الجمعة، 20 أبريل 2018

شياطين الإنس


الجمعة 20 إبريل 2018م

خاطرة الجمعة /١٣١
(شياطين الإنس)

يُحكى أنه في حروب أوروبا في القرن الثامن عشر دخل الجنود قريةً واغتصبوا كل نسائها، إلا واحدةً من النساء قاومت الجندي وقتلته وقطعت رأسه! وبعد أن أنهى الجنود مهمتهم ورجعوا لثكناتهم ومعسكراتهم، خرجت كل النساء من بيوتهن يلملمن ملابسهن الممزقة ويبكين بحرقةٍ، إلا هي خرجت من بيتها وجاءت حاملةً رأس الجندي بين يديها وكل نظراتها عزة نفسٍ واحتقارٍ للأخريات، وقالت: هل كنتن تظنون أن أتركه يغتصبني دون أن أقتله أو يقتلني؟! فنظرت نساء القرية لبعضهن البعض وقررن أنه يجب قتلها حتى لا تتعالى عليهن بشرفها ولكي لا يسألهن أزواجهن عندما يعودون لِمَ لم تقاومن مثلها؟! فهجموا عليها على حين غفلةٍ وقتلوها؛ قتلوا الشرف ليحيا العار.
وهكذا هو حال الفاسدين في كل مكانٍ وزمانٍ؛ يحاربون كل شريفٍ إلى حد القتل كي ﻻ يكون شاهداً على فسادهم؛ إنهم (شياطين الإنس).

أحبتي في الله .. ذكرتني هذه الحكاية بالآية الكريمة التي نزلت في المنافقين: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾. يقول المفسرون أن المنافقين يتمنون أن تكفروا فتجحدوا وحدانية ربكم، وتصديقَ نبيِّكم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كما كفروا هم، فتكونون سواءً؛ أي فتكونون كفّاراً مثلهم، وتستوون أنتم وهم في الشرك بالله. يقول الشيخ الشعراوي: ﴿وَدُّوا﴾ من عمل القلب، وعمل القلب تخضع له جميع الجوارح، فما داموا يودون أن يكون المسلمون كافرين، إذن سيقفون في سبيل انتصار المسلمين، وسيضعون العقبات التي تحقق مطلوبات قلوبهم. فأصحاب الباطل إن كانت لهم قوةٌ يجعلون لسانهم مع قلوبهم في الجهر بالباطل، وإن كان عندهم ضعفٌ يجعلون قلوبهم للباطل ولسانهم للحق؛ فهم يتمنون إزالة طائفة الحق حتى لا يكون هناك أحدٌ أفضل من أحدٍ. وقوله سبحانه عن أمنية المنافقين الكافرين بقلوبهم هو أن يكون المؤمنون مثلهم ﴿فَتَكُونُونَ سَوَآءً﴾، فإذا ما حاول أحدٌ من أصحاب الرذيلة (شياطين الإنس) أن يشد صاحب الفضيلة إلى خطأٍ، فهو يسعى إلى إضلاله، إنهم لا يقفون من الإيمان موقف الحياد، ولكنهم يقفون منه موقف العناد والعداوة، وفي هذا تحذيرٌ واضحٌ للمؤمنين هو: إياكم أن تأمنوهم على شيءٍ يتعلق بمصالحكم وإيمانكم. وهذه الآية الكريمة توضحها آيةٌ أخرى في كتاب الله؛ يقول المولى عز وجل: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾.

يقول أهل العلم أن الله سبحانه وتعالى قد أخبرنا أن من الجن والإنس شياطين يريدون أن يضلونا وأن يبعدونا عن صراط الله المستقيم، ويريدون أن يسببوا لنا الأذى النفسي والبدني، فهم يوسوسون، وينفثون سمومهم بين بني آدم، ويرسلون عليهم أعوانهم ليؤذوهم وليلبسوا عليهم دينهم؛ قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ﴾، فهذه الآية تبين شدة عداوة الشيطان لبني آدم وخصوصاً عباد الله المؤمنين، فهو حريصٌ على كل ما يضرهم من الكفر والبدع والمعاصي وتعليق قلوبهم بغير الله، والشرك به والاستعانة بغيره، وغير ذلك مما ينال من إيمانهم وعقيدتهم، ولكن الله تعالى، رحمةً منه بنا، أنار لنا الطريق بالبرهان الساطع والكلام الواضح المبين، فحذرنا من الشيطان وأعوانه؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾، وحذرنا منه أيضاً النبي، صلى الله عليه وسلم، في كثيرٍ من الأحاديث، كي نتجنب وسوسته وأذاه.
فالشياطين من الجن هم المتمردون منهم وأشرارهم، و(شياطين الإنس) هم متمردو الإنس وأشرارهم. فالجن والإنس منهم شياطين؛ وهم متمردوهم وأشرارهم من الكفرة والفسقة. وشيطان الإنس لا يوسوس كما يفعل شيطان الجن، وإنما يأتي عياناً ويدعو إلى المعاصي؛ فشيطان الجن يوسوس بنا لنقتل أو نزني أو نسرق وليس له سطوةٌ وتحكم فينا، أمّا شيطان الإنس، فهو يسرق بيديه ويعلّمنا سبل السرقة، وإذا كان شيطان الجن يزيّن لنا شرب الخمر، فشيطان الإنس يصنعه ويحضره لنا.
قال مالك بن دينار: "إن شيطان الإنس أشد عليّ من شيطان الجن، وذلك أني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن، وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عياناً".
فكل إنسانٍ مفسدٍ يأمر بالسوء والفحشاء والمنكر وينهى عن الصلاح والاستقامة ويشغل عن ذكر الله وعن الصلاة هو شيطانٌ، لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ﴾.
إن هؤلاء المفسدين ينقمون من كل مؤمنٍ بالله شريفٍ مستقيمٍ؛ يقول عنهم المولى عز وجل: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾، لكن سطوتهم تكون أظهر وأقسى وأشد بأساً عندما يتحول الإنسان الطاهر النظيف من شخصٍ صالحٍ يهتم بأمور نفسه فقط إلى شخصٍ مصلحٍ يهتم بأحوال غيره وينبههم ويفضح لهم خطط ومشاريع المفسدين ويبين لهم أهدافهم ومآربهم.
إن أكثر ما يضايق (شياطين الإنس) المفسدين ويقض مضاجعهم هو وجود المصلحين الذين يكشفونهم، ويحاربون فسادهم، ما يعني تجريدهم مما هم فيه، وتنغيص تمتعهم بشهواتهم وملذاتهم التي يغرقون فيها، ما يستفزهم ويدفعهم لمحاربة أولئك المصلحين بشتى الطرق الممكنة، وتظهر شراسة المفسدين بوجهها السافر حينما يستشعرون أن المصلحين باتوا يهددون وجودهم المرتبط بمشروعهم الإفسادي، أو يمنعونهم من ارتكاب المعاصي العلنية الظاهرة، لذا فإنهم يسعون بكل ما أوتوا من قوةٍ لإقصاء أولئك المصلحين عن مواقع الحضور والتأثير.
ويبين الله سبحانه وتعالى لنا علاقة التحالف بين (شياطين الإنس) وشياطين الجن؛ يقول سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾، أي: يُزين بعضهم لبعضٍ الأمر الذي يدعون إليه من الباطل، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورةٍ، ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء، الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة المنمقة، فينخدعون بقدرة أهل الباطل على التزييف وقلب الحقائق وتمثيل أدوار المصلحين، وينقادون وراءهم يعتقدون الحق باطلاً والباطل حقاً. وفي الآية بيانٌ واضحٌ بأن هناك (شياطين الإنس) وهم غير شياطين الجن، بل هم مقدمون عليهم؛ إنهم أعوانٌ لهم، تكمن خطورتهم في أنهم بشرٌ منا؛ من الأهل أو الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء أو الزملاء أو المعارف أو من الغرباء، تجدهم في الأسرة والجيرة وأماكن العمل وفي مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي وفي شبكة الإنترنت والقنوات التلفزيونية؛ شغلهم الشاغل أن يزينوا للناس الباطل ويوحون بالقول المزخرف المنمق عمل السوء، إنهم يسعون في الأرض فساداً ويتمنون لو أنَّا أطعناهم، منهم من يسعى لتعليم الشباب التدخين أو تناول المخدرات أو الخمر والمسكرات، ومنهم من يحاول أن يجر الناس إلى أماكن لعب القمار أو أماكن الفسق والفجور واللهو المحرم، ومنهم من يزينون للناس كل عمل مشين يعرضون عليهم مشاركتهم فيما هم متورطون فيه من فسادٍ على اختلاف صوره وأشكاله؛ من قتلٍ وزنا وظلمٍ وبغيٍ واعتداءٍ على الغير بغير حقٍ ونصبٍ وأكل أموالٍ بالباطل وكذبٍ وافتراءٍ واجتراءٍ على الله ورسوله، ويسوقون بضاعتهم الرديئة على أنها شطارةٌ أو تجارةٌ أو إثبات نفوذٍ أو فرض هيبةٍ؛ أو صورةٌ من صور التحضر والحداثة ومجاراة الحياة العصرية؛ فهم حقاً قد ﴿زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾!

وقد بين الله ما على المسلم أن يعامل به كلاً من (شياطين الإنس) والجن؛ قال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ . وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، حيث يتبين من هذه الآية الكريمة ما ينبغي أن يُعامَل به الجهلة من (شياطين الإنس) والجن؛ فشيطان الإنس يُعامل باللين وأخذ العفو والإعراض عن جهله وإساءته. أما شيطان الجن فلا منجى منه إلا بالاستعاذة بالله منه.

أحبتي .. فلنَحْذر من (شياطين الإنس)، ولنُحَذِّر أهلينا وأبناءنا وجميع أحبائنا منهم، ولنعلم أنه من علامات ﴿زُخْرُف الْقَوْلِ﴾ أنه يعجبنا قولهم، ويقسمون بالله وهم كاذبون، حَذَّرنا الله منهم؛ قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ؛ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾.
ولنسأل الله الثبات على الدين وعلى الحق وعلى اتباع سبيل المؤمنين ولو قَلَّ سالكوه؛ حتى نقي أنفسنا الانزلاق إلى طريق الحرام وسبل الفساد ونبتعد عن سبيل الله ونصد عنه فتنطبق علينا، والعياذ بالله، الآية الكريمة: ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾.

وقانا الله وإياكم شر أصدقاء السوء (شياطين الإنس) الذين يودون لو كفرنا كما هم كافرون، ويتمنون لو فسدنا كما هم فاسدون، الذين يحاربون أصحاب القلوب الطاهرة والضمائر الحية والأيادي النظيفة.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://goo.gl/RohRL6

الجمعة، 13 أبريل 2018

غرور القوة


الجمعة 13 إبريل 2018م

خاطرة الجمعة /١٣٠
(غرور القوة)

كنت أشاهد برنامجاً حوارياً على إحدى القنوات الفضائية، استضاف مقدم البرنامج ضيفين اثنين من نفس الجنسية، كانا يناقشان قضيةً خاصةً ببلدهما. بدأ البرنامج بمقدمةٍ من المذيع حاول فيها قدر إمكانه أن يُظهر نفسه محايداً لا يميل إلى رأيٍ دون الآخر؛ فعرض لوجهتي نظرٍ مختلفتين إلى حد التضاد، ثم جاءت أسئلته ومداخلاته طوال البرنامج فاضحةً له بأنه ينحاز إلى إحدى وجهتي النظر دون الأخرى! بدأ الحوار هادئاً ثم سرعان ما انقلب من مناظرةٍ فكريةٍ رصينةٍ إلى حربٍ كلاميةٍ شرسةٍ ظهر فيها أحد المتحاورين وهو يحاول إرغام الطرف الآخر برأيه، وبدلاً من أن يشرح وجهة نظره ويناقشها بالعقل والمنطق إذا به يتهم الآخر بالخيانة والعمالة وعدم الولاء للوطن، ولأنه يُمثل وجهة نظر حكومة بلاده والطرف الآخر يُمثل المعارضة فقد تصور أنه في موقف قوةٍ فأسكره (غرور القوة) وبدأ يستأسد ويتنمر، وبعد فترةٍ بدأ يكيل السباب والشتائم، ووصل به الأمر إلى حد محاولة التعدي بالأيدي على محاوره، الذي اضطر للانسحاب من البرنامج، وهو مذاعٌ على الهواء مباشرةً؛ فما كان أمام مقدم البرنامج إلا أن يستمر مع ضيفه الوحيد في حوارٍ مملٍ لا معنى له حيث سار في اتجاهٍ واحدٍ فقط!

أحبتي في الله .. ذكرني هذا الموقف بكثيرٍ من المواقف المشابهة في حياتنا الخاصة والعامة .. اختلاف بين الزوج وزوجته، بين الأب أو الأم وأحد الأبناء، بين الإخوة والأخوات، بين جيران في المسكن، بين زملاء في العمل، بين مشجعين لنادٍ رياضي ومشجعين لنادٍ منافسٍ، باختصار بين أي طرفين مختلفين في رأيٍ أو متعارضين في مصلحةٍ. لا تخلو الحياة من مثل هذا الاختلاف، وهو يُعد ظاهرةً صحيةً حين يُكَمِّل كل رأيٍ الرأي الآخر فيكون في اجتماع كلا الرأيين خيرٌ، أو حين يتفق الطرفان على رأيٍ وسطٍ ويلتقيان في منتصف الطريق، أما إذا تمكن (غرور القوة) من طرفٍٍ تراه يفرض على الطرف الآخر رأيه بالقهر والإجبار، وهنا تحدث المشكلة. كأنه فرعون جديدٌ يقول: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾؛ يظن أنه وحده يملك الحقيقة المطلقة، رأيه دائماً هو الصحيح ورأي غيره، إذا خالفه الرأي، هو الخطأ بعينه، شعاره المعلن "من ليس معي فهو ضدي"، نَسيَّ، أو تناسى، قول الإمام الشافعي: "قولي صوابٌ يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأٌ يحتمل الصواب". لا يُواجِه الرأي بالرأي، ولا الحجة بالحجة، ولا الفكر بالفكر، يريد دائماً أن يفرض رأيه على الآخرين بالقوة؛ يوحي له (غرور القوة) أنه المتغلب بلا منازع، ولا يعلم أن الفكرة التي تُواجَه بالقهر، ويقابَل أصحابها بالتسفيه والاستخفاف، تكتسب، من حيث لا يحتسب، قوةً إلى قوتها، وإذا به، وبمرور الوقت، يكتشف أنه بتعامله بهذا الأسلوب كان سبباً في انتشار الرأي الآخر وتمسك الآخرين به، سواءً لأنه حقٌ، أو من باب العند أو الكيد والمناكفة!
إن القوة حين يستخدمها الناس لمحاربة الحق، بدلاً من نصرته، تتحول إلى طغيانٍ يعمي أبصارهم ويطمس بصائرهم؛ يقول تعالى: ﴿وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾، أي يضلون ويعمَونَ عن الرُّشد، ويقول سبحانه: ﴿بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾ أي استمروا في طغيانهم وإفكهم وضلالهم، في معاندةٍ واستكبارٍ.
استخدام القوة لغير نصرة الحق ومواجهة الباطل سببٌ للخسران؛ إنها سُنة الله التي لا تتغير في خلقه، مع الأفراد ومع الجماعات ومع المجتمعات، يقول سبحانه وتعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾.
يقول أهل العلم أن الآيات التي تحدثت عن الأمم السابقة في القرآن الكريم كلها تدل على أن قوة هذه الأمم مهما اشتدت عظمتها وكبرت وتميزت عن غيرها ممن يحيط بها، ومهما امتلكت من مقوماتٍ ماديةٍ وجسديةٍ فهي ضعيفةٌ واهنةٌ سريعة الزوال والهلاك ما دامت بعيدةً عن أمر الله وطاعته، وبعيدةً عن احترام حقوق العباد التي شرعها الله، وبعيدةً عن الأخلاق والقيم السليمة الصالحة للمجتمع والقائمة على العدل والقسط، فأعظم وأسرع ما يُهلك المجتمعات والأفراد (غرور القوة) والكِبْر والعُجب الذي يولد الاستبداد والظلم؛ قال تعالى: ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
إن القوة في الأصل محمودةٌ ومطلوبةٌ؛ فقد طلب الله من المؤمنين إعداد ما استطاعوا من قوةٍ وقُدرةٍ لإرهاب وتخويف أعداء الله، وهُم أولئك الذين يُظهرون عداوةً واضحةً وظاهرةً للدين، وأعداء آخرين لا يعلمهم إلا الله؛ قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾. وتنقلب القوة وبالاً على صاحبها إذا لم يوظفها التوظيف الصحيح الذي يتفق مع مراد الله، فتكون حسراتٍ يعيشها الذين استخدموا القوة في غير محلها؛ يقول تعالى: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾؛ فهذا قارون قال عنه الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾؛ فيقول متكبراً: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾، فذكَّره المولى عز وجل بأن هذه القوة العلمية والحسية التي تفتخر بها قد سبقك بها أقوامٌ فانظر ماذا كان مصيرهم: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾. ولما هدد الله قريشاً، ومن هُم على شاكلتها، قال: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾، وقال عز وجل: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً﴾، وضرب الله المثل بعادٍ؛ قال تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾، ووصف الله سبحانه وتعالى فرعون بقوله: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾. إنه (غرور القوة) الذي يُودي بصاحبه ويُرديه.

ومن الناس من ينافق أصحاب القوة ولو كانوا على غير الحق؛ ففي صورةٍ كاشفةً لمواقف المنافقين الذين يُبدلون ولاءهم ويُغيرون جلودهم ويتلونون كالحرباء ساعين وراء مصالحهم يبين الله حالهم محذراً من ذلك بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾؛ فهذا بيانٌ لحال من يستخدم الأيْمان والعهود والتأكيد عليها في تعامله مع الناس لأجل مصلحته الذاتية ثم سرعان ما يتبدل عندما يظهر له أن مصلحته مع قومٍ أو أناسٍ آخرين، فتراه يُسارع في نقض عهوده وأيْمانه لموالاة من يجد عندهم المصلحة أو من يمتلكون القوة المادية، ويتمادى في معاداة أصحاب الحق الذين يتصور أنهم هم الضعفاء ولا قوة لهم.

ومن المواضع الشريفة لاستخدام القوة؛ يقول العلماء: القوة في أخذ الدِّين، وعلو الهمّة في تطبيق جميع ما يستطيع من شعائره؛ قال الله لموسى وقومه: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾، وقال لقوم موسى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. وقال سبحانه ليحيى عليه السلام: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: [الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ].

إن مفهوم القوة سواءً في اللغة أو في القرآن الكريم ليس مرادفاً للعنف، وأن القرآن الكريم قد أكد على أن القوة ينبغي أن تُستخدم للتمسك بالدين والالتزام بشعائره وللدفاع عن الحق. كما أن الجهاد، وهو أعلى أشكال القوة، أعم من القتال؛ لأن الجهاد، إلى جانب محاربة أعداء الدين، يشتمل على جهاد النفس وجهاد الشيطان. وبجهاد النفس والاستغفار والتوبة تزداد القوة؛ قال تعالى على لسان نبيه هود: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾.

أحبتي .. عودةً إلى ما بدأت به فإن الأفكار، كما أنها لا تُحارب بالقوة، فإنها لا تنتشر بالقوة أيضاً؛ فمقولة أنّ الإسلام انتشر بالسيف، من السهل كشف زيفها إذا درسنا تاريخ انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا؛ إن ملايين المسلمين دخلوا في دين الله أفواجاً، من خلال تعاملهم مع التجار المسلمين الذين ذهبوا للمعاملات التجارية في تلك البلاد، حين رأوا أخلاقهم العالية في المعاملات. لكننا في نفس الوقت مُطالَبون بألا نعيش بغير قوةٍ نحمي بها ديننا وندافع بها عن أنفسنا وأرضنا؛ إن قوام الإسلام، كما قال أحد العلماء، هو في كتابٍ الله يَهدينا وبسيفٍ ينصرنا، ﴿وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾، في زمنٍ يتعامل فيه معظم الناس بالقوة ويحترمون القوي ويجورون على الضعيف، لكن قوتنا منضبطةٌ بقواعد وقيمٍ حددها لنا القرآن الكريم.
علينا كأفراد أن يبدأ كل مسلمٍ منا بنفسه؛ فيُقوي إيمانه بالله سبحانه وتعالى أولاً ثم يأخذ بأسباب القوة في جميع المجالات: البدنية والعلمية والاقتصادية والأخلاقية وغيرها من مجالات، ثم علينا أن نتعظ ونعتبر من قصة فرعون كما وردت في القرآن الكريم؛ يقول المولى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ﴾؛ فلا يتحول أيٌ منا إلى فرعون صغيرٍ في بيته مع زوجته وأبنائه، ولا في عائلته مع إخوانه وأخواته، ولا في عمله مع مرؤوسيه، ولا في أي موقفٍ من مواقف الحياة، ولنتذكر أن (غرور القوة) مآله دوماً إلى الخسران.

هدانا الله وإياكم إلى طريق الإيمان، وعمل الصالحات، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://goo.gl/HVd4wD

الجمعة، 6 أبريل 2018

مسلمون جُدد

الجمعة 6 إبريل 2018م

خاطرة الجمعة /١٢٩
(مسلمون جُدد)

تركت مساحة خاطرة هذا الأسبوع كاملةً لقصة إسلامٍ عجيبةٍ، عسى أن تنفعنا أو نتخذها قدوةً ومثلاً.
أحبتي في الله .. لن أطيل عليكم، يكفيكم طول القصة ذاتها، أبطالها (مسلمون جُدد) حياتهم قبل الإسلام وبعده مليئةٌ بالدروس والعبر.
إليكموها كما وردت في العديد من مواقع الإنترنت؛ يقول راوي القصة:
كنت شاباً أجوب شوارع ميلانو {مدينةٌ إيطاليةٌ صناعيةٌ شهيرةٌ} ألبس قرطاً في أذني اليسرى وأفعل المحرمات بأشكالها وألوانها وأشرب الخمر، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي قلب حياتي رأساً على عقب؛ كنت أعمل في مصنعٍ للملابس وكان اسمي مركباً بالإيطالية يظن السامع به أنني من أصلٍ بوسنيٍ، وفي ذات مرةٍ ناداني رئيسي في العمل وهو مخمورٌ كعادته، إلا أنه في هذه المرة أخذ يسب ويشتم المسلمين وينظر إليّ يعتقد أنني مسلمٌ، وهو لا يدرك بسبب سكرته أنني مثله لا صلة لي بالبوسنيين ولا بالمسلمين ولكن كنت أسمع وأقرأ عنهم للثقافة العامة فقط، ثم قال لي: "أنتم أيها المسلمون كنتم في يومٍ من الأيام أسياد هذا العالم، أما اليوم فأنتم عبيدٌ لنا وتعملون عند أقدامنا". لا أدري ما الذي حصل لي وأنا أستمع إلى ذلك الحاقد عليّ وهو ثملٌ نجسٌ يُفرغ شحناته المريضة، لقد شعرت وكأن الدم يفور في عروقي؛ فقد كنت بطبعي عصبياً ولم أدرِ بماذا أجيب وقتها، لقد فاجأني فأحببت أن أستفزه ولم أدرِ إلا ولساني يقول له لا شعورياً: "هل تعرف محمداً؟"، قال: "ماذا تريد؟ تكلم بسرعة"، قلت: "عندما كان المسلمون متمسكون بكتاب الله ويطبقون أحكامه كانوا يسودون العالم، ولكن بعد أن تركوه ولم يطبقوا ما فيه من تعاليم ساد الفساد والانحراف العالم، والآن أنا سأخرج من مكتبك، تعرف لماذا؟"، نظر إليّ مندهشاً غاضباً وهو يقول: "لماذا؟"، قلت: "سأذهب لأشتري قرآناً مترجماً للغة الإيطالية حتى أقرأه وأطبق ما فيه وأرجع إليك فأدوسك تحت قدمي". خرجت من مكتبه وقد ألجمت المفاجأة لسانه، وطبعاً طردني من العمل، ذهبت إلى غرفة سكني المشتركة مع زملاء لي ودخلت الحمام غسلت وجهي وأنا أبكي بكاءً حارقاً مؤلماً؛ فقد كنت أعاني من قلة المال والحيلة وفقرٍ شديدٍ، خرجت من الحمام ثم سجدت منهاراً على الأرض وأنا أبكي حتى ظن من معي في الغرفة بأنني قد أُصبت بالجنون، ولم أكن أعلم حينها أن تلك كانت بداية هدايتي في رحلتي إلى الإسلام. بعد أن سجدت باكياً سرت في جسدي قشعريرةٌ وأحسست براحةٍ لم أشعر بها في حياتي، وخرجت من البيت متوجهاً إلى المركز الثقافي الإسلامي بمدينة ميلانو حيث اُستقبلت بحفاوةٍ وحبٍ، وأشهرت إسلامي فوراً، واخترت لنفسي اسم عبد الله، ثم خرجت أنا ورجلان من المركز الإسلامي وتوجهنا إلى إحدى الحدائق العامة نتبادل أطراف الحديث عن الإسلام. كان الجو غائماً شديد البرودة، وبينما نحن في الحديقة نمشي إذ دخل وقت صلاة الظهر؛ فذهبنا إلى أحد ينابيع المياه داخل تجويفٍ في أحد الأشجار وقام أحدهم بتعليمي الوضوء، وكان الماء بارداً جداً إلا أنني كنت مستمتعاً بالبرودة، وكان تحت الشجرة ذاتها اثنان من العشاق مسترخيان لما رأوا طريقة اغتسالي بالماء وغسل قدمي في ذلك الجو البارد توقفا عما كانا يفعلانه، وأذكر علامات الذهول على وجهيهما، ثم سألني الرجل بتطفلٍ خجولٍ: "ماذا تفعل؟ إن الجو بارد!"، فقلت: "هكذا يجب أن نتطهر لنتعبد ونقابل خالق الكون ونصلي له"، ثم أذَّن صاحبي المرافق لي أذان الظهر وأقمنا الصلاة في داخل الحديقة وسط ذهول الموجودين، ووالله ما إن انتهينا من الصلاة حتى كان عددنا عشرين رجلاً حيث تصادف وجود مجموعةٍ من المسلمين العرب في الحديقة نفسها، ولكن المفاجأة أنه ما إن انتهينا من الصلاة حتى وقف ضابطٌ إيطاليٌ يبدو أن عمره في الخمسينات، كان واقفاً يراقبنا بكامل زيه العسكري، ثم تقدم واقترب من الإمام الذي صلى بنا بعد انتهائنا من الصلاة، وكنت استمع جالساً للمحادثة، سأل الضابط بتعجبٍ: "ماذا تفعلون؟"، فأجاب صديقي الإمام: "نصلي لله تعالى"، قال الضابط: "وما هذا الدين؟"، قال الإمام: "الإسلام"، قال بتعجبٍ بالغٍ: "الإسلام؟! ولكن الإسلام دين سفك دماءٍ وإرهابٍ وقتلٍ"، رد الإمام بكل هدوءٍ وثباتٍ: "ليس كذلك، بل الإسلام دين محبةٍ ودين سلامٍ"، ثم استأذناه قائمين لننصرف، فقال الضابط بصوتٍ كأنه ينادينا به: "وكيف يمكن لشخصٍ أن يكون مسلماً؟"، قال الإمام ببساطةٍ: "يذهب إلى المركز الإسلامي ويعلن إسلامه"، قال الضابط: "أريد أن أدخل في هذا الدين"، قال الإمام: "لماذا؟"؛ ظنه يستهزئ فأحب أن يختبره، فقال الضابط: "نحن نُعَلِّم الطلاب الملتحقين بالجيش ست سنواتٍ كيف ينضبطون في صفٍ واحدٍ ويتحركون سوياً بإتقان، وأنتم خلال خمس ثوانٍ اصطف عشرون رجلاً لا تعرفون بعضكم، وتتبعتم إمامكم بكل دقةٍ وانضباطٍ؛ أشهد أن الذي علمكم هذا ليس بشراً بل لا بد أن يكون رب هذا الكون المستحق للعبادة". ذلك الضابط الآن اسمه عبدالرحمن أسلم وحَسُن إسلامه، وهو في مترو الأنفاق، لقد تقاعد من الجيش واستلم مستحقاته ومن بينها بطاقةٌ مجانيةٌ للمواصلات؛ يدخل المترو المكتظ بالناس من الصباح إلى المساء وقد أطلق لحيته البيضاء واستدار وجهه كأنه البدر ثم يقول للجالسين بالقطار وباللغة العربية: "أشهد أن الله حقٌ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حقٌ، وأن الجنة حقٌ، وأن النار حقٌ، وأن يوم القيامة حقٌ" ثم يسرد المواعظ باللغة الإيطالية فيخرج معه عند محطة الوصول عشرةٌ إلى خمسة عشر شخصاً يشهرون إسلامهم فيما بعد، وهذا حاله يومياً منذ أن أعلن إسلامه!

يقول عبد الله: في أحد الأيام وبينما أنا في المركز الإسلامي بميلانو إذ تقابلت مع شابٍ إيطاليٍ أعطاه الله من جمال الشكل والوسامة الشيء الكثير، مُلتحٍ يتلألأ وجهه نوراً اسمه أحمد، فسألته عن أحواله؛ فأخذ يسرد لي قصته ويقول عن نفسه: كنت أعيش في مدينة ميلانو وعمري لم يتجاوز الثالثة والعشرين، أعيش في الظلامات، ورثت عن والدي المتوفى مبالغ كبيرةً جداً وقصوراً ومصانع وسياراتٍ فارهةً حتى كنا نُعَد من العائلات ذات الثراء الفاحش في إيطاليا، ولم يكن يعيش في القصر معي سوى أمي وأختي. كنت لا أترك يوماً من عمري بدون عشيقةٍ وخمرٍ ومخدراتٍ منذ اللحظة التي أستيقظ فيها وحتى أنام؛ فأدمنت المخدرات بكل أصنافها وأنواعها، وكنت إذا رجعت القصر على هذه الحالة وأجد أمي أمامي أقوم بضربها ضرباً شديداً وأدخل إلى غرفتي وأنام، كان هذا حالي معها كل يومٍ تقريباً حتى أنها أصبحت تختبئ مني حتى أفيق. وكنت إذا خرجت من باب قصري بسيارتي الفارهة أجد عند باب القصر أكثر من عشرة فتياتٍ من أجمل الجميلات ينتظرنني ليركبن معي وأتسلى بمن يقع عليها الاختيار في ذلك اليوم ثم أستبدلها بأخرى في اليوم التالي، ومع ذلك لم أشعر بطعم السعادة يوماً حتى أنني كنت أشعر بضيقٍ شديدٍ يعتصر صدري، كنت عابس الوجه غليظاً شديد العصبية. خرجت في أحد الأيام إلى مقهىً في فترة الظهيرة ولم أرغب في اصطحاب أيٍ من الفتيات معي، واشتريت جريدةً وطلبت كوباً من القهوة وجلست أقرأ في المقهى على طريق المشاة، فإذا برجلٍ يقف بهدوءٍ خلف كتفي، وأنا لا ألتفت إليه، يسألني مبلغ مئة ليرةٍ ويقول أريدها دَيْناً أرجعه لك بعد شهر {والمئة ليرة إيطالية لا تساوي شيئاً يُذكر}، فأخرجتها من جيبي ورفعت يدي إلى الخلف وأعطيته ما طلب دون أن أنظر إليه وطلبت منه الانصراف؛ لأنني لا أحب المتسولين ولم أكن أطيق النظر إليهم. واستمريت على حالي هذا، وبعد شهرٍ تقريباً كنت في ذات المقهى أحتسي قهوتي كعادتي، وإذ بذلك الرجل يعود إليّ ويضع يده على كتفي مرةً أخرى فالتفتُ إليه؛ كان كبيراً ذا لحيةٍ بيضاء، قلت له: "ماذا تريد؟"، قال: "قد استلفت منك مبلغاً من المال، مئة ليرةٍ، قبل شهرٍ، ألا تذكر؟ وهذا هو المبلغ أرجعه إليك في الموعد"، وأخرج لي مئة ليرةٍ، قلت له بغضبٍ شديدٍ: "هل أنت مجنونٌ؟ أيها الغبي أنت تعلم أن من يأخذ هذا المبلغ الزهيد لا يرجعه ولو كان دَيْناً"، قال بكل ثباتٍ: "ولكن دِيني أمرني إذا أخذت أو استلفت شيئاً أن أرجعه مهما كان صغيراً"، سألته غاضباً: "وما دينك هذا؟"، رد باقتضابٍ: "الإسلام"، قلت له: "الإسلام؟! ولكن الإسلام دين قتلٍ وإراقة دماءٍ وإرهابٍ وتخلفٍ"، قال بهدوءٍ: "بل الإسلام منهج حياةٍ وطريق سعادةٍ لمن أحسن تطبيقه بطريقةٍ صحيحةٍ"، سمعت كلمة "سعادة" من ذلك الرجل الذي شابت لحيته ورَقَّ ثوبه وعلى وجهه ابتسامةٌ تمنيتها أن تكون لي، وقلت في نفسي: "لا بأس سأدفع مالي كله من أجل لحظةٍ أشعر بما يشعر به هذا المسكين من سعادةٍ ورضاً"، ورأيت في يده ورقةً مطويةً فسألته: "ما هذا الذي في يدك؟"، قال: "بعض الكلمات عن الإسلام"، فأخذتها من يده وقلت: "هل تسمح لي بقراءتها؟"، قال الرجل: "بل هي لك"، ثم ذهب ولم يلتفت إلي؛ فناديته ثم قلت له: "هل تسكن قريباً من هنا؟"، قال: "نعم"، قلت: "هذه المطوية صغيرةٌ جداً، أريد أكثر لأقرأ"، قال الرجل: "سأحضر لك كل يومٍ في هذا المكان مطويةً جديدةً عن الإسلام وأنت تشرب قهوتك". حرصت على ارتياد ذلك المقهى يومياً لأقرأ المطويات، وكان ذلك الرجل حريصاً على الحضور للمقهى بالمطوية في الوقت المحدد. بعد أن قرأت عشر مطوياتٍ تقريباً شرح الله صدري للإسلام، وأتيت للمركز الإسلامي، وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وغيرت اسمي إلى أحمد وبدأت أتعلم الدين الإسلامي وأطبق منهجه. لاحظت أمي التغير الذي حصل لي فقد صرت عندما أدخل القصر أذهب إلى غرفتي مباشرةً دون أن أضربها، بل وأصبحت أقبلها إذا رأيتها؛ فاستوقفتني مرةً وهي خائفةٌ حذرةٌ وسألتني: "ما الذي جرى لك يا بُني؟"، وهي ترى آثار لحيتي بدأت تظهر على وجهي، قلت: "ما بك يا أمي لماذا أنتِ خائفةٌ؟"، قالت: "كنتَ يا بني إذا دخلتَ إلى البيت تضربني والآن أنتَ تقبلني على يدي ورأسي، ولك أيامٌ على ذلك، فهل حصل لك شيءٌ؟"، قلت لها: "نعم، لقد دخلت في دين الإسلام"، قالت: "وهل يأمرك هذا الدين بتقبيلي؟"، قلت: "نعم، وأمرني بالإحسان إليك"، قالت أمي مباشرةً: "أريد أن أدخل في هذا الدين"، وأسلمت أمي ورفعت الصليب المعلق على حائط غرفتي ووضعت مكانه لفظ الجلالة. اشتريتُ مصحفاً مترجماً للغة الإيطالية ووضعتُه في غرفتي، وفي أحد الأيام وبينما أَهُم بالدخول إلى غرفتي إذا بي أُفاجأ بأختي قد دخلت وجلست وبين يديها المصحف المترجم تقرأه في ذهولٍ عجيبٍ، تركتُها ولم أُشعرها برؤيتي لها حتى أسلمت بنفسها دون أن أتكلم بكلمةٍ واحدةٍ. ومن العجائب التي حدثت لي أنه بمجرد أن أشهرت إسلامي واغتسلت وبدأت بتطبيق شعائر الإسلام ذهب عني إدماني للمخدرات فوراً بدون مستوصفاتٍ أو مستشفياتٍ أو عياداتٍ نفسيةٍ؛ فعلمت أن الإسلام يغسل ما قبله ويمسح كل ما فات؛ فزاد يقيني وتمسكي بالإيمان بالله. يقول أحمد غاضباً وبنبرة صوتٍ جادةٍ: لقد أضعتُ من عمري سنين في الملذات والشهوات والكفر بالله، وأعداء الدين ينصبون المكائد بأهل الإسلام ويحاربون دين الله ويثيرون الفتن ويفترون على الله الكذب، وإني أُشهد الله الذي لا إله إلا هو، وبما علمت من الحق، لأسلطن أموالي كلها وما بقي لي من عمرٍ لنشر هذا الدين في إيطاليا ولو كره الكافرون. يقول عبد الله أن ذلك كان آخر كلام أحمد معه قبل أن يفترقا، ويقول: أما أنا فقد تزوجت من فتاةٍ شابةٍ إيطاليةٍ من أصلٍ بوسنيٍ ولم يكن صعباً عليّ إقناعها بالالتزام؛ فقد كانت مهيأةً وتعرف بعضاً من اللغة العربية، ودأبنا على خدمة الدين حيث قمنا بإنشاء مركزٍ جديدٍ لتعليم الإسلام للصغار في إيطاليا عبر ما يُسمى دور رعاية الأطفال المسلمين، وكان الإقبال على المركز عظيماً حتى من الجاليات غير المسلمة! ثم أنجبنا ثلاثة أبناء وابنتين كلهم صاروا والحمد لله من حفظة كتاب الله تعالى.

هؤلاء (مسلمون جُدد) جذبهم إلى دين الإسلام، موقفٌ أو فعلٌ أو سلوكٌ أو تصرفٌ أو حتى كلمة. كان من الممكن أن نفتقدهم، هم وأمثالهم، لو لم يجدوا بالقرب منهم مسلمين يمتثلون لأمر الله سبحانه وتعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين﴾. كنا لنخسرهم لولا وجود مسلمين يسارعون إلى تنفيذ أمر الرسول عليه الصلاة والسلام: [بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً]، ويسعون إلى هداية الضالين لقوله صلى الله عليه وسلم: [فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ]. فليكن لنا فيهم أسوةٌ حسنةٌ، وليسعَ كلٌ منا، قدر ما يستطيع، إلى كسب مثل تلك النفوس الضالة ليكونوا مسلمين، وليتحولوا هم أنفسهم إلى دعاةٍ لغيرهم من قومهم وعشيرتهم، ولن يكون ذلك إلا بأن نتخلق كلنا جميعاً بأخلاق القرآن؛ فحين سُئلت السيدة عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآن".

أحبتي .. إنهم (مسلمون جُدد) فتح الله لهم أبواب الهداية فاهتدوا. أترك لكم استخلاص الدروس والعبر مما قرأتم، وأستأذنكم في الانصراف لأكفكف دموعاً ساخنةً انهمرت من عينيّ وأنا أَطَّلِع على أحوال هؤلاء المسلمين "الجدد"، ثم أتطلع إلى أحوالنا نحن المسلمين "القدامى" فأُصاب بالحسرة والأسى لأحوالنا وما وصلنا إليه من التهافت على الدنيا والاهتمام بسفاسف الأمور والبُعد عن شرع الله وكتابه الكريم وسُنة رسوله المصطفى، حتى تحول الكثير منا، إلا من رَحِمَ ربي، من داعين لدين الله بسلوكنا وأخلاقنا إلى مُنَفِّرين منه بأعمالنا وأفعالنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اللهم أصلح أحوالنا، ورُدَّنا إلى دِينك رداً جميلاً، واجعلنا ممن يدعون إلى الإسلام بكمال أخلاقهم وحُسن سلوكهم وصدق معاملاتهم، اللهم اجعل خُلُقَنا القرآن.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://goo.gl/7mb41H

الجمعة، 30 مارس 2018

الثبات الثبات يا عباد الله


الجمعة 30 مارس 2018م

خاطرة الجمعة /١٢٨
(الثبات الثبات يا عباد الله)

لم يتمالك الكثير منا نفسه عندما علا صوت الإمام وهو يقرأ في صلاة الفجر الآية رقم 94 من سورة النحل: ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، حين ظل الإمام يعيد ويكرر: ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ﴾ وصوته قد أُجهش بالبكاء، إذ بكثيرٍ من المصلين خلفه يبكون أو يتباكون استشعاراً منهم لمعاني هذه الكلمات من الآية الكريمة.
انتهت الصلاة، وكعادتنا نُتبع صلاة الفجر بممشى علمٍ يدور حديثنا فيه عن الآيات الكريمة التي يكون الإمام قد قرأها. وقفنا كثيراً عند معنى التعبير القرآني أن تزل قدمٌ بعد أن كانت ثابتةً، يا له من معنىً؛ فيه وصفٌ للإنسان المسلم الصالح مستقيم الحال عندما يقع في شرٍ عظيمٍ ويسقط فيه؛ لأن القدم إذا زلت نقلت الإنسان من حالِ خيرٍ إلى حالِ شرٍ والعياذ بالله.

أحبتي في الله .. تقول العرب لكل مبتلىً بعد عافيةٍ أو ساقطٍ في ورطةٍ: زلت قدمه؛ كقول الشاعر:   
سيمنع منك السبق إن كنت سابقاً
وتُقتل إن زلت بك القدمان
ويقول العلماء في معنى هذه العبارة القرآنية: ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ أي: تضلوا بعد أن كنتم على الهدى، وجاء التعبير عن هذا المعنى بهذه الصورة الحسية المعلومة للقاصي والداني، والعالم والجاهل؛ تعميقاً لقبح عاقبة الخداع بالعهود، حيث أن ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ﴾ تفيد صورة انزلاق القدم وسقوط صاحبها أرضاً، وهي صورةٌ مرئيةٌ محسوسةٌ، فكم رأينا ممن زلت أقدامهم فسقطوا أرضاً؟! كذلك هي صورةٌ واقعةٌ بنا نعرف طعم ألمها، فمن منا لم تنزلق قدمه في يومٍ من الأيام، ومن منا لم يذق ألم السقوط؟! ولأنها صورةٌ مُستحضَرةٌ في الذهن، ومستحضرةٌ في الشعور، فهي أدعى للتذكير والتحذير.

﴿بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ الزلل لا يكون إلا بعد الثبوت، فلماذا ذكر الثبوت؟ إن في ذكر الثبوت زيادةٌ في بيان قبح العاقبة، وبيانٌ للخسران الذي وقع لمن خدع في عهده، فإنه اختار الزلل على الثبات والأمان، وإشارةٌ إلى أن الوفاء بالعهود هو الثبات والحق.
﴿وَتَذُوقُوا السُّوءَ﴾، كلمة ﴿تَذُوقُوا﴾ أي: تحسوا به إحساساً عظيماً، و﴿السُّوء﴾ هو ما يسوء الإنسان ويؤلمه وينغص عليه صفو حياته، والمقصود به في هذه الآية ما يصيب العاصي في الدنيا، وذلك بدلالة الآية ﴿وَتَذُوقُوا السُّوءَ﴾ أي: في الدنيا ﴿وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أي: في الآخرة.

ولأن العبرة في آيات القرآن الكريم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فإن هذه الآية الكريمة مثلٌ وعبرةٌ لنا للثبات إذا حاول الشيطان أن يغوينا ويضلنا بعد إذ هدانا الله.

ولنا في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنةٌ في ثباته على الدين وثباته على المبدأ؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم في مسيرة دعوته وجهاده مثالاً ونموذجاً في الثّبات، فحفلت سيرته الطّاهرة بكثيرٍ من المواقف والأحداث التي دلّت على ذلك؛ ومن ذلك:
حصار كفّار قريش لبني هاشم، فاجتمعت قريش وبنو كنانة على حرب المسلمين من خلال مقاطعة بني هاشم في شعاب مكّة اقتصاديّاً واجتماعيّاً، حيث منعت النّاس من أن يبتاعوا أو يشتروا منهم، كما منعتهم من الزّواج منهم أو الاختلاط بهم، واستمرت تلك المقاطعة ما يقارب ثلاث سنوات، لكنّها لم تُلن من عزيمة النّبي عليه الصّلاة والسّلام وثباته، حيث استمر بالدّعوة إلى دين الله تعالى، وتبليغ الرّسالة لقبائل العرب في مواسم الحجّ.
كذلك رفضه عليه الصّلاة والسّلام لكلّ الإغراءات التي عرضها الكفّار عليه؛ كأن يصبح ملكاً سيّداً عليهم، أو أن يجمعوا له الأموال حتّى يكون أغنى رجلٍ منهم، وغير ذلك من الإغراءات.
وثباته عليه الصلاة والسلام في غزوة حُنين، ففيها تعرّض المسلمون إلى محنةٍ شديدةٍ وبلاءٍ عظيمٍ حينما تكالبت عليهم جموع الكفّار، وفي تلك المعركة أبدى النّبي عليه الصّلاة والسّلام ثباتاً مشهوداً حينما وقف يدعو المسلمين الفارّين من أرض المعركة إليه، ثمّ رفع صوته يستنفر المسلمين للالتفاف حوله قائلاً: [أنَا النَبيُّ لا كَذِبَ، أنا ابنُ عَبْدِ المُطَّلِب]، وكأنه يقول لهم: (الثبات الثبات يا عباد الله)، فاجتمع حوله المسلمون من جديدٍ ليعودوا إلى المعركة، وتميل الكفّة لصالحهم فيتحقّق لهم النّصر من عند الله تعالى.
وأيضاً ثباته صلى الله عليه وسلم أمام ما كان يتعرّض له من المكر والأذى، فحاول الكفّار أكثر من مرّةٍ أن يقتلوه، ومن ذلك محاولة أبي جهل الآثمة التي ارتدّ بعدها خائباً على عقبيه مرتعداً.

ومن قصص الثبات التي كلما تذكرتها نزلت عبراتٌ ساخنةٌ من عيني؛ ثبات ماشطة ابنة فرعون:
عَنِ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ‏‏قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي ‏‏أُسْرِيَ ‏‏بِي فِيهَا، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا ‏جِبْرِيلُ‏،‏ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ ‏‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ ‏‏وَأَوْلادِهَا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟ قَالَ: بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ ‏‏فِرْعَوْنَ ‏‏ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ سَقَطَتْ ‏‏الْمِدْرَى {هي حديدةٌ يُسوَّى بها شعر الرَّأس} مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ ‏ ‏فِرْعَوْنَ:‏ ‏أَبِي؟ قَالَتْ: لا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، قَالَتْ: أُخْبِرُهُ ‏‏بِذَلِكَ! قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَعَاهَا فَقَالَ: يَا فُلانَةُ؛ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ {بقرة من نحاس ربَّمَا كانت قِدراً كبيرةً واسعةً، فسماها بقرة، مأخوذاً من التَّبقُّر: التوسع، أو كان شيئاً يَسع بقَرةً تامَّةً بِتَوابِلِها فسمِّيت بذلك}، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ‏ ‏تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا، قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ، قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ: يَا ‏‏أُمَّهْ؛‏ ‏اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ]. ‏‏قَالَ ‏‏ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ‏"تَكَلَّمَ أَرْبَعَةُ صِغَارٍ: ‏‏عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ‏‏عَلَيْهِ السَّلام،‏ ‏وَصَاحِبُ ‏جُرَيْجٍ،‏ ‏وَشَاهِدُ ‏‏يُوسُفَ‏، ‏وَابْنُ ‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ".

وكذلك قصة أصحاب الأخدود وما فيها من شق المؤمن نصفين بالمنشار وهو ثابتٌ لا يتراجع عن دينه، وحرق المؤمنين أحياء في أخدودٍ أضرم الكفار فيه النار، وهم ثابتون على دينهم.
وثبات أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم خليل الرحمن أمام العديد من الابتلاءات حين أوقد قومه ناراً وألقوه فيها، وحينما ابتلاه الله سبحانه وتعالى برؤيا ذبحه لابنه إسماعيل.
وغير ذلك من مواقف الثبات على الحق لكل الأنبياء والرسل.

وللثبات على الحق عوامل كثيرةٌ من أهمها:
الدعاء؛ فإهمال الدعاء من أسباب الزيغ بعد الهدى، لأن الدعاء من عوامل الثبات على دين الله جل وعلا، قال تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾. وورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُكْثِرُ من قول: [يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ]، قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: [نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ].
ومن عوامل الثبات على دين الله قراءة القرآن العظيم؛ فالقرآن العظيم، من أعظم وسائل الثبات على دين الله، ولذا جعله الله سبحانه وتعالى مثبتاً لقلب النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نـزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا﴾ فقراءة القرآن بتأملٍ، وتدبرٍ، عاملٌ مهمٌ من عوامل الثبات على دين الله، وكلما ارتبط المؤمن بالقرآن، كان أكثر يقيناً وثباتاً.
ومن عوامل الثبات على دين الله أصدقاء الخير؛ لقوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.
ومن عوامل الثبات على دين الله، البعد عن محقـرات الذنوب؛ فإن من أهم أسباب الضلالة بعد الهدى، الاستهانة بالذنوب والمعاصي فاستهانة كثيرٍ من الناس بمحقرات الذنوب وصغارها يضعف الإيمان في القلب شيئاً فشيئاً، لذا قال صلى الله عليه وسلم: [إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى جَمَعُوا مَا أَنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذُ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكُهُ]. وعَنْ السيدة عَائِشَة رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: [يَا عَائِشَة إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوب فَإِنَّ لَهَا مِنْ اللَّه طَالِبًا].

أحبتي .. لولا ثبات الرسول عليه الصلاة والسلام وثبات أصحابه رضوان الله عليهم والتابعين ما وصلنا هذا الدين القيم كاملاً تاماً على الوجه الذي ارتضاه ربنا لنا؛ فعلى كلٍ منا أن يتأسى بهم ويسعى للثبات على دين الله؛ لأنه لا يأمن أحدٌ الفتنة خاصةً مع تتابع الفتن، ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: [بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً. أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً. يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا].

اللهم اجعلنا من أهل الثبات، واجعل صيحتنا (الثبات الثبات يا عباد الله) تصل إلى كل مسلمٍ فتزيده ثباتاً إلى ثباتٍ خوفاً من زلل الأقدام، وقانا اللهم وإياكم أن تزل أقدامنا بعد ثبوتها. اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://goo.gl/ZL1mbY

الجمعة، 23 مارس 2018

وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ


الجمعة 23 مارس 2018م

خاطرة الجمعة /١٢٧
(وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)

تروي صاحبة القصة حكايتها فتقول: حكايتي فيها مرارةٌ ما زلت أتجرع كأسها حتى اليوم؛ فأنا سيدةٌ تعديت الخامسة والستين، أنتمي إلى أسرةٍ عاديةٍ من أسر الأرياف حيث يرتبط الجَمِيع بعلاقات نسبٍ ومصاهرةٍ بين بعضهم. تعلمت في مدرسةٍ متوسطةٍ وكُنت أتمتع بقوة الشخصية والحضور والجرأة في التعامل. لاحظت أن شاباً من أسرةٍ ثريةٍ ينظُر إليّ بإعجابٍ ويحاول أن يتقرب مني، ثم جاءتنا والدته وخطبتني له؛ فظللت الفرحة بيتنا وأثنى أهلي على أسرته ووصفوهم بأنهم مثالٌ رائعٌ للطيبة والكرم وحسن الأخلاق، وعرفت أن خطيبي هو الابن الثاني لأبيه، حيث يكبره أخٌ واحدٌ بعامين، وأنه هو الذي يُدير ثروة أبيه من الأراضي الزراعية لِمَا يتمتع به من القوة والحزم، بعكس شقيقه الذي يغلب عليه الهدوء وعدم القدرة على مواجهة الآخرين. أقام والده لنا حفل زفافٍ كبيراً حضره أهل القرية والقرى المجاورة. انتقلت إلى ركنٍ خاصٍ بي في بيتهم الواسع، وتمتعت مع زوجي بكل شيءٍ ووجدت والدته سيدةً رائعةً وأباه رجلاً دمث الخلق وشقيقه شاباً سمحاً لا يتكلم كثيراً ولا يحتك بمن حوله، ولاحظت الرِّضا على الجميع بهذا الوضع، فهُم وحدةٌ واحدةٌ وقرارهُم واحدٌ. بعد مُضِي عامٍ على زواجنا أنجبت طفلاً جميلاً فانطلقت الزغاريد تُجَلجِل في أرجَاء البيت وعلت الابتسامة وجه حماي وحماتي وصار ابني هو شغلهما الشاغل. وذات يومٍ وفي أثناء تناول طعام الغداء فاتح حماي شقيق زوجي في مسألة الزواج الذي كان يؤجله باستمرار، فأطرق برأسه إلى الأرض قائلاً: «ربنا يسهل»؛ فكان رده علامةً على الموافقة، وحدثتني نفسي أن أختار له العروس التي سوف يتزوجها، وصارحت زوجي بما يدور في نفسي؛ وقلت له: «أنت الذي تدير أملاك أبيك؛ ومن حقك أن تنال في النهاية هذا الإرث، ثم يكون لأولادك من بعدك، ولو تزوج أخوك وأنجب سيحصل على نصف الميراث، وما دام أنه لا يُفكر في الإنجاب ووصلت الأمور إلى حد الضغط عليه من أجل الارتباط فسيوافق على من نختارها له»؛ اقتنع زوجي بكلامي وسألني عن الفتاة التي أرشحها له، فقلت له: «أنها ليست فتاةً؛ إنها سيدةٌ مطلقةٌ لم تمكث مع زوجها سوى عامٍ ونصف العام ثم طلقها لعدم الإنجاب، مع أنها جميلةٌ وتتمتع بالأخلاق الحميدة، علاوةً على روحها المرحة، وهي تقترب في صفاتها من صفات شقيقك، وقد اخترتها بالذات حتى لا تنجب وتكون تركة أبيك في النهاية لأولادك»؛ فوافقني على رأيي، وتوليت مسئولية إقناع حماتي بهذه العروس دون أن أفصح لها عن سبب طلاقها. ولم يتوقف شقيق زوجي عند مسألة طلاقها، إذ قال في نهاية جلستنا «توكلت على اللَّه» وخرج إلى المسجد لأداء صلاة العشاء. تم عقد القَرَان والزِّفاف في لقاءٍ عائليٍ بسيطٍ باعتبار العروس مطلقة. أحسست وقتها بنشوة الانتصار، وبأن خطتي للاستئثار بالميراث تمضي كما رسمتها، وعشنا معاً حياةً مستقرةً لم يُعَكِر صفوها شيءٌ، ومرض حماي ثم رحل عن الحياة، والتففنا حول حماتي، وازددنا ترابطاً، وأصبح شقيق زوجي هو رجل البيت باعتباره الأكبر سناً، لكن الأمور كلها ظلت بيد زوجي، ثم فوجئنا بما لم نكن نتوقعه إذ حملت زوجة شقيق زوجي؛ فأخذت أضرب كفاً بكفٍ وأسأل نفسي كيف تحمل وهي عاقِرٌ؛ لقد كان السبب في طلاقها هو عدم الإنجاب؟ ظللت أُطَمْئِن نفسي بأنه «حملٌ كاذبٌ». نعم ظَننتُ ذلك، ولكن شهور الحمل مرت بشكلٍ عاديٍ، وأنجبت ولدين في بطنٍ واحدةٍ، وعنفني زوجي على صنيعي؛ لأنه بإنجاب الولدين أصبح ما خططت له ووافقني عليه زوجي سراباً، كما أنني لم يكُن لديّ وقتها سوى ابني الوحيد الذي لم اُنجِب سِواه. كبر الوَلَدَان ابنا شقيق زوجي وكلما شاهدتهما أمامي يمر برأسي شريط الذكريات وما كنت أرتب له بعد رحيل الكبار حين تصبح الأرض كلها ملكاً لأولادي. ثم توالى إنجاب زوجة شقيق زوجي البنين والبنات، في حين توقف إنجابي تماماً، أدركت وقتها أنني أجني ثمار ما صنعت، وأن من يتخيل أنه قادرٌ على أن يفعل ما يريد واهمٌ؛ فالقادر هو اللَّه وحده، ونحن البشر مهما فعلنا فلن نُغَـير قدره سبحانه وتعالى. دارت السنون وصار الأولاد شباباً، وأصبحت أخاف على ابني من كل خطوةٍ يخطوها فأتتبعه وأسأل عنه، وكان لدينا جرارٌ زراعيٌ، يعمل عليه في أيام الإجازات الدراسية، وذات يومٍ أخذ ابني الجرار وذهب في طريقه إلى الحقل فصدمته سيارة نقلٍ مسرعةٍ، وجاءنا الخبر المُفجِع فأسرعنا به إلى المستشفى المركزي القريب منا، ثم إلى مستشفى شهيرٍ بالقاهرة، وظل في العناية المركزة ثلاثة أيامٍ ثم صعدت روحه إلى بارئها. دارت بي الأرض وغبت عن الوعي، وشخصُوا حالتي بأنها صدمةٌ عصبيةٌ شديدةٌ؛ فتلقيت علاجاً استمر مدةً طويلةً، ولما أفَقت وجدت زوجي قعيداً بعد إصابته بجلطةٍ في المُخ، ورأيت شقِيقه إلى جواره يبكي بمرارةٍ، أما أبناؤه فلم يغادروا حجرتنا، ولازمونا ليلاً ونهاراً، ولم أسمع منهم سوى كلمتي: «أبي» و«أمي» وهم ينادوننا أنا وزوجي. بعد أسابيع قليلةٍ مات زوجي ولم أجد بجواري سوى أبناء شقيقه الذين حاولت أن أمنع وجودهم في الحياة بالحيلة الدنيئة التي دبرتها لوالدهم للزواج من عاقر، فإذا باللَّه عز وجل يُخلف ظني، ويحدث ما حدث وأفقد ابني الوحيد ليؤول كل شيءٍ إلى أولاد شقيق زوجي الذين صاروا أولادي بالفعل بعد كل ما صنعُوه لي. ولقد أرَاد اللَّه أن أعيِش لأرى كل من حولي يرحلون من الدنيا واحداً بعد الآخر لكي أنَال العقاب الذي أستحقه في الدنيا؛ فلقد رحل شقيق زوجي، ثم رحلت زوجته. إنه سبحانه وتعالى علام الغيوب، وقد أراد لي أن أتعلم الدَّرس البليغ؛ بأنه سبحانه يفعل ما يشاء، وأن المَكرَ السَّيئ لا يحِيق إلا بأهلِه.

أحبتي في الله .. ورد ذكر المكر في القرآن الكريم في مواضع عدة، منها:
قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا﴾، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾، وقوله عز وجل: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا﴾. وكذلك قوله: ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾، وقوله سبحانه: ﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ﴾، وقوله عز وجل: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ﴾، وقوله: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾.
وعن المكر بالرسول عليه الصلاة والسلام؛ يقول تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾، ويقول سبحانه: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾، ويقول عز وجل: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾، ويقول: ﴿وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾.
ومحذراً من عقابه؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾، ومبيناً مآل المكر وعاقبة الماكرين؛ يقول: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾، ويقول: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾، ويقول: ﴿وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾، وموضحاً جزاء الماكرين يوم القيامة؛ يقول: ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾.
والمكر السيئ ناتجٌ عن ضعف الإيمان وخبث النفس ودناءة الخلق، ويؤدي إلى انطماس البصيرة، وفساد العمل، وصاحبه عقوبته عاجلةٌ غير آجلةٍ؛ قال تعالى: ﴿وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ . وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ . فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ﴾، فهذه سنته سبحانه مع الماكرين من البشر: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).

يقول أهل العلم أن المكر المضاف إلى الله جل وعلا والمسند إليه ليس كمكر المخلوقين، لأن مكر المخلوقين مذمومٌ، وأما المكر المضاف إلى الله سبحانه وتعالى فإنه محمودٌ، لأن مكر المخلوقين معناه الخداع والتضليل، وإيصال الأذى إلى من لا يستحقه، أما المكر من الله جل وعلا فإنه محمودٌ؛ لأنه إيصالٌ للعقوبة لمن يستحقها فهو عدلٌ ورحمةٌ‏. فلا يوصف الله تعالى بالمكر إلا مقيداً، ولا يوصف الله تعالى به وصفاً مطلقاً.
ومن الآيات التي أسند فيها المولى صفة المكر لنفسه: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، و﴿قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا﴾، و﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا﴾، ففي هذه الآيات، وغيرها، دليلٌ على أن لله مكراً.
ولا يوصف الله بالمكر على الإطلاق، فلا يجوز أن نقول: إن الله ماكرٌ، وإنما نذكر هذه الصفة في مقام المدح، مثل قوله تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾، وقوله: ﴿وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾.
وأما الخداع فهو كالمكر يُوصف الله تعالى به حين يكون مدحاً؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾.
أما مكر البشر فقد عرض لنا القرآن الكريم العديد من صوره وأشكاله: مكر قوم إبراهيم عليه السلام، مكر إخوة يوسف، مكر فرعون بقوم موسى، مكر بني إسرائيل بعيسى عليه السلام، مكر الكفار والمشركين بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. كذلك المكر بمؤمن آل فرعون، ومكر أصحاب الجنة الذين أقسموا ألا يدخلها عليهم يوم الحصاد مسكين، ومكر أصحاب السبت، وغيرها من قصص المكر والماكرين.

وكما حذرنا الله سبحانه وتعالى من المكر وبيَّن لنا عاقبة الماكرين، فإن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ينهانا عن المكر؛ فيقول: [لا تَمْكُرْ، وَلا تُعِنْ مَاكِرًا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ﴾].
الجزاء من جنس العمل، قاعدةٌ شرعيةٌ وسنةٌ كونيةٌ؛ فالمقابلة بالمثل عدلٌ، وسنةٌ يعامل الله بها خلقه، وشرع نتعامل به؛ مصداقاً لقوله عز وجل: ﴿جَزَاءً وِفَاقاً﴾، وقوله سبحانه: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾.
يقول الشاعر:
لكل شيءٍ آفةٌ من جنسه
حتى الحديدَ قضىٰ عليهِ المبردُ

أحبتي .. أختم بكلماتٍ طيباتٍ نقلاً عن عالمٍ جليلٍ، كتب يقول: ما أحوجنا إلى مراقبة الله واستشعار عظمته وقوته ومكره وغضبه من أعمال السوء وأخلاق السوء حتى نبتعد عن كل مساوئ الأخلاق ونستغل قدراتنا وطاقاتنا في مواجهة أعداء الأمة ومكرهم وخططهم التي يحيكونها وينفذونها عند ضعفنا وتفرقنا.. وليقف الجميع صفاً واحداً ضد كل من يحاول الإفساد والمكر والخداع؛ ففي ذلك النجاة والحياة الطيبة للجميع.. ذلك أن عاقبة المكر وآثاره لن تستثني أحداً سواءً كانوا أصحاب المكر أو الساكتين عنهم أو الراضين بهم، ولن تُكتب النجاة إلا لأصحاب الحق والخير قال تعالى: ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.
إن علينا أن نحذر مكر الله، ومن يأمن مكره وغضبه، وهو قائمٌ على المعاصي والذنوب، يكون قد ارتكب كبيرةً من الكبائر يحتاج إلى توبةٍ نصوحٍ وعليه أن يراجع إيمانه بالله؛ فلا يغتر أحدنا بعمله مهما كان، ولا يغتر بحلم الله عليه وهو مفرطٌ في غفلته ومقصرٌ في واجباته.. فبعض الناس يعطيه الله الكثير من النعم، وهو قائمٌ على المعاصي والذنوب ومقصرٌ في واجباته، فيعتقد أنها دلالةٌ على حب الله له ورضاه عنه.. كلا.. هذا استدراجٌ من الله.. فلا تأمن مكره؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ . أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ . أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ . أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
فلنتأمل سنة الله في خلقه التي لا تتبدل ولا تتحول؛ يقول تعالى: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ لنتبين أن هذه القاعدة القرآنية (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) قاعدةٌ مطردةٌ ثابتةٌ مستقرةٌ تتكرر في كل زمانٍ ومكانٍ، فهل من متعظٍ؟

اللهم احفظنا من المكر، واكفنا تدبير الماكرين، وامكر لنا لتقينا شر الطغاة الظالمين، وباعد بيننا وبين ما قد يزينه لنا الشيطان من المكر بالآخرين.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://goo.gl/zoKXKF

الجمعة، 16 مارس 2018

المساواة أم العدل؟


الجمعة 16 مارس 2018م

الخاطرة /١٢٦
(المساواة أم العدل؟)

وصفها مقدم البرنامج الحواري في إحدى القنوات الفضائية بأنها ناشطةٌ حقوقيةٌ ورائدةٌ في الدفاع عن حقوق المرأة، كانت تتكلم بحماسةٍ كأنها تقاتل في ميدان معركةٍ، صورتها تملأ شاشة التلفاز، وصوتها أعلى من صوت كلٍ من مقدم البرنامج وضيفه الآخر. كانت تطالب بالمساواة بين المرأة والرجل!
واضحٌ من اسمها أنها مسلمةٌ، أما مظهرها ولبسها وما تنادي به من أفكار فهو أبعد ما يكون عن الإسلام! رددت كثيراً عباراتٍ مثل: نحن الآن في القرن الحادي والعشرين، آن للمرأة أن تسترد حريتها، نرفض أن نعيش في مجتمعٍ رجعيٍ متخلفٍ، نطالب بتجديد الخطاب الديني، انظروا للعالم من حولنا، حركتنا تنويرية تحارب الظلامية والتطرف. وأنهت حديثها بالمطالبة بالمساواة الكاملة للمرأة بالرجل في كل شيء: في الميراث، في الاختلاط، في السفر بغير محرمٍ، في لبس ما ترغب من الثياب، في تقلد الوظائف القيادية، في العمل بالقوات المسلحة. وقالت إن لم يصدر تشريعٌ بتجريم تعدد الزوجات فلن يكون أمامنا إلا المطالبة بتعدد الأزواج! مؤكدةً أن المرأة مخلوقٌ كاملٌ غير ناقصٍ، وأنها إن كانت تطالب بالمساواة فهي لا تطالب سوى بالعدل!
بدا مقدم البرنامج سعيداً ربما لأنه يقدم سبقاً إعلامياً، أو لأن برنامجه سيحقق نسبة مشاهدة أعلى فيزيد دخل قناته التلفزيونية من الإعلانات!
أما ضيف البرنامج، وهو رجلٌ وقورٌ؛ فقد بدأ حديثه من حيث انتهت فسألها بهدوء: "تطالبين بالعدل؛ فأي عدلٍ تريدين؟ عدل الناس أم عدل الله؟"، ردت بسرعة: "عدل الله طبعاً، وهل يختلف عن عدل الناس؟"، قال لها سأروي لك حكايةً قصيرةً تبين لك الفرق بين عدل الناس وعدل الله"، قال: "يُروى أن أحد الصالحين حضر إلى مجلس إمام مسجد كان عنده ضيوفٌ، فأحضر الإمام تمراً، وطلب منه أن يقسمه بين الحضور؛ فقال الرجل الصالح لإمام المسجد: أأقسمه كقسمةِ الناسِ أم كقسمةِ الله؟!، فقال له الإمام: اقسمه كقسمةِ الناس؛ فأخذ طبق التمر، وأعطى كل واحدٍ من الحضور ثلاث تمراتٍ، ووضع بقية الطبق أمام الإمام. فقال الإمام عندها: اقسمه كقسمة الله، فجمع الرجل التمر، وأعطى الأول تمرةً، والثاني حفنةً، والثالث لا شيء، والرابع ملأ حجره، فضحك الحاضرون طويلاً". قال الضيف الوقور: "لقد أراد الرجل الصالح أن يقول لهم إن لله حكمةً في كل شيءٍ، وإن أجمل ما في الحياة التفاوت، لو أُعطي الناس كلهم المال لم يعد له قيمةٌ، ولو أُعطوا كلهم الصحة ما كان للصحة قيمةٌ، ولو أُعطوا كلهم العلم ما كان للعلم قيمةٌ. فسِرُّ الحياة أن يُكمل الناس بعضهم بعضاً، وأن لله حكمةً حين يختص الذكور بأشياء لا يختص بها الإناث، تماماً كما أن له حكمةً في أن يختص الإناث بأشياء لا يختص بها الذكور؛ فقد خلق الله الإناث لوظائف غير تلك التي خلق الرجال لها، وهيأهن لذلك؛ يقول المولى عز وجل: ﴿ولَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى﴾، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ]، والمرأة العاقلة تفهم ذلك وترضى بقسمة الله لأنها عين العدل، بل وتسعد بها".
لم تكن لديّ الرغبة في الاستمرار في مشاهدة البرنامج حتى نهايته؛ لكني توقفت عند فهم بعض الناس للعدل على أنه هو المساواة المطلقة.

أحبتي .. يُعَرَّف العدل في اللغة بأنه نقيض الجَوْر وضدُّه، وهو ما قام في النفوس أنه مستقيم. أما في الاصطلاح الشرعي فالعدل هو وَضْعُ الشَّيء في موضعه الذي أمَر الله تعالى أن يُوضع فيه. وبعبارةٍ أُخرى: هو موازنة بين الأطراف بحيث يُعطى كلٌّ منهم حقَّه دون بَخْسٍ ولا جَوْرٍ عليه.
والعدل من أسماء الله عز وجل؛ فهو سبحانه الّذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم.
وإذا التفتنا إلى العدل الإلهي في توزيع النعم على البشر لارتحنا من كثيرٍ من أمراض القلوب مثل العين والحسد والحقد التي تؤذي صاحبها قبل أي شخصٍ آخر. إن راحة البال والسعادة هي في التسليم المطلق بعدل الله سبحانه وتعالى، والرضا بما قسمه لنا؛ فلا نمد أعيننا لما عند الآخرين، فنخسر الإحساس بالسعادة لما لدينا، ثم لا ننال ما لديهم لأنه ببساطة ليس مقسوماً لنا، وربما كان ما لدى الآخرين فتنةً لهم جنبنا الله بفضله وكرمه إياها؛ يقول تعالى: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.
ليس علينا أن نشتكي إذا حرمنا الله، لأن الله سبحانه وتعالى إذا أعطانا فقد أعطانا مما هو له، وإذا حرمنا فقد حرمنا مما ليس لنا. ولو نظرنا إلى الحياة لوجدناها غير متساويةٍ، لهذا نعتقد أن فيها إجحافاً، ولكن هناك ما هو أسمى من المساواة، إنه العدل، والله عادلٌ، يوزع بالعدل لا بالمساواة، لأن المساواة تحمل في طياتها ظلماً أحياناً، ونحن كبشرٍ لا نعرف على وجه اليقين ما ينفعنا وما يضرنا، لا نعرف أيهما أفضل لنا (المساواة أم العدل؟) فتلك مشيئته سبحانه؛ يقول تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾.

والعدل هو تقسيم الحقوق مع مراعاة الفروق، وهو ليس مرادفاً للمساواة، بل لم يأتِ في القرآن أبداً‏ أمرٌ‏ من الله بالمساواة، ولكن تكرر الأمر بالعدل؛ قال تعالى‏:‏ ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ‏﴾‏‏، وقال سبحانه: ‏﴿‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً‏﴾.
يقول أهل العلم أن من قال‏‏ إن دين الإسلام دين المساواة‏ فقد أخطأ، بل هو دين العدل، لهذا كان أكثر ما جاء في القرآن نفي المساواة؛ قال تعالى‏:‏ ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ﴾، ‏﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏﴾، وقال سبحانه: ‏﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ‏﴾‏، وقال عز وجل: ‏﴿لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ‏﴾‏، وقال: ‏﴿لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ﴾‏؛ فلم يأتِ حرفٌ واحدٌ في القرآن الكريم يأمر بالمساواة أبداً، إنما يأمر بالعدل‏.‏ فالمساواة لا تعني العدل دائماً، والعدل لا يعني المساواة في كل الحالات؛ فمن الممكن أن تكون المساواة سبباً في تحقيق الظلم، ومن الممكن أن يكون التمييز والتفرقة بين الناس وعدم المساواة بينهم هو العدل في أسمى معانيه؛ فمن العدل أن يُكلف الشخص بما في حدود استطاعته وبما يتناسب وقدراته وإمكاناته، ومن الظلم أن يُحمل فوق ما يحتمل؛ قال تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾.
فعندما أعطى الإسلام ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ في الميراث فقد حقق العدل مع أنه لا توجد مساواةٌ، وعندما أمر الرجل والمرأة بالصلاة خمس مراتٍ في اليوم فقد حقق العدل بالمساواة بينهما، وعندما سمح الإسلام للمسافر بالجمع في الصلاة وأباح للمصلي أن يصلي جالساً أو على جنبه فقد ساوى في الأجر والثواب بينهم. فالمساواة عدلٌ بين من تتشابه خصائصهم وظروفهم، وهي جوْرٌ وإجحافٌ وظلمٌ حين يكون هناك تفاوت واختلاف وفروق بينهم في القدرات الجسدية أو الحسية أو الظروف الزمانية أو المكانية؛ فعندما يساوي المعلم في الدرجة بين الطالب المجتهد والطالب الكسول المهمل فهذا ظلمٌ، ولو لم يساوِ الأب في المصروف اليومي بين ابنه التلميذ بالمرحلة الابتدائية وابنه الطالب في الجامعة فإنه يكون قد حقق العدل. إنها إذن المفاضلة (المساواة أم العدل؟)، والتي لا تحسمها سوى الخبرة والحكمة؛ وكفى بالله خبيراً وكفى به بصيراً وحكيماً وعليماً ﴿إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾.

يقول العلماء أن الإسلام قد كرم المرأة تكريماً عظيماً:
كرمها أُمّاً يجب برها وطاعتها والإحسان إليها، وجعل رضاها من رضا الله تعالى، وأخبر أن الجنة عند قدميها، أي أن أقرب طريق إلى الجنة يكون عن طريقها، وحرم عقوقها وإغضابها ولو بمجرد التأفف، وجعل حقها أعظم من حق الوالد، وأكد العناية بها في حال كبرها وضعفها، وكل ذلك في نصوص عديدةٍ من القرآن والسنة؛ فجعل البر بها في درجةٍ أعلى من درجة الجهاد في سبيل الله؛ فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَ: [وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟]، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: [ارْجِعْ فَبَرَّهَا]. وقال: [وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ] وفي رواية: [فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا]. كما ميز الإسلام الأم عن الأب في المعاملة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: [أُمُّكَ]، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: [ثُمَّ أُمُّكَ]، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: [ثُمَّ أُمُّكَ]، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: [ثُمَّ أَبُوكَ].
وجعل من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها إذا احتاجت إلى النفقة، ما دام قادراً مستطيعاً.
وكرم الإسلام المرأة زوجةً، فأوصى بها الأزواج خيراً، وأمر بالإحسان في عشرتها، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شؤون الأسرة، وبيَّن أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملاً مع زوجته، وحرم أخذ مالها بغير رضاها، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، وقوله: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: [اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا].
وقوله صلى الله عليه وسلم: [خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي].
وكرم المرأة بنتاً، فحث على تربيتها وتعليمها، وجعل لتربية البنات أجراً عظيماً، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ]، وقوله: [مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]، وقوله: من جِدَته أي من غناه.
وكرم الإسلام المرأة أختاً وعمةً وخالةً، فأمر بصلة الرحم، وحث على ذلك، وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ].
وعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: [قال اللَّهُ تعالى – عن الرحم-: {مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ}].
وقد تجتمع هذه الأوجه في المرأة الواحدة، فتكون أُماً وزوجةً وبنتاً وأختاً وعمةً وخالةً، فينالها التكريم من هذه الأوجه مجتمعةً.
فالإسلام رفع من شأن المرأة، وساوى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام، فهي مأمورةٌ مثله بالإيمان والطاعة، ومساويةٌ له في جزاء الآخرة، ولها حق التعبير، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله، ولها حق التملك، تبيع وتشتري، وترث، وتتصدق وتهب، ولا يجوز لأحدٍ أن يأخذ مالها بغير رضاها، ولها حق الحياة الكريمة، لا يُعتدى عليها، ولا تُظلم. ولها حق التعليم، بل يجب أن تتعلم ما تحتاجه في دينها.

أحبتي .. هذه حقوق المرأة في الإسلام، واضحةً جليةً لا تترك المسلم حيراناً أمام السؤال: (المساواة أم العدل؟)، بل ربما تجعل من ينادون بالمساواة بين المرأة والرجل يدركون أن الإسلام قد أعطى المرأة بالعدل أكثر بكثيرٍ مما كانت ستحصل عليه بالمساواة.

اللهم اهدنا إلى الطريق القويم والصراط المستقيم، والعمل بكتابك وشرعك العظيم.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://goo.gl/S56q8r