يقول اللّه سبحانه وتعالى لرسوله الكريم: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، وتتضمن الآية الكريمة الأمر بمصاحبة الذين يخلصون للّه ويعبدونه ويبتهلون إليه ويخلصون له؛ لأنَّ هؤلاء هم الذين يزيدون إيمانك وهم الذين يحفظون لك ودّك ويفون لك الوعد والعهد.

يقول المفسرون أن منزلة الصديق عظيمةٌ حتى إنّ أهل النار يستغيثون بأصدقائهم قبل أقربائهم، ويتطلّعون إلى من كانوا يصادقون من أمثالهم فلا يرون أحداً، فيتساءلون: أين هو الصديق الحميم؟ أخبرنا اللّه سبحانه وتعالى أنهم يقولون: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ . وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾، لكنهم يعرفون أن صداقة غير المؤمنين صداقةٌ لا ترتكز على أساسٍ، فما لم تكن الصداقة على الطاعة وتقوى الله فإنها تنقلب يوم القيامة إلى عداوةٍ؛ قال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾. إن صديق السوء يتبرأ من صاحبه يوم القيامة؛ قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾، يخبر الله سبحانه وتعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول وما جاء به من عند الله من الحق المبين، واتخذ خليلاً، وهو الصديق المقرب، أضله عن ذكر الله وسلك به طريقاً أخرى غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم، وعضَّ على يديه حسرةً وأسفاً.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ]، ومعناه: فلينظر المرء بعين بصيرته إلى أمور مَن يريد صداقته وأحواله، فمن رضي دينه صادَقه، وليحذر ممن هو ضعيف الدين قليل الإيمان. وقال صلى الله عليه وسلم: [لا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ]؛ حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من صحبة من ليس بتقيٍ، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته؛ لأن المطاعمة تُوقِع الأُلفة والمودة في القلوب. وقال صلى الله عليه وسلم: [إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ]، حثاً لنا على اختيار الصديق الصالح؛ فالصديق الصالح له أثرٌ طيبٌ على صاحبه، والصديق السوء له أثرٌ سيئٌ على صاحبه، وفي هذا الحديث فضيلة مجالسة الصالحين، وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق، والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يكثُرُ فجره وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. وقال صلى الله عليه وسلم: [خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ]؛ أي أكثر الأصحاب ثواباً عند الله أكثرهم إحساناً إلى صاحبه، ولو بالنصيحة. وقال صلى الله عليه وسلم: [إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ إِيَّاهُ]؛ فالإخبار بحب الصديق لصاحبه يوجب زيادة الحب بينهما، والتَحَابُ بين المؤمنين مطلوبٌ في الشرع، ومحبوبٌ في الدين.
ومن الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الصديق حتى يكون صديقاً صالحاً: التقوى، حُسن الخُلق، السمعة الطيبة، الوفاء، الأمانة، الصدق، الشهامة، الإخلاص، ورجاحة العقل.
قال بعض الحكماء: اصطفِ من الإخوان ذا الدِّين والحسب، والرأي والأدب؛ فإنه رِدْءٌ لك عند حاجتك، ويدٌ عند نائبتك، وأُنْسٌ عند وحشتك، وزَيْنٌ عند عافيتك. وقيل: اصحب أهل التقوى؛ فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤنةً، وأكثرهم لك معونةً. وقيل: صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر. وسُئل حكيمٌ بم يعرف الرجل أصدقاءه؟ قال: بالشدائد؛ لأن كل أحدٍ في الرخاء صديقٌ.
وقال الشاعر:
عن المرءِ لا تسأَلْ، وسَلْ عن قَرِينهِ
فكلُّ قَرينٍ بالمُقَارَنِ يَقتدي
إذا كنتَ في قومٍ فصاحِبْ خيارَهم
ولا تصحَبِ الأرْدَى؛ فتردَى مع الرَّدِي

أحبتي .. ليَحْذَر كلٌ منا، ونُحذِّر أبناءنا وأحبابنا، من مصاحبة الإنسان الفاسق، المصر على المعاصي؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾، وعلينا أن نختار أصدقاءنا وفق التوجيه الرباني: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾؛ فليس أنفع لنا من صديقٍ صدوقٍ يعيننا على طاعة الله ومرضاته، يُقَوِّمنا بلطفٍ إذا أخطأنا، ويعلمنا بتواضعٍ إذا جهلنا، ويكون لنا خير الناصحين؛ ذلك هو الذي نقول عنه بحقٍ: (رُبَّ أخٍ لك لم تلدهُ أُمك).

اللهم اجعلنا من الأصدقاء المتقين المخلصين، وأصلح لنا أصدقاءنا ليكونوا من المؤمنين الصادقين، واجمع بيننا على الخير في الدنيا والآخرة.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.


https://goo.gl/TMnKde

الجمعة، 18 يناير 2019

إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً


الجمعة ١٨ يناير ٢٠١٩م

خاطرة الجمعة /١٧٠
(إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً)

رجلان حجا بيت الله الحرام، وأثناء العودة إلى ديارهما جلسا في صالة الانتظار بمطار جدة الدولي، فتحدث أحدهما إلى الآخر فقال: "أنا أعمل مقاولاً، وقد أنعم الله عليّ بالحج هذا العام للمرة العاشرة"، فأومأ الآخر برأسه، وكان اسمه سعيد، وقال: "حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً"؛ فابتسم الرجل وقال: "أجمعين. وأنتَ هل حججتَ قبل ذلك؟"، أجاب سعيد بعد تردد: "والله يا أخي إن لحجتي هذه قصةٌ طويلةٌ، ولا أريد أن أزعجك بتفاصيلها"، ضحك الرجل وقال: "بالله عليك أخبرني، فكما ترى نحن لا نفعل شيئاً سوى الانتظار"، ابتسم سعيد وقال: "نعم الانتظار هو ما تبدأ به قصتي؛ فقد انتظرت سنين طويلة حتى حججت؛ فبعد ثلاثين عاماً من العمل معالجاً فيزيائياً في مشفىً خاصٍ استطعت أن أجمع كلفة الحج. وفي اليوم الذي ذهبت فيه لأحجز لنفسي مكاناً في أحد أفواج الحجاج، صادفت إحدى الأمهات التي أعالج ابنها المشلول وقد كسا وجهها الهم والغم وقالت لي: "أستودعك الله يا أخ سعيد فلن ترانا في المشفى بعد اليوم". استغربت كلامها؛ وسألتها إن كانت غير راضيةٍ عن علاجي لابنها وتفكر في نقله لمكانٍ آخر، فقالت لي: "لا يا أخ سعيد، يشهد الله أنك كنت لابني أحَّن من الأب، وقد ساعده علاجك كثيراً بعد أن كنا قد فقدنا الأمل"، ومشت حزينة. استغرب الرجل وقاطع سعيد قائلاً: "إذا كانت راضيةً عن أدائك، وابنها يتحسن فلِمَ تَرَكَتْ العلاج؟"، أجابه سعيد: "هذا ما فكرتُ به وشغل بالي؛ فذهبت إلى إدارة المشفى وسألت؛ فتبين لي أن والد الصبي فَقَدَ وظيفته ولم يعد يستطيع تحمل نفقة العلاج". أبدى الرجل حزنه وقال: "لا حول ولا قوة إلا بالله، مسكينةٌ هذه المرأة. وكيف تصرفتَ؟"، أجاب سعيد: "ذهبتُ إلى المدير ورجوته أن نستمر في علاج الصبي على نفقة المشفى، ولكنه رفض رفضاً قاطعاً، وقال لي: هذه مؤسسةٌ خاصةٌ وليست جمعيةً خيريةً. خرجتُ من عند المدير حزيناً مكسور الخاطر على المرأة، وفجأةً وضعت يدي على جيبي الذي فيه نقود الحج فتسمرتُ في مكاني لحظةً، ثم رفعتُ رأسي إلى السماء وخاطبت ربي قائلاً: اللهم أنت تعلم بمكنون نفسي، وتعلم أنه لا شيء أحب إلى قلبي من حج بيتك، وزيارة مسجد نبيك، وقد سعيتُ لذلك طوال عمري ولكني آثرتُ هذه المسكينة وابنها على نفسي فلا تحرمني فضلك. وذهبتُ إلى المحاسب ودفعتُ كل ما معي له عن أجر علاج الصبي لستة أشهرٍ مقدماً، وتوسلت إليه أن يقول للمرأة بأن المشفى لديها ميزانيةٌ خاصةٌ للحالات المشابهة". تأثر الرجل ودمعت عيناه وقال: "بارك الله فيك، وفي أمثالك". ثم قال: "إذا كنتَ قد تبرعتَ بمالك كله فكيف حججت إذن؟"، فأجاب سعيد: "رجعتُ يومها إلى بيتي حزيناً لضياع فرصة عمري في الحج، ولكن الفرح ملأ قلبي لأني فرجتُ كربة المرأة وابنها، فنمتُ ليلتها ودمعتي على خدي؛ فرأيت في المنام أنني أطوف حول الكعبة، والناس يسلمون عليّ ويقولون لي: "حجاً مبروراً يا حاج سعيد فقد حججتَ في السماء قبل أن تحج على الأرض، دعواتك لنا يا حاج سعيد". فاستيقظتُ من النوم وأنا أشعر بسعادةٍ غامرة، فحمدتُ الله على كل شيءٍ ورضيت بأمره. وما إن نهضتُ من النوم حتى دق جرس الهاتف، وإذا به مدير المستشفى الذي قال لي: "أنجدني؛ فصاحب المشفى يريد الذهاب إلى الحج هذا العام وهو لا يذهب دون معالجه الخاص، لكن زوجة معالجه في أيام حملها الأخيرة ولا يستطيع تركها، فهلا أسديتني خدمة ورافقته في حجه؟"، وافقتُ على الفور، وسجدتُ لله شكراً. وكما ترى فقد رزقني الله حج بيته دون أن أدفع شيئاً، والحمد لله، وفوق ذلك فقد أصر الرجل على إعطائي مكافأةً مجزيةً لرضاه عن خدمتي له، وحكيتُ له عن قصة المرأة المسكينة فأمر بأن يُعالَج ابنها في المستشفى على نفقته الخاصة، وأن يكون في المشفى صندوقٌ خاصٌ لعلاج الفقراء، وفوق ذلك فقد عَيَّنَ زوجها بوظيفةٍ في إحدى شركاته. كما أنه أعاد إليّ مالي الذي دفعته. أرأيت فضلاً أعظم من ذلك؟ إنه فضل ربي". نهض الرجل وقبل سعيد على جبينه قائلاً: "واللهِ لم أشعر في حياتي بالخجل مثلما أشعر الآن؛ فقد كنتُ أحج المرة تلو الأخرى وأحسب نفسي قد أنجزتُ شيئاً عظيماً، وأن مكانتي عند الله ترتفع بعد كل حجةٍ، ولكني أدركتُ الآن أن حجك بألف حجةٍ من أمثالي؛ فقد ذهبتُ أنا إلى بيت الله، أما أنت فقد دعاك الله إلى بيته".
هذه قصةٌ منشورةٌ على مواقع التواصل الاجتماعي تبين لنا (إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً).

أحبتي في الله .. كنت أحدث أحد أصدقائي بهذه القصة فوجدته يقول: صحيح (إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً) صدق الله العظيم؛ فتعجبت وقلت له: "إنها ليست آيةً من آيات القرآن الكريم كما تعتقد، والقرآن الكريم كلام الله لا يجوز زيادة أو انتقاص كلمةٍ من كلماته أو حرفٍ من حروفه، ولا حتى تغيير تشكيلها".
ومع ذلك فإن معنى العبارة صحيحٌ؛ ففي القرآن الكريم آيتان مشابهتان في المعنى مع اختلافٍ في الألفاظ؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾.
يقول المفسرون للآية الكريمة: الأولى أن الله يتقبل عن المحسنين أحسن الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم، بأحسن ما كانوا يعملون، وفي هذا ترغيبٌ عظيمٌ وتشويقٌ للنفس الضعيفة إلى ثواب الله، كلما فترت. وإن الله لا يضيع ثوابَ عمل من أحسن فأطاع الله واتبع أمره، فيذهب به، بل يوَفّره أحوجَ ما يكون إليه. وسُمّي الثواب أجراً لوقوعه جزاءً على الأعمال وموعوداً به فأشبه الأجر.
وقال المفسرون للآية الثانية: إنا لا نضيع ثواب من أحسن عملاً فأطاع الله، واتبع أمره ونهيه، بل نجازيه بطاعته وعمله الحسن جنات عدن تجري من تحتها الأنهار. والمراد بإحسان العمل هو أن يريد العبد بعمله وجه الله مخلصاً له وحده، لا يريد به رياءً ولا سمعةً، وأن يكون فيه متّبعاً لشرع الله موافقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذان هما شرطا حُسن العمل؛ فالعبرة هي بحُسن العمل وليست بكثرته. وهذا العمل الحسن لن يضيعه الله تعالى بل سيحفظه للعاملين وسوف يوفيهم أجورهم بحسب أعمالهم وبفضله سبحانه وكرمه وإحسانه.

ومما ورد في السُنة المشرفة قصة رجلٍ مسلمٍ يحب الخير لإخوانه، ويرجو لهم السلامة، مرّ بغصن شجرةٍ على ظهر طريقٍ، أشواكُه تؤذي المسلمين، فعمد إلى الغصن فقطعه، وحمله بعيداً عن ِ طريق ِالمسلمين؛ فاستحق بذلك رحمة الله تعالى، ورضوانه وجنّةَ الخلد ونعيمها. أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: [لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجنةِ في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانتْ تُؤْذِي المسلمينَ]. وفي روايةٍ: [مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فقالَ: واللهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ المسلمينَ لَا يُؤْذِيهِمْ، فَأُدْخِلَ الجَنَّةَ]. وفي روايةٍ: [بينما رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللهُ لهُ، فَغَفَرَ لهُ].
ومما ورد كذلك قصة رجلٍ آخر كان يمشي في طريقٍ، شعر بالعطش الشديد، بحث حوله فرأى بئراً؛ فنزل فيه وشرب وارتوى. لم يبتعد الرجل عن البئر كثيراً حين رأى كلباً يلهث، يأكل تراب الأرض من العطش، قال الرجل في نفسه: "بلغ العطشُ بالكلب مثل الذي كان بلغ بي"؛ فأخذته الرأفة بالكلب وقرر أن يسقيه، فخلع خفه ونزل إلى البئر فملأ الخف ماءً وحمله بفمه وصعد، فسقى الكلب. ولم يكن الله سبحانه وتعالى غافلاً عما فعله الرجل، فأكرمه غاية الإكرام، ورحمه واسع الرحمة، فشكر له صنيعه وغفر له؛ وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: [بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ] قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا فَقَالَ: [نَعَمْ، فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ].

أحبتي .. مِلاك ذلك كله الآية الكريمة: ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ﴾ فهذا وعدٌ من الله سبحانه وتعالى لكل مؤمنٍ يعمل صالحاً: حياةٌ طيبةٌ في الدنيا، وحُسن الجزاء في الآخرة، فصدق الله العظيم، ثم صدق من قال: "لا تعبدوا الله ليعطي، بل اعبدوه ليرضى؛ فإن رضيَ أدهشكم بعطائه".

اللهم إنا نسألك أن تهدينا لصالح الأعمال، لا يهدينا لها إلا أنت سبحانك. ونسألك اللهم الجنة وما قرّب إليها من قولٍ وعملٍ، ونعوذ بك من النار وما قرّب منها من قولٍ وعملٍ.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

https://goo.gl/H4M42d

الجمعة، 11 يناير 2019

ألا بذِكر الله تطمئن القلوب


الجمعة 11 يناير2019م

خاطرة الجمعة /١٦٩
(ألا بذِكر الله تطمئن القلوب)

كتب أحد المسلمين الجدد في مذكراته أنه من بين أسباب تفكيره في الإسلام أيام شبابه أنه كان في عام 1978م يعمل طبيب امتياز في قسم التجميل والحروق بالمستشفى الرئيسي الجامعي بالإسكندرية، وأنه كان وقتئذٍ من الشمامسة الكبار وأستاذاً للغة القبطية وأستاذاً في مدارس الأحد في كنيسة العذراء مريم في محرم بك بالإسكندرية. يقول الكاتب: ذات يومٍ كنت في عنبر الحروق للرجال وحدث حريقٌ في مطبخ مطعم سانتا لوتشيا في محطة الرمل، وجاءت سيارات الإسعاف بالمصابين إلينا، وكان مريضي هو أشدهم إصابةً؛ فقد كان هو الطباخ، كانت نسبة الحروق في جسده مائة بالمائة، وكان يصرخ صراخاً فظيعاً من شدة الألم، وكنا نعرف بحكم الخبرة أنه سيموت خلال 24 ساعة. ولكني بدأت معه الإسعافات الطبية كالعادة وأعطيته مسكناً للألم حتى أتمكن من تطهير الحروق في جسده. فلما هدأ وبدأت الإسعافات وأولها تركيب قسطرة للبول، قال لي بهدوءٍ شديدٍ جعل شعر رأسي يقف: "يا دكتور انتظر .. وفر جهودك وأدويتك لزملائي"، فتعجبت جداً، أضاف: "أنا رجلٌ مسلمٌ مؤمنٌ وموحدٌ بالله، وكنت ممرضاً في الجيش ودخلت الحرب وتعلمت إسعاف الحروق وأعلم أنني سأموت حتماً خلال ساعاتٍ قليلةٍ فلا تتعب نفسك وتضيع الأدوية هباءً، تكفيني الحقنة المسكنة كلما شعرت بالألم واتركني أموت في سلامٍ فأنا لا أخاف من الموت وأتمنى لقاء الله وأنا أتلو القرآن". كاد شعر رأسي يشيب في تلك اللحظة. أشاح بوجهه عني وأخذ يرتل القرآن في هدوءٍ وكلما رتل ازداد هدوءاً. وفي صباح اليوم التالي لم أجده، سألت عنه الممرضات، فقالت لي إحداهن أنه ظل يرتل القرآن حتى خرجت روحه بهدوء، ولم يطلب إلا شربة ماءٍ وحقنةً مسكنةً واحدةً فقط. ظلت صورته في مخيلتي، وما زالت إلى اليوم، كلما تذكرته أراه شاباً قوي البنيان وجسده كله محترق. ودمعت عيناي يومئذٍ وما زالتا. وأخذت أسأل نفسي: "كيف لا يخاف من الموت؟ هل بسبب الإسلام؟ أم بسبب القرآن؟ أم كلاهما معاً؟ ما هذا اليقين؟ ما هذه الطمأنينة؟ ما هذا السلام مع الله وحب لقائه؟ ما هذا الدين؟ وما سر هذا الكتاب الذي يرتل كلماته فيزداد سكينة؟". ولم أنس هذا الرجل حتى أسلمت بعد حوالي خمسة عشر عاماً، سنة 1993م، وفهمت ما قاله بعد إسلامي بسنين، لما تثبّت إيماني وتعلمت القرآن وتفسيره. وكلما تذكرته أقول: "اللهم ارحمه، واغفر له وسامحه، واجعل قبره روضةً من رياض الجنة، واجعل كلامه معي في ميزان حسناته إلى يوم ألقاك". ولا أملُّ من قولي: "الحمد لله على نعمة الإسلام، الحمد لله على نعمة التوحيد، الحمد لله على نعمة القرآن، الحمد لله على نعمة الإيمان واليقين".
قرأت هذه القصة الحقيقية فتذكرت على الفور الآية الكريمة: (ألا بذِكر الله تطمئن القلوب).

ولأن الشيء بالشيء يُذكر؛ فإن قصةً أخرى تُروى عن رجلٍ غنيٍ وتقيٍ سافر لبريطانيا لعمل فحوصاتٍ طبيةٍ بسبب مرضٍ أصابه؛ وعندما قابله الطبيب المختص بادره قائلاً: "أظن من طريقة لباسك أنك عربيٌ مسلمٌ"، فقال الرجل: "نعم". قال الطبيب أريد أن أستفسر منك عن أمر". وبدأ الكلام قائلاً: "أنا كما تعلم طبيبٌ بريطانيٌ شهيرٌ، ومهنتي تجعلني في مستوىً اجتماعيٍ راقٍ ومستوىً ماديٍ ممتاز، وقد جربت كل أنواع الملذات التي تخطر ولا تخطر ببالك، وسافرت لأجمل الأماكن، وجربت كل المتع، ولكني رغم ذلك لستُ سعيداً حتى أنني فكرت بالانتحار وذهبت لأشهر الأطباء النفسيين دون جدوى، وأنت غنيٌ مثلي فهل لديك شعوري؟!". يقول الرجل: "تفاجأت بكلامه، ولكن الله ألهمني فدار بيننا الحديث التالي:
الرجل: أنت إن أردت أن تمتع سمعك، ماذا تفعل؟ استغرب الطبيب وأجاب: اسمع الموسيقا. الرجل: وإن أردت أن تمتع أنفك، ماذا تفعل؟ أجاب الطبيب: أشم العطور والورود. الرجل: وإن أردت أن تمتع بصرك، ماذا تفعل؟ أجاب: انظر لحديقةٍ غناء أو امرأةٍ جميلة. فرد الرجل: لماذا لا تمتع سمعك برائحة الورود؟، فضحك الطبيب وأجاب كيف؟ لا يمكن. فأتبع الرجل: لماذا لا تمتع بصرك بالموسيقا؟ فأجاب الطبيب: لا يمكن؛ لكل جارحةٍ من الجوارح التي ذكرتها متعتها! فسأل الرجل: الضيق الذي تشكوه هل هو بعينيك أو انفك أو أذنيك؟ فرد الطبيب: هو ضيقٌ بصدري وقلبي. فسأل الرجل: كيف تمتع قلبك؟
فاحتار الطبيب وسكت. هنا قال الرجل: كما أن لكل جارحةٍ متعتها، فإن القلب متعته بالقرب من خالقه؛ هذا هو سر ذهاب شعور الضيق وسبب انشراح الصدر.
صدق من قال: (ألا بذِكر الله تطمئن القلوب).

أحبتي في الله .. يحثنا ديننا الحنيف على ذِكر الله كثيراً لتزكو نفوسنا وتتطهر قلوبنا. وبالذِكر نستمد من الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق؛ لأجل هذا جاء في محكم التنزيل والسنة النبوية المشرفة ما يدعو إلى الإكثار من ذِكر الله عزَّ وجلَّ في كل وقتٍ وعلى كل حال؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾، وقال سبحانه: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾، وقال جلَّ شأنه: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾. وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ﴾.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ].
وقال عليه الصلاة والسلام: [أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ، ذِكْرُ اللَّهِ].
وقال صلوات الله وسلامه عليه: [مَنْ قَالَ: سُبْحانَ اللَّهِ وبحَمدِهِ، غُرِستْ لهُ نَخْلَةٌ في الجَنَّةِ].
وقال صلى الله عليه وسلم: [سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ]، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: [الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ].
وقال عليه الصلاة والسلام: [مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ].
وجاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ قال: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَليّ؛ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: [لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ].
يقول أهل العلم إن ذِكر الله عزّ وجلّ عبادةٌ تملأ قلب الإنسان بالطمأنينة، وتؤثّر على حياته بغرس السكينة فيها، ويدلّ على ذلك قول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾. قال المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة: "إذا سمع المؤمنون ذكر الله سبحانه أحبّوه، واستأنست قلوبهم بذكره، والمراد بالقلوب الواردة في الآية قلوب المؤمنين"، وقالوا: "إنّ معنى الاطمئنان الوارد في الآية؛ هو السكون"، وقالوا: "إنّ ذلك يكون بالقرآن، والسكون يكون بحصول اليقين في قلب الإنسان، أمّا الاضطراب فيكون في حصول الشكّ، فيكون معنى الآية بذلك؛ أنّ قلوب المؤمنين تسكن بذكر الله، ويستقرّ فيها اليقين"، ولذلك قيل: "إنّ في الدنيا جنةٌ، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"، والمراد بذلك جنة ذِكر الله سبحانه وتعالى. إن استئناس الإنسان بذِكر الله سبحانه، يتبعه سكون قلبه، وراحته، واستشعاره لعظمة ربّه جلّ وعلا، ورحمته، وحكمته، وقوته، وقهره، وكذلك سننه التي يُجريها في هذا الكون، ممّا يُطمئن قلبه لكلّ ما يجري حوله من تقلّبات الحياة، واضطرابها، فيكون مستبشراً متفائلاً حتى حين يقلق ويرتاب الناس من حوله، كما أنّه يصبر على البلاء الذي قد يصيبه في حياته، لأنّه يرجو بذلك مثوبة الله سبحانه.
ولذِكر الله سبحانه فوائدٌ وثمراتٌ كبيرةٌ؛ فهو يعدّ قوتاً للقلب، وغذاءً للروح، وشفاءً للأسقام، وإزالةً للهموم. إنه سببٌ لحصول النور في قلب الإنسان، ووجهه، وفي انفتاح أبواب المعرفة أمامه، وفي قُربه من الله تعالى. يلين قلب الإنسان، ويزيد في رزقه، وينزل عليه نصر الله تعالى، ومعونته. ذِكر الله تعالى يعدّ عوناً للإنسان على طاعته، فهو يدفع الإنسان إلى القيام بالطاعات، ويصرفه عن المعاصي، والذنوب. وهو سببٌ في تنزّل الرحمة والسكينة على الذاكرين، وسببٌ في حفوفهم بالملائكة. فالذكر حياة القلب، وسبيل لانشراح الصدر، به تُجلى الكروب، وتزول الهموم، وتُطرد الشياطين، وعلى الضد من ذلك، التارك للذكر يتمكن منه الشيطان ويتخذه قريناً؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾، كما أنه يلقى عقوبة الدنيا في ضيق العيش، وتكون عقوبته في الآخرة أشد خزياً؛ قال سبحانه: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.

أحبتي .. ذِكر الله سبحانه وتعالى عبادةٌ يسيرة الأداء عظيمة الأجر والثواب؛ لا تكلف مالاً، ولا تتطلب جهداً، ولا يُشترط لأدائها طهارةٌ ولا استقبال قبلةٍ، ومع ذلك يغفل عنها كثيرٌ من الناس فلا تكونوا منهم؛ اذكروا الله في كل وقتٍ وحين؛ عند قيادة السيارة، أو ركوب وسيلةٍ من وسائل النقل العام، وفي الطائرة وفي الباخرة، وعند انتظار دورٍ في عيادة طبيب أو مشفى، عند المشي إلى المسجد أو إلى السوق أو جهة العمل، قبل النوم، وبعد الاستيقاظ .. اذكروا الله دائماً وفي كل حال.
يقول أحد العارفين: "الإكثار من ذكر الله براءةٌ من النفاق، وفكاكٌ من أسر الهوى، وجسرٌ يصل به العبد إلى مرضاة ربه وما أعده الله له من النعيم المقيم".
اللهم لا تجعلنا من الغافلين، واجعلنا بإحسانك وفضلك من الذاكرين لك كثيراً، واجعل قلوبنا مطمئنةً بذكرك؛ (ألا بذِكر الله تطمئن القلوب).

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.
https://goo.gl/ggg5LE

الجمعة، 4 يناير 2019

كما تَدين تُدان/2


الجمعة 4 يناير 2019م

خاطرة الجمعة /١٦٨
(كما تَدين تُدان)

كان هناك عجوزٌ يعيش مع ابنه وزوجة ابنه وحفيده، وعندما أصبح العجوز متقدماً بالسن، لم يعد يقوى على الأكل بشكلٍ طبيعي، حيث أصبحت يداه ترتجفان، ونظره الضعيف يؤدي إلى إسقاط الطعام من يده أحياناً. وذات يومٍ سقط طبق الطعام من يدي العجوز وانكسر؛ عندها غضبت زوجة ابنه من ذلك وطلبت من زوجها أن يجد حلاً لهذا الموضوع، فكر الزوج في الأمر وخطر له أن يصنع لوالده طبقاً من الخشب، وتجنباً لسكب الطعام على المائدة، تم إجبار العجوز على تناول طعامه وحيداً بعيداً عن العائلة. كلما وُضع الأكل للعجوز ووجد نفسه وحيداً كانت الدموع تسيل على وجنتيه، حيث كان يشعر أنه منبوذٌ في أيامه الأخيرة؛ حيث يُجبَر على الأكل وحيداً بينما يستمتع باقي أفراد الأسرة بتناول الطعام على المائدة، وكان حفيده ينظر إليه وسط صمتٍ مهيب، في الوقت الذي لم يعد ابنه وزوجة ابنه يطيقانه. بعد مرور عدة أشهرٍ على هذا الحال، تُوفي الرجل العجوز وأقيمت مراسم التشييع والدفن، وبعد الانتهاء من تلك المراسم أراد الابن وزوجته التخلص من الأغراض المتعلقة بالعجوز بإعطائها للفقراء أو إتلافها، فجأةً ركض حفيد العجوز وأخذ الطبق الخشبي، فسأله أبوه: "لماذا أخذتَ هذا الطبق؟ وماذا تريد أن تصنع به؟!"، عندها أجابه الطفل الصغير: "أريد أن أحتفظ به كي أطعمك أنت وأمي به عندما تكبران مثل جدي!".

وهذا رجلٌ فقيرٌ تقوم زوجته بصنع الزبدة ويقوم هو ببيعها في المدينة لأحد البقالات. كانت الزوجة تعمل الزبدة على شكل كرةٍ وزنها كيلو جرام، وهو يبيعها لصاحب البقالة ويشتري بثمنها حاجيات المنزل. في أحد الأيام شك صاحب البقالة في الوزن، فقام بوزن كرات الزبدة فوجد وزن كل واحدةٍ منها تسعمائة جرامٍ فقط؛ فغضب وعندما حضر الفقير في اليوم التالي قابله متجهماً وقال له: "لن أشتري منك يا غشاش؛ تبيعني كرة الزبدة على أنها كيلو جرام، وهي أقل من الكيلو بمائة جرام"، حزن الفقير ونكس رأسه ثم قال: "نحن يا سيدي لا نملك ميزاناً ولكني اشتريت منك كيلو من السكر وجعلته مثقالاً لنا نزن به الزبدة".

أحبتي في الله .. تيقنوا تماماً أن مكيالكم يُكال لكَم به. قال أهل العلم أنه وَرَدَ في الأثر "وقيل أنه حديثٌ شريف": [البِرُّ لا يَبْلَى، وَالِإثْمُ لَا يُنْسَى، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ، فَكُن كَمَا شِئتَ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ]، والبِرُّ: حُسْنُ الْخُلُق؛ فمن يعمل الخير فإن أجره يبقى محفوظاً عند الله ولا يضيع. أما الإثم الذي لا يُنسى فهو الخصال الشريرة وغير الحميدة التي تدفع الإنسان إلى القيام بالمعاصي، وهو كالبرّ لا يُنسى، إذ إنّ الله سبحانه وتعالى سيجازي الآثم، إمّا في الدنيا أو الآخرة. والديان لا يموت ولا ينام؛ فهو سبحانه لا يغفل عن أي دَيْنٍ لعباده، فهو الحق، العادل، الكريم، المعطاء، الجبار. فكن كما شئت؛ أي اختر بنفسك لنفسك الطريق، سواءً كانت خيراً أو شراً، فالله تعالى أعطى الإنسان العقل ووهبه الحرية، ولم يجبره على فعل أي شيء. و(كما تَدين تُدان) هي النتيجة النهائية؛ فأعمالك ستُرَد عليك، إذ أن الجزاء من جنس العمل، وهذا دليلٌ على عدل الله سبحانه وتعالى ورحمته.

(كما تَدين تُدان)، أو الجزاء من جنس العمل، حكمةٌ بليغةٌ تناقلها الناس قديماً، وجاءت الشواهد من الكتاب والسنة دالةً على صدقها؛ فقد عاقب الله تعالى المنافقين بجنس ما أذنبوا وارتكبوا، فقال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ فعاقبهم على استهزائهم بدين الله عقاباً من جنس عملهم، فقال سبحانه: ﴿اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ فقوله: ﴿سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ﴾ من باب المقابلة على سوء صنيعهم وسخريتهم من المؤمنين؛ لأن الجزاء من جنس العمل. وكذلك الحدود التي شرعها الله تعالى، كان الجزاء فيها من جنس العمل؛ يقول تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ أي مجازاةً على صنيعهما السيء في أخذهما أموال الناس بأيديهم، فناسب ذلك أن يُقطع ما استعانا به في السرقة.
ومما وعد الله به عباده المؤمنين قوله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾، لأن الجزاء من جنس العمل، فكما أحسنوا بأعمالهم أحسن الله إليهم برحمته. كما رتب الله تعالى من الأجور والثواب على بعض الأعمال ما هو مناسبٌ للعمل نفسه، ومن ذلك:
قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾، وقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
يقول تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.
وفي الحديث القدسي ما جاء في قول الله سبحانه وتعالى للرحم حين تعلقت به سبحانه: {أَمَا تَرضَينَ أَن أَصِلَ مَن وَصَلَكِ وَأَقطَعَ مَن قَطَعَكِ؟} قَالَت: بَلَى، قَالَ: {فَذَاكَ لَكِ}.
وفي السُنة أحاديث كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: [ارحَمُوا مَن فِيْ الأَرضِ يَرحَمْكُمْ مَن فِي السَّمَاءِ]، وقوله عليه الصلاة والسلام: [احفَظِ اللَّهَ يَحفَظْكَ]، وقوله صلى الله عليه وسلم:
[المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسْلِمُه، مَن كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنهُ بِهَا كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ]. وقد جاء في السُنة من الوعيد على بعض الذنوب ما هو مناسبٌ لها؛ فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: [مَن لَعَنَ شَيئًا لَيسَ لَهُ بِأَهلٍ رَجَعَتِ الَّلعنَةُ عَلَيهِ]، وقوله عليه الصلاة والسلام: [مَن ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَن شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيهِ]، وقوله صلى الله عليه وسلم: [مَن سُئِلَ عَن عِلمٍ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلجِمَ يَومَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِن نَارٍ].
فالجزاء من جنس العمل، و(كما تدين تدان)، ذلك من مقتضى عدل الله سبحانه وتعالى وحكمته؛ فمن عاقب بجنس الذنب لم يَظْلِم، ومن دانك بما دنته به لم يتجاوز.

أحبتي .. من الحكمة ألا تصنع الرمح لمنافقٍ؛ يوماً ما ستكون أنت الهدف الذي يرمي نحوه. ولا تكن مُعيناً لظالمٍ ولا شريكاً له في ظلمه؛ فسيبطش بك فور انتهاء دورك. وخاذل المظلوم شريكٌ مع الظالم؛ فأكثر الظالمين لولا السكوت ما ظلموا. ومن أيَّد ظالماً ودعمه وتغاضى عن ظلمه لغيره، وبرره له، وشجعه عليه، سيأتي، إن عاجلاً أو آجلاً، اليوم الذي يُظلم هو فيه، ثم يشعر بمرارة خذلان غيره له، وشماتتهم فيه.
تأكدوا أحبتي أن (كما تَدين تُدان) هو قانون العدل الإلهي، نشاهد آثاره كل يومٍ؛ ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ﴾. فإن كنا نعمل خيراً فسوف نلقى خيراً، وإن كنا نعمل غير ذلك، لا قدَّر الله، فسوف نُدان بجنس عملنا، إن لم يكن بنفس الموقف فحتماً سيكون بنفس الألم، ولنتذكر أن الله عزَّ وجلَّ عندما تُرفع إليه دعوة المظلوم فإنه يقول: {وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ}.

اللهم يسَّر لنا أعمال الخير والبر، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وجازنا اللهم برحمتك وفضلك وإحسانك من جنس أعمالنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واغفر لنا وارحمنا، وأنت خير الراحمين.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.
https://goo.gl/XEd52j


الجمعة، 28 ديسمبر 2018

بالشكر تدوم النعم/1


الجمعة 28 ديسمبر 2018م

خاطرة الجمعة /١٦٧
(بالشكر تدوم النعم)

يُروى أن رجلاً عمره سبعون عاماً عانى من مشكلة مياهٍ على العين؛ ولم يتمكن من الرؤية لعدة أيام. وحين ازداد الألم زار طبيباً فاقترح عليه أن يُجري عملية جراحية في عينيه؛ فوافق الرجل على الفور للتخلص من الألم. بعد نجاح العملية حضر الطبيب إلى المريض وأعطاه بعض الأدوية وكتب له الخروج بعد دفع فاتورة المستشفى. وعندما نظر الرجل إلى الفاتورة بدأ في البكاء؛ فقال له الطبيب: "إذا كنت لا تستطيع دفع الفاتورة يمكن عمل تخفيضٍ يناسبك". ولكن ظل الرجل يبكي؛ فقال له الطبيب مرةً أخري: يمكن لنا أن نقسطها أيضاً لك". ولكن الرجل ازداد في البكاء؛ فقال له الطبيب: "يا جدي ما الذي يبكيك، ألا تريد دفع الفاتورة؟" قال الرجل: "ليس هذا ما يبكيني، ما يبكيني هو أن الله أعطاني نعمة البصر سبعين عاماً، ولم يرسل لي فاتورةً مقابل ذلك أبداً".

كما يُحكى أن رجلاً ابتلاه الله بقطع رجليه ويديه وابتلاه بالعمى، زاره مرةً أحد الناس فوجده يشكر الله عزَّ وجلَّ على نعمه ويقول: "الحمد الله الذي عافاني مما ابتلى به غيري، وفضَّلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً"، فتعجب الرجل الزائر من قوله فسأله: "على أي شيءٍ تحمد الله وتشكره؟"، فقال له الرجل الأعمى والأبتر: "يا هذا، أَشْكُرُ الله عزَّ وجلَّ على أنه قد وهبني لساناً ذاكراً، وقلباً خاشعاً، كما أنه وهبني بدناً على البلاء صابراً".

تذكرت هاتين القصتين وأنا أستمع لصديقٍ يتحدث في حفل تكريم له بمناسبة ترقيته إلى وظيفةٍ أعلى، سمعته يقول إن سبب نجاحه هو مثابرته وحرصه على الحصول على أعلى درجةٍ علميةٍ في مجال تخصصه مع أخذه بأسباب تنمية قدراته المهنية بكل وسيلةٍ ممكنةٍ؛ بالقراءة والاطلاع على كل جديدٍ في مجال العمل وحضور الدورات التدريبية وورش العمل التي تنظمها المؤسسة، وغير ذلك من وسائل وأساليب. كان كلامه ملهماً لكثيرٍ من الحاضرين، خاصةً الشباب منهم. أما أنا فقد لفت انتباهي أنه لم يذكر فضل الله عليه ولا مرةً واحدةً خلال حديثه الطويل، ولم يشكر الواهب المُنعِم على عطاياه ونعمه، رغم علمنا جميعاً بأنه (بالشكر تدوم النعم)!

أحبتي في الله ..  لا اعتراض لي على ما قاله صديقي؛ فهو جميعه من باب الأخذ بالأسباب، ونحن مطالبون بذلك بغير شكٍ، لكن في غمرة فرحتنا بإنجازٍ أنجزناه أو بنجاحٍ حققناه أو بنعمةٍ أنعم بها الله سبحانه وتعالى علينا يجب ألا ننسى المُنعم؛ فالنعم كلها من الله، وإن كان علينا أن نُحَدِّث بنعمة ربنا كما أمرنا سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾، فإن أول الحديث يكون بالشكر، ويكون بنسبة النعمة للمنعم؛ فلا نكون كقارون حين نسب النعمة إلى نفسه واغتر بعلمه فقال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾. ومثل قارون موجودون في كل زمانٍ ومكان؛ فما ضربه الله لنا إلا مثلاً، فهل من متعظ؟
لا يزال هناك مِن بيننا مَن يغتر بعلمه، ومن يغتر بماله، ومن يغتر بقوته، ومن يغتر بحسبه ونسبه. إنها النفس البشرية حين تضل وتطغى وتفقد فطرتها النقية الصافية التي فطر الله الناس عليها.
لكن المسلم الحق عندما يُرزَق لا ينسى الرازق، وحينما يُنعَم عليه لا ينسى المنعم، كما أنه عندما يمرض لا ينسى الشافي. يأخذ بكل سببٍ مقبولٍ لا يتعارض مع الشرع، وهو يوقن بأن النافع هو الله سبحانه وتعالى، وهو الضار. فتدور حياة المسلم كلها ما بين فضلٍ ونعمةٍ نشكر الله عليها، وابتلاءٍ وفتنةٍ نصبر عليها. وبقدر الشكر يكون الثواب، وبمدى الصبر يكون الجزاء، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ].
وكما يُقال: تحتاج النعمة إلى شُكر، ويحتاج البلاء إلى صبر، ويحتاج الذنب إلى استغفار، فمن شكر وصبر واستغفر نال الأجر.
فما هو الشكر؟ يقول أهل العلم: شكرت الدابة، أي: سمنت وظهر عليها أثر العلف. وحقيقته في العبودية لله سبحانه وتعالى هو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه: شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه: انقياداً وطاعة. يقول ابن القيم: "شكر العبد يدور على ثلاثة أركانٍ لا يكون شكوراً إلا بمجموعها، وهي: الاعتراف بالنعمة باطناً، والتحدث بها ظاهراً، والاستعانة بها على طاعة الله". والشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح؛ فالقلب للمعرفة والمحبة، واللسان للحمد والثناء، والجوارح لاستعمالها في طاعة المشكور وكفها عن معاصيه.
إن نعم الله علينا لا تُعد ولا تُحصى؛ قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾، لذا وجب علينا الشكر حتى تدوم النعم، والشكر لا يديم النعم فحسب بل ويزيدها أيضاً، كما أن عدم شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه كفرٌ بها يستوجب العذاب الشديد؛ لقوله تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: [اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ]. ومن أعظم الأدعية: "اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوْذُ بِك من السَّـلْبِ بَعْدَ العَطاءِ، ومِن الشِّدَّةِ بَعْدَ الرَّخَاءِ، ومِن الفَقْرِ بَعْدَ الغِنَى، و مِنَ الضَّلالَةِ بَعْدَ الهُدَى"، فلو زالت نعمةٌ كان يعطيها لنا المولى عزَّ وجلَّ فلا بد أن نكون نحن الذين كفرنا بأنعمه ولم نحمده عليها، ولم نشكره حق شكره.
ولكي تستمر نعم الله علينا ويبارك الله لنا فيها علينا أن نُرجع كل نعمةٍ إلى الله، وننسب كل فضلٍ إليه؛ سواءً في الولد الصالح أو الزوج الطيب أو وفرة المال أو تمام الصحة أو اكتمال العلم أو غير ذلك، ولنقل دائماً: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾، ولنعلم أنه (بالشكر تدوم النعم) وتزداد، ولنا في رسولنا الكريم الأسوة الحسنة؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطَّر قدَماه، فتقول له السيدة عائشة، رضي الله عنها: "يا رسول الله أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: [يا عائشة، أفلا أكونُ عبدًا شَكورًا].
والشكر ينبع من القلب وتصدقه الجوارح؛ فشكر نعمة المال يكون بالصدقة على الفقراء والمساكين، وشكر نعمة العلم يكون بنشره بين الناس وعدم كتمانه، وشكر نعمة الزوجة الصالحة يكون بمعاملتها بإحسان، وشكر نعمة الولد يكون بحسن تربيته وتنشئته التنشئة الصالحة، وشكر نعمة الصحة يكون بتقوى الله في أعضاء أجسادنا وفي جوارحنا فلا نستخدمها فيما يغضب الله؛ فنغض البصر عن الحرام، ونقصر السمع على ما يرضي ربنا، ونُعَوَّد اللسان على ذكر الله والبعد عن الكذب والغيبة والنميمة، ونمنع الأيدي عن البطش بالناس، ونبعد أرجلنا عن السير إلى المعاصي والمحرمات.

وإلى جانب نعم الله الظاهرة، فإن هناك نعماً باطنةً؛ منها على سبيل المثال: كف أذىً كان يمكن أن يصيبنا، أو تخفيف مصيبةٍ ألمت بنا، أو عدم الاستجابة لدعاءٍ لنا فيه ضررٌ نجهله؛ يقول تعالى: ﴿وَيَدعُ الإِنسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالخَيرِ وَكانَ الإِنسانُ عَجولًا﴾، وجميع هذه النعم تستوجب الشكر.

أحبتي .. يصف أحد العلماء حال الكثيرين منا فيقول: للأسف الشديد نجد الناس يحمد بعضهم بعضاً حينما يقدم أحدهم لأخيه عوناً ولو كان صغيراً، ولا نجد الكثير منهم يحمدون الله على نعمه عليهم رغم عظمها وكثرتها، وكأن هذه النعم حقٌ مكتسبٌ لا فضل لله عليهم فيها، بل كثيراً ما يستعملونها في معصيته. إنها الغفلة والجحود والكفران بالنعمة، لا يُقَدِّرون قيمة هذه النعم إلا إذا حُرموا منها أو أُصيبوا فيها، فيجأرون إلى الله بالدعاء. فما أجدرنا أن نشعر بمدى فقرنا وحاجتنا إليه سبحانه في كل لحظةٍ، وبمدى تقصيرنا في واجب الشكر، وبضرورة استعمال هذه النعم في طاعته سبحانه والبعد بها عن معصيته. إن الله سبحانه تعالى لا يزداد ملكه بشكر الناس له ونسبتهم الفضل إليه، كما أنه لا يتضرر بكفرهم، لأنه الغني الحميد، لكنه يحب أن يُحمد ويُشكر؛ قال تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾، فإذا أيقنا أنه (بالشكر تدوم النعم)؛ فإن المستفيد والمنتفع بالشكر هو الإنسان نفسه.

اللهم اجعلنا من الصبورين الشكورين الذين إذا أُعطوا شكروا، وإذا اُبتلوا صبروا. نسألك سبحانك أن تُعيننا على ذِكرك وشكرك وحسن عبادتك.‏

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

https://goo.gl/Jf5HAA

الجمعة، 21 ديسمبر 2018

أعمال يسيرة ثوابها عظيم


الجمعة 21 ديسمبر 2018م

خاطرة الجمعة /١٦٦
(أعمال يسيرة ثوابها عظيم)

سُئل أحد العلماء عن أجمل حكمة قرأها في حياته فقال: لقد قرأت لأكثر من سبعين عاماً، فما وجدت حكمةً أجمل من تلك التي رواها ابن الجوزي رحمه الله: "إن مشقة الطاعة تذهب ويبقى ثوابها، وإن لذة المعاصي تذهب ويبقى عقابها".
قال العالِم: "كُن مع الله ولا تُبالي، ومُدّ يديك إليه في ظُلُمات اللّيالي، وقُل: يا رب ما طابت الدّنيا إلاّ بذكرك، ولا الآخرة إلاّ بعفوك، ولا الجنّة إلاّ برُؤيتك. صافح وسامح، ودع الخلق للخالق؛ فنحن وهم راحلون. افعل الخير مهما استصغرته؛ فإنك لا تدري أية حسنةٍ تدخلك الجنة".

أحبتي في الله .. كثيرةٌ هي الأعمال البسيطة السهلة التي يمكن لأي مسلمٍ أن يقوم بها أو يؤدي بعضها، وفيها ثوابٌ عظيمٌ وأجرٌ كبير؛ قال صلى الله عليه وسلم: [كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى]، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: [مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى] فإن كنا نريد الجنة فيجب أن نطيع أوامر رسول الله، رزقنا الله وإياكم الجنة وأكرمنا برفقة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم.

يقول أهل العلم أن الجنة هي المكان الذي يقصده المؤمنون، ويسعى لدخوله المسلمون حتى يتلذذوا برضوان الله تعالى، ويأنسوا برحمة الله العظيم؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ . فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ . مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ﴾؛ فالجنة هي وعد الله عز وجل للمتقين، وفيها ينعمون بأجمل العطايا والمنح من الله الكريم، وهي الراحة الأبدية لكل من تفضل الله تعالى عليه وأذن له بدخولها، فلا موت ولا سقم ولا شيب ولا كدر يعكر صفو النفوس،  بل سعادةٌ صافيةٌ لا بأس فيها ولا خوف، وصفها الرسول الله  صلى الله عليه وسلم فبشرنا بما فيها من نعيم؛ قال صلى الله عليه وسلم: [ينادي منادٍ إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا، فذلك قوله عز وجل: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾].

وهذه بعض الأحاديث النبوية الشريفة، ويوجد غيرها كثير، تشير كلها إلى (أعمال يسيرة ثوابها عظيم) وأجرها كبير تُدخل المسلم الجنة بإذن الله:
قول لا إله إلا الله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما قالَ عبدٌ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قطُّ مخلِصًا، إلَّا فُتِحَت لَهُ أبوابُ السَّماءِ، حتَّى تُفْضيَ إلى العرشِ، ما اجتَنبَ الكبائرَ].
قراءة سورة الزلزلة، وسورة الكافرون، وسورة الإخلاص؛ قال صلى الله عليه وسلم: [مَنْ قَرَأَ إِذَا زُلْزِلَتْ عُدِلَتْ لَهُ بِنِصْفِ القُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَ قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ عُدِلَتْ لَهُ بِرُبُعِ القُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عُدِلَتْ لَهُ بِثُلُثِ القُرْآنِ].
التسبيح والحمد؛ قال صلى الله عليه وسلم لزوجته جويرية وقد خرج من عندها ثم رجع: [لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ].
قول لا إله إلا الله وحمده؛ قال صلى الله عليه وسلم: [مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ].
الاستغفار؛ قال صلى الله عليه وسلم: [مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ].
الاستغفار للمؤمنين؛ قال صلى الله عليه وسلم: [مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً].
الأذان؛ قال صلى الله عليه وسلم: [.. والْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ بِمَدِّ صَوْتِهِ وَيُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ].
قضاء حوائج المسلمين؛ قال صلى الله عليه وسلم: [.. وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا ..].
عزاء المسلم بمصيبته؛ قال صلى الله عليه وسلم: [مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ].
السلام على المسلم ومصافحته؛ قال صلى الله عليه وسلم: [إِن الْمُؤمنَ إِذا لَقِي الْمُؤمنَ فَسلمَّ عَلَيْهِ، وَأخذ بِيَدِهِ فصافحه، تناثرت خطاياهما كَمَا يَتَنَاثَر ورقُ الشّجر].
المشي إلى الصلاة؛ قال صلى الله عليه وسلم: [مَن مَشَى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ في الجماعةِ، فهي كَحَجَّةٍ، ومَن مَشَى إلى صلاةِ تَطَوُّعٍ، فهي كعُمْرَةٍ].
الصلاة مع الجماعة؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ].
الصلاة في المسجد النبوي؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ].
ركعتا سنة الفجر؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا].
حمد الله عند الرفع من الركوع؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ].
كثرة السجود لله؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً].
قراءة القرآن وعمارة المساجد؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [قال اللهُ عزَّ وجلَّ يومَ القيامةِ أين جيراني؟ فتقولُ الملائكةُ من هذا الَّذي ينبغي له أن يُجاورَك؟ فيقولُ أين قُرَّاءُ القرآنِ وعُمَّارُ المساجدِ؟].
المواظبة على الصلاة واجتناب الكبائر؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [أبشِروا، أبشِروا! مَن صلَّى الصَّلواتِ الخمسَ، واجتنبَ الكبائرَ؛ دخلَ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شاءَ].
صلاة الفجر والعصر؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ].
قول آمين في الصلاة وراء الإمام؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ].
وصل الصفوف وسد الفُرج في الصلاة؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ وَمَنْ سَدَّ فُرْجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً].
المحافظة على السنن الرواتب؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ].
صلاة أربع ركعاتٍ قبل صلاة الظهر وأربعٍ بعدها؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرُمَ عَلَى النَّارِ].
صلاة ركعتين عقب إسباغ الوضوء؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَغُفِرَ لَهُ].
الصلاة على الميت وحضور دفنه؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِِ] قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: [مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ].
صلاة الضحى؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [إِن الله، عز وَجل، يَقُول: يَا ابْن آدم: اكْفِنِي أول النَّهَار بِأَرْبَع رَكْعَات أكفك من آخر يَوْمك].
الصلاة قبل الخروج من المنزل وبعد الدخول إليه؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [إذا دخلتَ منزلَك فَصَلِّ ركعتين تمنعانِك مدخلَ السوءِ، وإذا خرجتَ من منزلِك فصلِّ ركعتين تمنعانِك مخرجَ السُّوء].
صلاة الفجر في جماعة ثم القعود بالمصلَى لذكر الله حتى طلوع الشمس؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ , تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ].
بناء المساجد؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ].
المشي إلى المسجد لصلاة الفجر؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ].
صلاة العشاء وصلاة الفجر في المسجد؛ قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ].
الصدقات؛ قال النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: [اتَّقوا النَّارَ ولو بشقِّ تمرةٍ ، فمن لم يجِدْ فبكلمةٍ طيِّبةٍ].
طلاقة الوجه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا تحقرَنَّ من المعروفِ شيئًا، ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ طلِقٍ].
إماطة الأذى عن الطريق؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لقد رأيتُ رجلًا يتقلَّبُ في الجنَّةِ، في شَجرةٍ قطعَها من ظَهْرِ الطَّريقِ، كانت تؤذي النَّاسَ].

وهذه تمرةٌ أدخلت صاحبتها الجنة؛ دخَلت على أم المؤمنين عائشَةَ رضي الله تعالى عنها امرأةٌ معَها ابنتانِ لَها، فأعطَتها ثلاثَ تمراتٍ، فأعطَت كلَّ واحدةٍ منهما تمرةً، ثمَّ صَدعتِ الباقيةَ بينَهُما، قالت: فأتى النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فحدَّثتُهُ، فقالَ: [ما عجبُكِ، لقد دخلَت بِهِ الجنَّةَ].
وهذه سقيا ماءٍ أدخلت بغياً الجنة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [بينما كلبٌ يُطِيفُ برَكيَّةٍ، كاد يقتُلُه العطشُ، إذ رأَتْه بغيٌّ من بغايا بني إسرائيلَ، فنزَعَت مُوقَها، فسَقَتْه فغُفِر لها به].

أحبتي .. تلك بعض (أعمال يسيرة ثوابها عظيم) وأجرها كبيرٌ؛ تُدخل صاحبها بكرم الله الجنة، أعمالٍ غير مكلفةٍ ولا تحتاج إلى كثيرِ وقتٍ أو جهدٍ أو مالٍ؛ فلنحرص على أدائها كلها، أو ما تيسر منها، فليس منا من هو في غنىً عن الثواب والأجر، ولا ندري أيها يثقل كفة الميزان يوم الحساب فنكون من أصحاب الجنة برحمة الله.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

https://goo.gl/ctbPfH