الجمعة، 7 أبريل 2017

المشاؤون في الظلَم

الجمعة 7 إبريل 2017م

خاطرة الجمعة /٧٨
(المشاؤون في الظلَم)

يُحكى أن معلماً كان يتحدث عن صلاة الفجر بأسلوبٍ شيقٍ يتلاءم مع سن تلاميذه الصغار بالصف الثالث الابتدائي؛ فتكلم عن فضل هذه الصلاة وأهميتها، تأثر بحديثه تلميذٌ لم يسبق له أن صلى الفجر، لا هو ولا أحدٌ من أهله. وعندما عاد التلميذ إلى المنزل أخذ يفكر كيف يمكن أن يستيقظ لصلاة الفجر في اليوم التالي. لم يجد حلاً سوى أن يبقى طوال الليل مستيقظاً حتى يتمكن من أداء الصلاة. وبالفعل نفذ ما فكر به. وعندما سمع الأذان. انطلق لأداء الصلاة، لكنه واجه مشكلةً لم يكن قد استعد لها: المسجد بعيد، والطريق إليه مظلمٌ موحش، وصوت الكلاب مرعبٌ مخيف، ولا يستطيع الذهاب وحده؛ فجلس أمام باب بيته يبكي. فجأةً سمع صوت وقع أقدامٍ في الشارع. رفع رأسه يستطلع الأمر فإذا بجارهم الشيخ العجوز يمشي متجهاً إلى المسجد وجهه مضيء كالقمر، فتسلل خلفه بهدوءٍ حتى لا يشعر به فيخبر أهله، فربما عاقبوه لخروجه من البيت بغير إذنٍ وفي هذا الوقت المتأخر من الليل، إنهم يحسبونه نائماً في غرفته على فراشه الدافئ الوثير! استمر الحال على هذا المنوال، إلى أن جاء يومٌ علم فيه الطفل الصغير بوفاة جاره الشيخ العجوز فبكى بحرقةٍ وحرارةٍ استغرب لها والده فسأله: "يا بني لماذا تبكي على جارنا المتوفى هكذا وهو ليس في سنك لتلعب معه وليس قريبك فتفتقده؟"، نظر الطفل إلى أبيه بعيونٍ دامعةٍ ونظرات حزنٍ وقال له: "أنا لم أفتقده من أجل ما تقول، أنا أفتقده من أجل الصلاة، صلاة الفجر". ثم استطرد وهو يبتلع عبراته: "لماذا يا أبي لا تصلي الفجر؟ لماذا يا أبتي لا تكون مثل ذلك الرجل ومثل الكثير من الرجال الذين رأيتُهم؟". قال الأب: "أين رأيتَهم؟"، فقال الطفل: "في المسجد". قال الأب: "متى؟"، فحكى الطفل حكايته لأبيه، تأثر الأب من ابنه واقشعر جلده وكادت دموعه أن تسقط؛ فاحتضن ابنه، ومنذ ذلك اليوم لم يترك الأب صلاةً إلا وصلاها في المسجد مصطحباً معه ابنه الصغير. هذا الطفل رغم صغر سنه إلا أنه اختار لنفسه أن يكون من (المشائين في الظلَم).

تذكرت هذه القصة ونحن عائدون يوماً من المسجد بعد أداء صلاة الفجر، فإذا بجارٍ لنا خارجٍ من منزله يمشي في اتجاهنا، حيانا، فرددنا تحيته بأحسن منها، وسأله واحدٌ منا، وهو صديقٌ له، عن مقصده، فقال أنه ذاهب إلى العمل، فسأله صديقه: "هل صليت الفجر؟"، رد باقتضاب: "لا، تعلم أني لا أصلي، أدعُ لي الله أن يهديني للصلاة". قال صديقه: "إذن عُد إلى بيتك ولا تذهب للعمل". فتعجب الجار وسأل: "لماذا؟"، رد عليه صديقه: "لأني كما سأدعو لك الله سبحانه وتعالى أن يهديك للصلاة، سأدعوه أن يرزقك"!
هكذا بعض الناس .. يسعون إلى رزقهم وينسون الرازق فلا يسعون إليه، يحرصون على مواعيد العمل لا يتأخرون عنها دقيقةً واحدةً ولا يهتمون بمواعيد الصلاة، وإذا اهتموا صلوها في غير أوقاتها! ومن الناس من يسهرون إلى قبل وقت صلاة الفجر بقليلٍ يشاهدون مباراةً أو فيلماً ثم يغلقون التلفاز ويدخلون إلى مخادعهم للنوم وهم يسمعون مكبرات الصوت من المساجد القريبة وصوت المؤذن ينادي من خلالها بأن الصلاة خيرٌ من النوم!

أحبتي في الله .. لعظم صلاة الفجر أقسم الله سبحانه وتعالى بوقتها فقال: ﴿وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾. وقال تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾.
وعدَّد أحد الصالحين الفوائد من صلاة الفجر فرأى أنها عشر فوائد:
الفائدة الأولى: الدخول في ذمَّة الله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَن صلَّى الصبح، فهو في ذمة الله].
 الفائدة الثانية: أجر قيام الليل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَن صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلَّى الليلَ كلَّه].
الفائدة الثالثة: براءةٌ من النفاق؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما، لأتَوهما ولو حبواً، ولقد هممتُ أن آمُرَ المؤذِّن فيُقيم، ثم آخُذَ شُعلاً من النار، فأحرِّقَ على من لا يخرج إلى الصلاة بعد].
 الفائدة الرابعة: النور التام يوم القيامة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: [بشِّرِ المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة].
الفائدة الخامسة: شهود الملائكة له وثناؤهم عليه عند الله سبحانه وتعالى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل، وملائكةٌ بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرُجُ الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربُّهم - وهو أعلم بهم -: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلون].
الفائدة السادسة: أجر حجةٍ وعمرةٍ إذا ذكر الله سبحانه وتعالى حتى تطلع الشمس؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَن صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجةٍ وعمرةٍ تامةٍ، تامةٍ، تامة].
الفائدة السابعة: غنيمةٌ لا تعدلها غنائم الدنيا؛ عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعثًا قِبَلَ نجدٍ، فغنموا غنائم كثيرة، فأسرعوا الرجعة، فقال رجلٌ ممن لم يخرج: ما رأينا بعثًا أسرع رجعةً، ولا أفضل غنيمةً من هذا البعث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ألا أدلُّكم على قومٍ أفضل غنيمةً، وأسرع رجعة؟ قومٍ شهدوا الصبح، ثم جلسوا يذكرون الله حتى طلعت عليهم الشمس، فأولئك أسرع رجعةً، وأفضل غنيمةً].
الفائدة الثامنة: فضل اغتنام سنة الفجر؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها].
الفائدة التاسعة: النجاة من النار، والبشارة بدخول الجنة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لن يلج النارَ أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها].
الفائدة العاشرة: الفوز برؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة (وهي أعظم الفوائد)؛ عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: [أمَا إنكم سترَون ربَّكم كما ترَون هذا القمر، لا تُضَامُّون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا].

أما من يقولون أنه يصعب عليهم الاستيقاظ لصلاة الفجر، فإني أسوق إليهم هذه القصة عن جنود من الكتيبة الصينية التي شاركت في حرب الخليج بشمال المملكة العربية السعودية، أسلم عددٌ منهم وكانت المشكلة التي واجهتهم هي الاستيقاظ لصلاة الفجر؛ فعندما علم قادتهم بتجمعهم في خيمةٍ واحدة ليتناوبوا السهر كي لا تفوتهم صلاة الفجر فرقوهم بين الخيام، فأخذ كلٌ منهم ساعته المنبهة معه لكنها صودرت منه، وكلما وجدوا طريقةً للاستيقاظ قبيل الفجر لأداء الصلاة في وقتها حاربهم هؤلاء القادة وسدوا عليهم المنافذ والأبواب، لكنهم توصلوا، بفضل الله ثم بإخلاصهم وإصرارهم على أن يكونوا من (المشائين في الظلَم)، لطريقةٍ رائعةٍ للاستيقاظ! اتفقوا على أن يشرب كل واحدٍ منهم كمياتٍ كبيرةً من الماء قبيل النوم لكي يستيقظ للذهاب للخلاء ومن ثم ينظر إلى ساعته ويعلم كم بقي من الزمن لصلاة الفجر فإن قارب الوقت انتظر وصلى وإلا شرب كميةً أخرى من الماء، ومع تكرار التجربة مراراً قدَّر هؤلاء الكميات المناسبة التي تجعلهم يستيقظون في وقتٍ يكاد يقترب من وقت الفجر، وصار كلٌ منهم يؤدي صلاة الفجر في وقتها! هؤلاء حديثو العهد بالإسلام بلغ حبه في قلوبهم هذه الدرجة، فأين نحن من هؤلاء؟

يعتقد النائم عن صلاة الفجر أنه سيأخذ القدر الكافي من الراحة وما علم المسكين بقدر راحة تلك القلوب التي فازت بالوقوف لدقائق بين يدي علام الغيوب. إذا كنت تنام متى شئت وتقوم متى شئت دون أي مراعاة للصلاة في وقتها فستبقى في دائرة الأحزان، مادامت الصلاة ليست في دائرة اهتمامك. الغريب أن بعض الآباء والأمهات يختلقون أعذاراً لأبنائهم فلا يوقظونهم لصلاة الفجر بحجة أنهم لم يأخذوا قسطاً من الراحة أو أنهم يجهدون أنفسهم في المذاكرة أو لأي سبب آخر. قالت متصلةٌ بالهاتف لأحد الشيوخ ضيف برنامجٍ دينيٍ في قناةٍ فضائية أنها تحاول أن توقظ ابنها للصلاة ولا يستجيب، سألها الشيخ: "ماذا تفعلين لو شبت نارٌ في البيت؟"، قالت: "أوقظه بكل طريقةٍ ممكنة ولو بإلقاء الماء على وجهه". قال الشيخ: "تخافين عليه من نار الدنيا ولا تخافين عليه من نار الآخرة"!

أحبتي .. أهل الفجر (المشاؤون في الظلَم) فئةٌ موفقةٌ وجوههم مسفرةٌ وجباههم مضيئةٌ مشرقة، وأوقاتهم مباركة، فإن كنت منهم فاحمد الله على فضله، واسأل لنفسك الثبات. وإن لم تكن منهم فادعُ الله مخلصاً أن يجعلك منهم، قل دائماً: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء﴾، واصدُق اللهَ في حرصك، وخُذ بالأسباب المعينة على الاستيقاظ؛ فمَن صَدَق اللهَ، صَدَقه اللهُ وأعانه؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾، ولا تحرم زوجك وأبناءك هذا الثواب العظيم، والتزم بما أمرك الله به: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾، وكن حنوناً ودوداً رؤوفاً صابراً عليهم. اغرس في نفوس أبنائك حب الله؛ وعلمهم أن الإنسان منا إذا أحب شخصاً حباً صادقاً أحب لقاءه، وأخذ يفكر كل وقته في محبوبه، وكلما اقتربت لحظة اللقاء لم يستطع صبراً على لقائه .. فهل حقاً أولئك الذين يتكاسلون عن صلاة الفجر يحبون الله؟
ما أجمل الفجر؛ فريضته تجعلك في ذمة الله، وسنته خيرٌ من الدنيا وما فيها، وقرآنه مشهود. وما أروع صلاة الفجر مع جماعة المسلمين في المسجد، حين يواظب عليها كل المسلمين؛ حينها فقط يكون النصر ويكون التمكين وتكون الرفعة والعزة، لقد فطن أعداء الإسلام لهذا الأمر فقال قادتهم: "لن تستطيعوا أن تنتصروا علينا حتى يكون عدد المصلين في صلاة الفجر كعدد المصلين في صلاة الجمعة".

أحبتي .. علينا أن ننظم أوقاتنا حسب أوامر ربنا، لا أن ننظم أوامر الله حسب هوانا، وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾، وقال: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾.
اللهم باعد بيننا وبين هوى النفس، واجعلنا من أهل الفجر، من (المشائين في الظلَم)، واجعلنا في ذمتك وحمايتك ورعايتك وعنايتك؛ فكما قال الشاعر:
وإذا العناية لاحظتك عيونها   ***    نم فالمخاوف كلهن أمانُ
فاستمسك بحبل الله معتصماً  *** فإنه الركن إن خانتك أركانُ
اللهم احفظنا بحفظك وكن لنا مُعيناً ومؤيداً وناصراً وكافياً، وتقبل اللهم منا، واجعلنا من أصحاب النور التام يوم القيامة كما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم.


http://goo.gl/1aBKsn

الجمعة، 31 مارس 2017

فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ

الجمعة 31 مارس 2017م

خاطرة الجمعة/ ٧٧
(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)

في محادثةٍ هاتفيةٍ تمت منذ عدة أيام واستمرت قرابة أربعين دقيقة، مع صديقٍ عزيزٍ عليّ له منزلةٌ كبيرةٌ في نفسي، عاتب محدثي من يضيعون أوقاتهم وجهودهم في الكتابة في موضوعات تستهدف تنمية الجانب المعرفي لدى القراء ويبقى دورها محدوداً في تغيير سلوكهم. وتمنى لو تُوجه كل الجهود وتُسخر كل الطاقات من أجل هدفٍ أساسيٍ هو إعادة صياغة شخصية الفرد المسلم حتى لا تستمر حالة الانفصام التي نعايشها ونلمس تداعياتها كل يوم لأشخاص مسلمين يلتزمون بمظاهر الدين دون جوهره، يحرصون على الشكل دون الاهتمام بالمضمون. حدثني بمرارة عن انتشار الفساد والرشوة والسرقة والإدمان والعقوق والنفاق وغلبة القيم المادية وانتشار الرذيلة وغير ذلك من سلوكيات سلبية. وأنهى حديثه بأنه يرى أن على المثقفين والمفكرين وأصحاب الرأي خاصةً العلماء ورجال الدين أن يعيدوا ضبط بوصلتهم لانتشال الناس من هذا المستنقع بالتركيز على كل ما من شأنه أن يغير في السلوك بحيث يبتعد كل فرد في المجتمع عن السلبية والأنانية والعيش كجزيرة منعزلة ويتحول ليصبح مواطناً صالحاً إيجابياً نحو نفسه ونحو غيره ونحو مجتمعه يتوافق سلوكه مع قيم ديننا الإسلامي الحنيف.

أحبتي في الله .. أغرتني هذه المحادثة الهاتفية على البحث عن معنى الإيجابية ومفهومها باعتبارها قيمةً تسهم في تغيير سلوك الأفراد نحو الأحسن فيكون في ذلك نفعٌ لهم ولمجتمعهم.
فما هي الإيجابية؟ يُعرِّف علماؤنا المتخصصون في علم الاجتماع وعلم النفس الإيجابية بأنها حالةٌ في النفس تجعل صاحبها مهموماً بأمر ما، ويرى أنه مسئول عنه تجاه الآخرين، ولا يألو جهداً في العمل له والسعي من أجله. والإيجابية تحمل معاني التجاوب، والتفاعل، والعطاء. فالشخص الإيجابي هو الشخص المتحرك المتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه. كما يعرفها بعضهم بأنها اتخاذ الوضع الأفضل في الظرف الأسوأ؛ فتكون بذلك سلوكاً فاعلاً نحو الإصلاح. وعكس الإيجابية تكون السلبية: وهي تحمل معاني التقوقع، والانزواء، والبلادة، والانغلاق، والكسل؛ فالشخص السلبي بليد، يدور حول نفسه، لا تتجاوز اهتماماته أرنبة أنفه، ولا يمد يده ليساعد الآخرين، ولا يخطو إلى الأمام. وهذا عبءٌ على المجتمع؛ لأن النظرة التشاؤمية هي الغالبة عليه في كافة تصرفاته، تجده ضعيف الفاعلية في كافة مجالات الحياة، لا يرى للنجاح معنىً، ولا يؤمن بأن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، فلا تجد عنده همة الخطوة الأولى، ولهذا لا يتقدم ولا يحرك ساكناً، وإن فعل في مرةٍ يتوقف مئات المرات، يتعلل دوماً بالحجج الواهية والأعذار الواهية، وهو دائم الشكوى والاعتراض والعتاب والنقد الهدام. إن السلبية هي أخطر آفةٍ يصاب بها الفرد أو المجتمع، بينما الإيجابية هي أهم وسيلة لنهضة الأمم؛ فالنهضة يصنعها أفرادٌ إيجابيون مميزون يتمتعون بالأفكار الطموحة والإرادة الكبيرة. والشخص الإيجابي يرى أن كل مشكلةٍ لها حل والسلبي يرى مشكلةً في كل حل، الإيجابي لا تنضب أفكاره والسلبي لا تنضب أعذاره، الإيجابي يرى في العمل أملاً والسلبي يرى في العمل ألماً، الإيجابي يصنع الأحداث والسلبي تصنعه الأحداث، الإيجابي يتطلع للمستقبل والسلبي يخاف المستقبل، الإيجابي يمثل قيمةً مضافةً إلى هذه الدنيا أما السلبي فهو يخصم منها.

هذا ما قاله علماؤنا المتخصصون، أما شيوخنا الأجلاء فيقولون أن الإيجابية أصلٌ عظيمٌ من أصول الإسلام، وهى ميزةٌ عظيمةٌ ميز الله تعالى بها المسلم، فالإسلام يدعو إلى إيجابية الفرد نحو نفسه ونحو المجتمع؛ فسورة العصر قال عنها الإمام الشافعي: "لو ما أنزل الله حجةً على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم"، وذلك لأنها تجمع الدين كاملاً قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ فهي توصي بإيجابية الفرد نحو نفسه ونحو من حوله.
والقرآن الكريم به الكثير من الآيات التي توجِّه إلى التحلي بالسلوك الإيجابي وعدم الوقوف من الأحداث موقف المتفرج؛ لقوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾، ويقول تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. والإيجابية ليست قاصرة على الرجال فقط؛ قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.
ويتحدث القرآن الكريم عن فضيلة الإيجابية في مواضع كثيرةٍ بألفاظ مثل المسارعة والمسابقة والمنافسة والفرار، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾، وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِين﴾، وقوله: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾، وقوله: ﴿سَابِقُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، وقوله: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾، وقوله: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾، والفرار إلى الله هو أعلى مراتب الإيجابية.
 والمسلم لا يقف من الأحداث موقف المتفرج؛ وإنما يتربى على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن الفساد والتسيب والانحراف والظلم، يقول تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾. ومن مظاهر الإيجابية دعوة الإسلام إلى التعاون بين الناس على البر والتقوى؛ لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ﴾.
ومن دلائل الإيجابية دعوة الإسلام الحنيف للإصلاح بين الناس، وفض المنازعات بينهم؛ يقول تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾، ويقول عز وجل: ﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾، ويقول سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾. ويدعونا إسلامنا الحنيف للنشاط والحيوية وحب العمل يقول تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. ويوضح لنا المولى عز وجل أن النجاة من هلاك الأمم والشعوب يكون بالإصلاح؛ قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾، لم يقل "صالحون" إنما قال "مصلحون"؛ فالصالح صلاحه بينه وبين ربه وصلاحه لنفسه فقط، أما المصلح فإنه يقوم بإصلاح نفسه ودعوة غيره للإصلاح وكأن شعاره في الدنيا هو (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ). ويعرض لنا القرآن الكريم قصص الإيجابيين مثل مؤمن آل فرعون، في سورة غافر، الذي وقف ينصر جماعة موسى عليه السلام أمام طغيان نظام فرعون المستبد، ومثل الرجل الصالح، في سورة يس، الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لنصرة أنبياء الله المستضعفين، ومثل تلك الجماعة التي أنكرت على أصحاب السبت فسادهم، في سورة الأعراف، وكان شعار هذه الجماعة المؤمنة هو الإعذار إلى الله، حيث لما قال السلبيون: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ قال الإيجابيون: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾. ومثل قصة هدهد نبي الله سليمان، في سورة النمل، ذلك الهدهد الذي طار إلى مملكة سبأ في جنوب الجزيرة العربية تاركاً سليمان في الشام، بغير تكليفٍ أو تنفيذٍ لأمرٍ صادرٍ له، ليأتي بخبر عظيم إلى القيادة أدى إلى دخول أمةٍ بأكملها في دين الله.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام الأسوة الحسنة والقدوة الملهمة؛ فالإسلام نادى به رجلٌ واحدٌ هو أعظم رجلٍ في تاريخ البشرية رسولنا الكريم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وعندما بدأ دعوته اتجه إلى جذب الأشخاص الإيجابيين إليه فبدأ بأبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه والذي قام بمفرده بدعوة أغلب العشرة المبشرين بالجنة.
أما الأحاديث النبوية الشريفة التي تحثنا على الإيجابية فكثيرةٌ، منها ما يدعونا للتحلي بالإيجابية إزاء المنكر والتصدي له بالفعل أو بالقول أو بالقلب حسبما تسمح قدرة الإنسان؛ يقول صلى الله عليه وسلم: [من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان]. ويضرب النبي لنا مثلاً يبين أهمية أن يكون المسلم إيجابياً في تصرفاته؛ فقال صلى الله عليه وسلم: [مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينة، بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا، وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً]. ويقول رسولنا الكريم حاثاً لنا على العمل الإيجابي: [لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطبٍ على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه]. وقد دعا الإسلام إلى تحمل المسئولية، فلا يقف المسلم من الأحداث موقفاً سلبياً؛ فالمسلم مسئول عن نفسه وعن زوجته وأبنائه وعن مجتمعه؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [كلكم راعٍ وكل راعٍ مسئولٌ عن رعيته، والأمير راعٍ والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعيةٌ على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته]. ومن بين ما يدعو إلى الإيجابية في علاقة المسلم بالمسلم قول رسولنا الكريم: [المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً]، وقوله: [المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربةً فرج الله عنه بها كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة]. والمسلم لا يقف موقفاً سلبياً عندما يقع ظلمٌ على أخيه المسلم؛ لقول رسولنا الكريم: [انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً] فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: [تحجزه أو تمنعه عن الظلم، فإن ذلك نصره]. ويُروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله لعلي رضي الله عنه: [فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم]. كما أن الإسلام يدعو المسلمين أن يكونوا أقوياء؛ لقول الرسول الكريم: [المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير]، وهذا ولا شك يدعو الإنسان للإيجابية والعمل. وتصل دعوة رسولنا الكريم لنا لنكون إيجابيين أقصاها حين يقول صلى الله عليه وسلم: [إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلةٌ فليغرسها] وهي دعوةٌ للعمل ولأن يكون الإنسان المسلم إيجابياً حتى ولو كان ذلك وقت قيام الساعة ونهاية الحياة على الأرض!

أحبتي .. فليبدأ كلٌ منا بنفسه ويرفع شعار (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)، فيصلح من نفسه ويعيد ضبط سلوكه ليتسق مع قيم ديننا الإسلامي الحنيف. 
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم.

http://goo.gl/mSaKtL




الجمعة، 24 مارس 2017

وصفة للتميز

الجمعة 24 مارس 2017م

خاطرة الجمعة /٧٦
(وصفة للتميز)

كنت قبل عدة شهور أقوم بتجميع مادةٍ لكتابٍ اعتزمنا، أنا وأخٌ عزيزٌ زميل مهنةٍ وصديق عمرٍ، إصداره عن موضوع التفوق الدراسي وكيف يمكن تحقيقه. اطلعت على عددٍ من الكتب والمراجع، وراجعت بعض البحوث التي نُشرت حول هذا الموضوع، واستفدت من الكثير من المناقشات التي دارت حوله في مواقع التواصل الاجتماعي، وبقي لي أن أسمع بشكلٍ مباشرٍ من بعض من تفوقوا دراسياً وأحرزوا مراتب متقدمةً عن أقرانهم عن أهم النصائح التي يمكن أن يقدموها لطلاب اليوم للأخذ بيدهم لإدراك النجاح والتفوق وتحقيق التميز، فقمت بإجراء بعض المقابلات الشخصية المقننة لعددٍ ممن أعلم شخصياً أنهم كانوا من الأوائل طوال فترة دراستهم، وخرجت من هذه المقابلات بعدة نصائح عمليةٍ مفيدةٍ تصلح أن تكون (وصفة للتميز) في أي مادة من المواد الدراسية المقررة، كانت أهم تلك النصائح:
المذاكرة اليومية، وليس قبل الامتحانات فقط، المراجعة كل فترة زمنية معينة لما قاموا بمذاكرته، التركيز أثناء المذاكرة، الجمع بين الاستذكار الجماعي والاستذكار الفردي، شرح المادة للآخرين من الطلاب، التقويم الذاتي قبل التقويم الرسمي، العلاقة الطيبة مع الأستاذ مدرس المادة، قراءة الكتاب الخاص به من أول كلمة في المقدمة إلى آخر كلمة فيه، حفظ الكتاب إن استطعت، أداء جميع التكليفات التي يطلبها أستاذ المادة في وقتها وبشكل متميز، الاهتمام بالمشاركة الشفوية في محاضرات الأستاذ. وكذلك الحرص على وجود علاقة شخصية متميزة مع الأستاذ في حدود علاقة الطالب بأستاذه، كالظهور أمام الأستاذ دائماً في أحسن مظهر، واحترامه والاستماع لتوجيهاته، والتأدب في التعامل معه.
وقد أكد هؤلاء المتميزون المتفوقون أنه قد ثبتت فعالية هذه النصائح واعتبروها بالفعل (وصفة للتميز)؛ اتبعوها فنجحوا وتفوقوا وصار بعضهم أساتذة جامعة مرموقين يُشار إليهم بالبنان.

أحبتي في الله .. لم يكن لنا نصيبٌ في استكمال مشروع الكتاب لأسبابٍ فنية، لكن بقي لي ما بذلته من جهد، استفدت من كل كلمةٍ قرأتها، وكل مرجعٍ اطلعت عليه، وكل دراسةٍ تابعت نتائجها. وما استفدته من المقابلات الشخصية مع الناجحين والمتفوقين كان أعظم. تأملت كثيراً فيما اعتبروه (وصفة للتميز) فإذا بفكري يذهب بعيداً، وإذا بقلبي يوافق فكري، وإذا بروحي تساير كلاً من فكري وقلبي فيما ذهبا إليه! ففي لحظة انكشافٍ روحانيةٍ لمعت الفكرة بخاطري في شكل سؤال: إذا كانت هذه (وصفة للتميز) وتحقيق النجاح في الحياة الدنيا فهل تصلح لضمان الفلاح والقبول لأعمالنا التي نعملها نبتغي بها وجه الله ولتكون رصيداً لنا في الحياة الآخرة؟!
ويا للعجب؛ فإن ما وجدته من تشابهٍ يصل إلى حد التطابق!

المذاكرة اليومية تقابل الاهتمام بالعبادات اليومية كالصلاة المفروضة على وقتها وصلاة الضحى وقيام الليل؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾. ليس قبل الامتحانات فقط تقابل ليس في مواسم الطاعات فقط كالصلاة أيام الجمع أو في شهر رمضان فقط. المراجعة كل فترة زمنية معينة لما قاموا بمذاكرته تقابل جبر كل تقصير في العبادات بالنوافل من صومٍ وصلاةٍ؛ يقول الله تعالى في الحديث القدسي: [ما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيءٌ قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوعٍ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك]. التركيز أثناء المذاكرة، تقابل الخشوع في الصلاة والانتباه لروح العبادة والهدف منها؛ قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾. الجمع بين الاستذكار الجماعي والاستذكار الفردي، تقابل الجمع بين الصلاة مع الجماعة والصيام مع الجماعة والحج مع الجماعة والعبادات الفردية من صلاةٍ وصومِ تطوعٍ وعُمرة. شرح المادة للآخرين من الطلاب، تقابل القيام بواجب الدعوة والبلاغ للآخرين؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [بلغوا عني ولو آية... ]. التقويم الذاتي قبل التقويم الرسمي، يقابل محاسبة النفس والشدة عليها وتدارك أي تقصيرٍ وحملها على وجوه الخير مهما كانت محفوفةً بالمكاره؛ يقول جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية}. العلاقة الطيبة مع أستاذ المادة، يقابله علاقة الإنسان المسلم بربه سبحانه وتعالى ثم علاقته بنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾، وقال سبحانه: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. قراءة الكتاب الخاص به من أول كلمة في المقدمة إلى آخر كلمة فيه، يقابلها الحرص على تلاوة القرآن الكريم؛ قال رسول صلى الله عليه وسلم: [اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه]. حفظ الكتاب إن استطعت، في مقابل حفظ القرآن الكريم أو ما تيسر منه؛ قال عليه الصلاة والسلام: [مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة]. أداء جميع التكليفات التي يطلبها أستاذ المادة في وقتها وبشكل متميز، يقابلها أداء جميع العبادات التي أمرنا الله بها على أكمل وجه في الصلاة والصوم والحج والزكاة في أوقاتها المحددة ثم التميز بالنوافل وأعمال الخير والبر؛ ومن ذلك قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ [أفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل]. الاهتمام بالمشاركة الشفوية في محاضرات الأستاذ، ويقابله الحرص على التواصل مع الله سبحانه وتعالى بالذكر والدعاء؛ يقول عز وجل: ﴿... وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾. وكذلك الحرص على وجود علاقة شخصية متميزة مع الأستاذ في حدود علاقة الطالب بأستاذه، يقابلها التسليم بالقضاء والقدر والإيمان بالغيبيات؛ قال الله تعالى عن نفسه: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾، وقال الله جل وعلا: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾. الظهور أمام الأستاذ دائماً في أحسن مظهر، يقابلها أخذ زينتنا عند كل مسجد والاهتمام بالطهارة والنظافة بشكل مستمر؛ قال المولى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ*قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾. واحترام الأستاذ والاستماع لتوجيهاته، يقابلها التسليم المطلق لله عز وجل نلتزم أوامره ونبتعد عما نهانا عنه؛ يقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾، ويقول عز وجل: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. والتأدب في التعامل مع الأستاذ، يقابله الذل لله والعبودية له وحمده وشكره على جميع نعمه وأفضاله؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾، ويقول: ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ ، ويقول: ﴿إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾، ويقول: ﴿إنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾.

أحبتي .. مر على خاطري هذا المثال، ولله المثل الأعلى، أفلا ترون معي أن ما اعتبره المتميزون (وصفة للتميز) في الحياة الدنيا يمكن اعتمادها (وصفة للتميز) تنفعنا ونحن نعد زادنا للحياة الآخرة؟
وإذا كان الأمر كذلك، فأيهما أهم؟ لو قارنا بين الدارين: الدنيا والآخرة، فلن نجد وجهاً للمقارنة إلا كمن يقارن بين: فانٍ وخالد، بين: مؤقتٍ ودائم، بين: قليلٍ وكثير، بين: رخيصٍ وغالٍ، بين: زائفٍ وحقيقي، بين: مظهرٍ وجوهر.
ليست هذه دعوةً لترك الدنيا، فنحن مأمورون بالعمل والتميز والتفوق والإجادة لكلا الدارين، وإنما هي دعوةٌ لجعل الدنيا مزرعةً للآخرة، نلقي بذور الخير الآن لنحصد في الدار الآخرة كل ما نتمنى من نعيم: جنةٍ عرضها كعرض السموات والأرض، ورؤية وجه الله سبحانه وتعالى، ومصاحبة الرسول الكريم، ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
يقول أحد الصالحين: "الدنيا {منزل بالإيجار} مهما ظننت أنك تملكها فأنت واهم، ومهما فَعلت فيها فإنّك ستتركها يوماً ما .. والآخِرة {منزل تمليك} بيدك الآن بناؤه فلتُحسن البناء .. ستمكثون تحت الأرض زمناً لا يعلم مداه إلا الله، لن تتمكنوا فيه من أي عمل تنتفعون به ولو تسبيحة، فخُذوا من حياتكم لموتكم .. هناك أناسٌ بسطاء يعيشون معنا على الأرض، لا مال، ولا جاه، ولا منصب في هذه الدنيا الفانية، ولكن .. أملاكهم في السماء عظيمة، قصورهم تُبنى وبساتينهم تُزرع، فأكثروا من خبايا العمل الصالح".

أحبتي .. عليكم بهذه الوصفة، فهي (وصفة للتميز) في الدارين: الدنيا والآخرة. التزموا بها، وأوصوا بها أزواجكم وأبناءكم وأهليكم وكل من تحبون. جمعنا الله وإياكم في جنات النعيم.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.

تقبل الله منا ومنكم.


http://goo.gl/CWB388

الجمعة، 17 مارس 2017

الخير والبركة

الجمعة 17 مارس 2017م

خاطرة الجمعة/ ٧٥
(الخير والبركة)

التقيت به قبل ثلاثين سنة في دارٍ حكوميةٍ للمسنين في منطقة Old Bridge بولاية New Jersey حيث كنت أقوم بزيارة إحدى قريباتنا المسنة وكانت تقيم بهذه الدار. الدار عمارةٌ سكنيةٌ تتكون من خمسة أدوار، تحيط بها الحدائق من كل جانب، مجهزةٌ بجميع الإمكانيات، الدور الأرضي مخصصٌ للاستقبال وبه عدة قاعاتٍ لمشاهدة التلفاز وللقاءات الجماعية والاحتفال بالمناسبات الاجتماعية ومكتبةٌ للقراءة والاطلاع. يتكون مبنى الدار من شققٍ مختلفة المساحات تم تزويد جميع الغرف والمطابخ ودورات المياه بأجهزة إنذارٍ مثبتةٍ في الأسقف تتدلى من كل جهازٍ منها سلسلةٌ رفيعةٌ طويلةٌ تكاد تلامس أرضية الشقة يسهل على المسن شدها في حالة الطوارئ فيأتي له المنقذون يدخلون الشقة بمفتاحٍ رئيسي Master Key خلال دقائق معدودة. توجد بالدار خدمات رعايةٍ صحيةٍ على مدار الساعة. وتقوم إدارة الدار بتنظيم أنشطةٍ اجتماعيةٍ وترفيهيةٍ للمسنين أبرزها حفلات السمر والرحلات الأسبوعية. في هذه الدار تم تخصيص الدور تحت الأرضي لغرف غسيل الملابس ينزل إليها المقيم بالدار وهو يحمل سلة ملابسه فيجد آلةً لبيع الصابون وأخرى لبيع ملطف الأنسجة ويجد الغسالات الآلية كما يجد مقاعد وأرائك وثيرةً للجلوس ورفوفاً بها أحدث المجلات الأسبوعية. ليس على المقيم سوى وضع العملات المعدنية سواءً لشراء الصابون أو الملطف أو تشغيل الغسالة؛ يضع كل شيء في المكان المخصص له، ويختار برنامج التشغيل المناسب لتبدأ الغسالة في العمل. يتناول إحدى المجلات ويجلس على المقعد أو الأريكة في انتظار انتهاء الغسالة من عملها، فإذا تصادف وجود أكثر من مسنٍ في غرفة الغسيل تكون فرصةً لهم لتبادل الأحاديث.
التقيت به مصادفةً في غرفة الغسيل، ورغم أني لا أعرفه ولا هو يعرفني فقد تبادلنا التحية. حينما جلسنا متجاورين في انتظار انتهاء غسالتينا من العمل بدأ يتحدث إلي شاكياً عقوق أبنائه، قال لي أنه في الثمانينات من عمره، زوجته متوفية، وله ثلاثة أولاد متزوجون يقيم كلٌ منهم في ولايةٍ غير التي يقيم فيها أخواه، وهو يعيش في هذه الدار، لا يسأل عنه أبناؤه إلا باتصالٍ هاتفيٍ أيام الأعياد فقط: عيد الشكر رابع يوم خميس في شهر نوفمبر، ويوم عيد الميلاد في الخامس والعشرين من ديسمبر، وقد يتذكرونه باتصالٍ آخر يوم عيد الاستقلال في الرابع من يوليو. يكتفون بمكالمةٍ هاتفيةٍ سريعةٍ لا تطفئ شوقه لهم. يتذكر أن أحدهم زاره في هذه الدار قبل ثلاث سنوات. قال لي وهو يحس بالمرارة أنه لا يعرف شكل أحفاده، وهو بالكاد يعرف أسماءهم. أخبرني أنه يتمنى أن يراهم جميعاً، أبناءه وأحفاده، قبل أن يموت. وما تزال كلماته التي قالها بأسىً ترن في أذني حتى الآن: "لم نقصر في رعايتهم وهم صغار، ثم عندما نكبر ونحتاج إليهم يأتون بنا إلى هذه الدور، يتركونا فيها حتى نموت". كنت أستمع إليه وأنا متأثرٌ مما يقول، لكني أعلم أن ما يحدث معه أمرٌ عاديٌ يحدث لكثيرٍ مثله؛ فحينما أردت أن أختار موضوع رعاية المسنين في الولايات المتحدة الأمريكية ليكون موضوع بحثٍ لي أثناء دراسة الماجستير لم يوافقني المشرف الأكاديمي بالجامعة وقال لي: "هذا جرحٌ في جسد الأمة لا نحتاج إلى وضع مزيدٍ من الملح عليه!". تذكرتُ وقتها تعاملنا في بلادنا العربية والإسلامية مع المسنين عامةً ومع الوالدين على وجه الخصوص، وقارنتُ بين نظرتهم في المجتمعات الغربية وبين نظرتنا نحن إلى كبار السن باعتبارهم (الخير والبركة) نعاملهم بما يستحقونه من تقدير واحترام؛ فحمدت الله كثيراً على نعمةٍ نحن فيها لا نُحس بها إلا عندما نشاهد بأنفسنا ما يعانيه غيرنا ممن فقدوا هذه النعمة.
تذكرتُ تلك الوقائع بعد مرور ثلاثين سنةً عندما سمعت أحد المسئولين يتحدث في التلفاز عن المسنين ويصفهم بأنهم "عبءٌ" ثقيل! يا إلهي! إلى أين نحن ذاهبون؟ هل نحن في طريقنا لاعتماد المنهج الغربي في التعامل مع المسنين في بلادنا الإسلامية؟! وهل هذا المنهج هو الذي يمثل قمة التقدم والرقي والحضارة؟!

أحبتي في الله .. للإجابة عن هذه التساؤلات علينا أن نعود إلى مرجعيتنا الأساسية، التي لا غنى لنا عنها، ولا بديل لأحكامها، نعود إلى شريعتنا الغراء لننظر أين نقف من تعاليم وتوجيهات ديننا الإسلامي الحنيف:
فعن رعاية الإسلام بالمسنين يقول علماؤنا أن الإسلام حرص أشد الحرص على العناية بالفرد داخل المجتمع، من وقت كونه جنيناً، فطفلاً، فشاباً، فرجلاً، بعد أن أعطاه قيمته الإنسانية؛ فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾، فالإنسان في جميع مراحله محترمٌ ومكرمٌ لقيمته الإنسانية الذاتية، ويزداد ذلك الاحترام والتكريم بقدر ما يكتسب من الصفات الطيبة، وبقدر ما يعمل من أعمال البر والخير. إن الإسلام حفظ للإنسان كرامته، ووفَّاه حقه، فأمر بإكرامه عند شيبته وحث على القيام بشؤونه، وهو النموذج الذي جسدته ابنتا شعيب عليه السلام اللتان قالتا: ﴿لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾.
ولما كان حال الكبر هو مظنة الإهمال والضجر والغضب خصه سبحانه بالذكر وبمزيدٍ من العناية من بين سائر الحالات التي يمر بها الإنسان في حياته، قال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾. ووصف الله عز وجل مرحلة الكبر في القرآن الكريم بأنها عودة إلى أرذل العمر في قوله: ﴿واللهُ خَلَقَكُم ثمَّ يَتَوَفَّاكُم ومِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرذَلِ العُمُرِ لِكَي لا يَعلَمَ بَعدَ عِلمٍ شَيئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾؛ لذلك كانت الشيخوخة محل عنايةٍ من النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: [رَغِمَ أنفُ ثم رغم أنفُ، ثم رغم أنفُ]، قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: [من أدرك أبويه عند الكبر - أحدهما أو كليهما - فلم يدخل الجنة]. وقال لرجلٍ استأذنه في الجهاد: [أحَيٌّ والداك؟] قال: نعم، قال: [ففيهما فجاهد].
والأمر لا يقف عند الوالدين إذا بلغا سن الشيخوخة بل يتعدى ذلك إلى كل كبيرٍ مُسّن، فيوجب له الاحترام ويجعل ذلك من الإسلام؛ يقول صلى الله عليه وسلم: [ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقَّر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينْهَ عن المنكر]. كما يوجب له الرعاية الاجتماعية والخلقية؛ يقول صلى الله عليه وسلم: [إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم]. ويَعِد الشاب البار الذي استجاب لأمر ربه بالجزاء الأوفى فيقول صلى الله عليه وسلم: [ما أكرم شابٌ شيخاً لسنه - أي في شيخوخته - إلا قيض الله له من يكرمه عند سنّه]. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: [يُسَلِّم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير]. كما قال: [أمرني جبريل أن أقدم الأكابر].
ومن سماحة الإسلام أنه راعى حق المسن في العبادات أيضاً، وأمر من يؤم الناس أن يراعي حال المسنين؛ قال صلى الله عليه وسلم: [إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء]. ومن باب التيسير ورفع الحرج جعل الإسلام للمسنين وغيرهم تشريعاتٍ خاصةً بهم، وحطّ عنهم الإثم في ترك ما لا يقدرون عليه؛ قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾. من تلك التشريعات: أجاز للمسن أن يفطر في نهار رمضان ويطعم إذا شق عليه الصيام؛ قال سبحانه: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾. ورخص الإسلام للمسن المريض التخلف عن صلاة الجماعة، قال صلى الله عليه وسلم: [من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر]، قالوا: وما العذر؟ قال: [خوفٌ أو مرضٌ - لم تُقبل - منه الصلاة التي صلى]. بل رخّص للمريض - والمسن غالباً ما يصيبه المرض - أن يصلي بالكيفية التي يستطيعها إن تعذر عليه أو شق القيام، فإن لم يستطع أن يصلي قائماً قعد، فإن لم يستطع قاعداً فعلى جنبه؛ قال صلى الله عليه وسلم لمريض: [صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب]. وأوجب الإسلام الحج على المستطيع، فإن بلغ بالمسن العمر فشاخ وهَرِم فلم يستطع الحج لم يجب عليه الحج، لكنه مقصرٌ لأنه أَخَّرَه إلى وقتٍ لا يستطيعه فيه، ما لم يكن أخَّره لعذر، وحين زال العذر بلغ الهرم وخارت قواه ولم يملك مالاً ليُنيب عنه غيره فعندها فقط يسقط عنه الحج.

أحبتي .. أي رقيٍ وأي تحضرٍ وأية إنسانية أكثر من ذلك؟ علينا فقط أن نحافظ على قيمنا الإسلامية السامية، وأن نحسن لوالدينا ولكبار السن من الأهل والجيران وغيرهم فهم (الخير والبركة) وفيهم فلنجاهد. وليعلم كلٌ منا أنه قادمٌ بإذن الله إلى محطة الشيخوخة حين يمضي به قطار الحياة، وعليه من الآن أن يُحْسن لوالدَيه؛ حتى يجد مِن أبنائه مَن يحسن إليه ويرعاه عندما يصل هو يوماً إلى نفس المحطة، وأن يحسن إلى المسنين فيحترمهم ويوقرهم ويقدم لهم كل ما يستطيع أن يقدمه لهم من أشكال الرعاية، فهذا من أعظم أعمال البر والإحسان.
أحبتي .. احكموا بأنفسكم .. ما هو المنهج الأفضل والأرقى: المنهج الغربي أم المنهج الإسلامي في هذا المجال؟
انظروا ماذا يحدث عندما يلتزم المسلمون بمبادئ الإسلام وشريعة الله؛ فمما يُروى أن امرأةً فرنسيةً أخذت ولدها البالغ من العمر (14) عاماً إلى المركز الإسلامي بباريس من أجل أن يدخل في الإسلام، فلما وصلا للمركز دخل الصبي على إمام المركز وقال له: أمي تقول لك ساعدني للدخول في الإسلام. فسأله الإمام: وهل تريد أنت أن تدخل في الإسلام؟ فقال: أنا لم أفكر في هذا الأمر، ولكن أمي هي التي تريد لي ذلك. فاستغرب الإمام من إجابته وقال له: وهل أمك مسلمة؟ رد عليه الصبي: لا، ولا أعرف لماذا تريدني أن أدخل في الإسلام!! سأله الإمام: وأين أمك؟ قال: هي معي الآن تنتظرني خارج المسجد. فقال الإمام: اذهب وأحضرها حتى أتحدث معها. فخرج الصبي ورجع مع أمه. قال لها الإمام: هل صحيحٌ ما سمعته من ابنك بأنك لستِ مسلمةً وتطلبين منه أن يدخل في الإسلام؟ قالت: نعم هذا صحيح. فاستغرب الإمام من إجابتها وسألها: ولماذا؟، قالت: لأني أسكن بعمارةٍ في باريس وفي الشقة التي أمامي تسكن امرأةٌ مسلمةٌ مسنةٌ لها ولدان يدرسان في الجامعة، وفي كل صباحٍ ومساءٍ أشاهد الولدين كلما خرجا من المنزل أو رجعا يقبلان رأس أمهما ويدها، ويعاملانها باحترامٍ شديدٍ وكأنها رئيسة دولة، فأحببت أن يدخل ابني في الإسلام حتى إذا كبرت لا يرميني في دور المسنين وتهتم بي الدولة، وإنما يعاملني مثلما يعامل المسلم أمه!

أحبتي .. لا يسعني أن أنهي الحديث عن المسنين بغير أن أوجه دعوةً مفتوحةً لكل مسئولٍ في جميع جهات العمل للاستفادة من خبرات كبار السن الذين أحيلوا إلى التقاعد؛ شكلوا منهم لجان عملٍ تطوعيٍ في مجالات التخصص المختلفة، يقومون من خلالها بالدراسة وإبداء الرأي وتقديم المقترحات والتوصيات في مختلف المشرعات: الهندسية والصناعية والطبية والتربوية والاجتماعية والزراعية وغيرها من المجالات. إنهم بمثابة بيوت خبرةٍ وطنيةٍ متميزة تعمل بإخلاص تعطيكم رحيق خبراتها بدون تكلفةٍ تُذكر. المسنون هم (الخير والبركة) لأسرهم وللقريبين منهم، وهم مخزونٌ استراتيجيٌ هائلٌ للعلم والمعرفة وخبرات الحياة لمجتمعاتهم وأوطانهم؛ ينبغي الاستفادة منهم بدلاً من إهمالهم. استعينوا بهم في لجانٍ استشارية. إنهم ثروةٌ قوميةٌ لا تقدر بمال، استفيدوا منهم في مجالات التطوير والتحسين كلٌ في مجال اختصاصه؛ فقد كانوا يشغلون وظائف قيادية وإشرافية وأصبحوا الآن خبراء في مجالات تخصصهم يجمعون بين الخبرة والحكمة. لا تضيعوا على المجتمع الكثير من النفع والفائدة إذا أنتم أهدرتم هذه الفرصة. انظروا إليهم على أنهم أنتم أنفسكم عندما تُحالون إلى التقاعد، وعاملوهم كما تحبون أن تُعامَلوا وقتها!
وفروا للمسنين الإطار القانوني اللازم وأماكن العمل ووسائل الانتقال، سيُدهشكم حماسهم وعطاؤهم، وتُبهركم آراؤهم وأفكارهم ومقترحاتهم! وهم لا ينتظرون منكم سوى أن تقدموا لهم التقدير الأدبي بالشكر والعرفان!

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدة، إن أَذِنَ الله وأَمَّدَ في أعمارنا.

تقبل الله منا ومنكم.

                                          http://goo.gl/6RUh6N

الجمعة، 10 مارس 2017

أعجب رد!

الجمعة 10 مارس 2017م

خاطرة الجمعة/ ٧٤
(أعجب رد)!

كنا عدة أشخاص في مجلس علم، فطرح شيخنا سؤالاً؛ قال: "ما (أعجب رد) مر عليكم؟". سكت الجميع برهةً يستجمعون أفكارهم، إلا واحدٌ منا سأل: "في أي مجال يا شيخ؟"، أجابه الشيخ: "في القرآن الكريم".
قال الأول: "(أعجب رد) قرأته يا شيخنا هو رد الكافرين على المولى سبحانه وتعالى وهم يقفون بين يديه يسألهم ويحاسبهم، فإذا بهم يكذبون ثم يحلفون على كذبهم كما كانوا يحلفون لغيرهم من خلق الله في الدنيا! ردٌ عجيبٌ منهم والأعجب أنهم يحسبون أنهم على شيء! قال تعالى في سورة المجادلة: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾".
قال الثاني: "(أعجب رد) قرأته في الكتاب الكريم هو رد جلود الناس عليهم يوم القيامة، حينما تشهد عليهم، فيسألونهم لم شهدتم علينا، فيكون رد الجلود عجيباً؛ أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء! سبحان الله الخالق القادر العليم الخبير؛ قال في سورة فصلت: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾".
أما الثالث فقال: "(أعجب رد) قرأته في كتاب الله هو رد الكفار على الرسل بطلب العذاب بدلاً من طلب الهداية! يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: ﴿اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، وفي سورة هود: ﴿قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾، وما يماثلها كثير".
قال الرابع: "(أعجب رد) مر عليّ في القرآن الكريم قول المفسدين في سورة البقرة: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾، ومثلها ما قاله فرعون عن موسى عليه السلام، في سورة غافر: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾! وكأن المفسدين في الأرض وفرعون منهم على حق وأنبياء الله وموسى عليه السلام منهم على باطل!".
عندما حان دوري، أردت أن أداعب هذه الصحبة الطيبة قليلاً فألتزم بكلمة {رد} وألتزم بأن يكون الرد في {مجال القرآن الكريم} ولكن بصورة مختلفة عما ذهب إليه الآخرون؛ فقلت لهم: "(أعجب رد) حدث أمامي شاهدته وسمعته وأنا أكاد لا أصدق ما أرى وما أسمع كان عندما صليت بأحد المساجد وأخطأ الإمام في قراءة آية، فإذا بأحد المصلين يرده ويصحح له، كان هذا (أعجب رد) في مجال القرآن الكريم شاهدته في حياتي!"، قال شيخنا: "وما وجه العجب في ذلك؟ هذا واجب على المصلي أن يرد الإمام إذا أخطأ، أليس كذلك؟"، قلت: "بلى، هذا أمر عادي لا غرابة فيه ولا عجب في صلاةٍ جهريةٍ يا شيخنا، لكن وجه العجب أن الرد كان في صلاة الظهر!"، نظر الجميع إليّ وهم مندهشون، فانتظرت لحظةً قصدت منها أن يبلغ اندهاشهم مداه، ثم قلت موضحاً وشارحاً: "كان الإمام يقرأ بصوتٍ خافتٍ لكنه مسموعٌ همساً من خلال المجهر ومكبرات الصوت! فالعادي أن يُرد الإمام في صلوات الفجر أو المغرب أو العشاء أو الجمعة، أما رده في صلاةٍ الظهر وهي صلاة غيرِ جهريةٍ فكان (أعجب رد) رأيته في حياتي!".

أحبتي في الله .. الفتح على الإمام هو تلقينه الآيةَ عند التوقُّف فيها، أما رده فهو تصحيح خطأ للإمام إذا أسقط آيةً أو أكثر أو جزءاً من آية، ولو كانت كلمةً أو حرفاً، أثناء التلاوة. 
وقد وردت بعض الأحاديث تدل على أن الفتح مشروع؛ فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاةً فقرأ فيها فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبيّ: [أصليت معنا؟]، قال: "نعم"، قال: [فما منعك؟]" أي: فما منعك أن تفتح علي؟. وعن المسور بن يزيد المالكي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فترك آيةً، فقال له رجلٌ: يا رسول الله آية كذا وكذا، قال: [هلا ذكرتنيها]. فالحديثان يدلان على مشروعية الفتح على الإمام، لإصلاح خطأٍ في قراءته. فيشرع للمأموم إذا وقف الإمام في القراءة أو أخطأ فيها أن يفتح عليه ويصلح له. وعن أنس رضي الله عنه قال: "كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم". وصح عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "إذا استطعمك الإمام فأطعمه".
والفتح على الإمام أو رده قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً؛ فإذا أخطأ الإمام في القراءة الواجبة كقراءته الفاتحة وجب على المأموم أن يفتح عليه لكونها رُكناً من أركان الصلاة لا تتم الصلاة إلا بها، فلا تصح الصلاة حتى يتم رد الإمام أو الفتح عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب]، ومن باب «مَا لاَ يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ»، وإذا كان في قراءة غير الفاتحة فإن كان يغير المعنى وجب على المأموم أن يرده، وإن كان لا يغير أو يخل بالمعنى يجوز للمأموم الفتح والرد ولا يجب عليه.
ومما يجب التنبه له ألا يُقدم للإمامة إلا القارئ الحافظ المتقن، ولا ينبغي أن يتقدم غيره عند وجوده. كما ينبغي أن يقف خلف الإمام من هو حافظٌ للقرآن حتى يسهل رد الإمام أو الفتح عليه بسهولة.
ولا تجوز المبادرة بالفتح على الإمام فور سكوته؛ فقد يكون سكت عند آيةِ رحمةٍ ليدعو، أو آية عذابٍ ليدعو؛ لحديث حذيفة قال: "صلَّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلتُ: يركعُ عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مسترسلاً، إذا مر بآيةٍ فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤالٍ سأل، وإذا مر بتعوذٍ تعوذ"، (ومعنى مسترسلاً؛ أي: متمهلاً). وكذلك لا ينبغي للمأموم أن يتعجلَ بالفتح إذا سكت الإمام لالتقاط نَفَسه، أو لاستحضار ذهنه أو جفاف حلقه، فالواجب إمهاله، وعدم مبادرته.
 ومن المتفق عليه أن الذي له الحق في الردِّ على الإمام هو الذي يصلي بجواره، أو الذي يليه من خلف ظهره، وأما مَن كان في مكانٍ بعيدٍ عن الإمام، فإنه لا يجوز له الفتح على الإمام. كما لا يجوز أن يتولَّى الردَّ والفتح على الإمام أكثرُ من واحدٍ في وقتٍ واحد؛ لأن هذا يؤدِّي إلى اختلاط الأصوات والتشويش على الإمام والمصلِّين، ويجب أن يتركَ الأقل حفظاً وعلماً الرد والفتح لمَن هو أحفظ منه وأعلم. ولا يجوز للمرأة إذا صلَّت خلف الرجال أن تفتح على الإمام، ولا أن تصحِّح له، وهذا مما لا خلاف فيه؛ ذلك أنها مُنِعت من التسبيح تنبيهاً للإمام لئلاَّ يخرج صوتها في الصلاة، فمن باب أولى تمنع من الفتح عليه. ولا يجوز للمأموم أن يحملَ مصحفاً لمتابعة الإمام والتصحيح له، وذلك أنه في صلاة، وليس في تعليم وتعلم، ثم إن الحركة بحمل المصحف، وفتحه عند القراءة وإغلاقه ينافي عمل الصلاة. كما يجب أن تكون نية مَن يفتح على الإمام أو يصوِّب خطأه أنه يفعلُ ذلك إخلاصاً لله وتعبداً له، وأمَّا إذا كان يفعله رياءً وسُمْعَةً ليرى الناس أنه حافظ، فإنه بهذا يُحبِط أجره، وقد تبطل صلاته تبعاً لذلك.
خلاصة القول في هذا الأمر أنه يُشرع للمأموم إذا أخطأ إمامه أو نسي في قراءته أن يفتح عليه ويُلقِّنه الصواب، ويتأكد الفتح في أربع حالات: الخطأ في الفاتحة، الخطأ الذي يُحيل المعنى ويغيره، الخطأ الذي تنبني عليه أخطاء أخرى كما لو خرج الإمام إلى سورة أخرى، وإذا توقّف الإمام يريد أن يفتح عليه أحد. وأمّا غير ذلك فيُرجع الفتح فيه إلى المصلحة، فإن كانت المصلحة راجحةً فُتح عليه، وإن خُشيت مفسدةٌ من كثرة الأخطاء وذهاب الخشوع فلا يُفتح عليه؛ لأن درء المفاسد مقدّمٌ على جلب المصالح.
أحبتي .. أنقل لكم قصةَ (أعجب رد)، وإن كانت لم تَرِد في القرآن الكريم، ولم يكن الرد لإمامٍ أثناء صلاة!
يُروى أن الأصمعي [وهو من علماء اللغة] كان يتحدث في مجلس فأحب الاستشهاد بآية من القرآن الكريم فقال: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ "والله غفور رحيم"﴾، فسأله أعرابي:  يا أصمعي كلام من هذا؟، فرد الأصمعي: كلام الله، فقال الأعرابي بثقة: هذا ليس كلام الله. انتشر اللغط في المجلس وثار الناس على الأعرابي الذي ينكر آية في القرآن، لكن الأصمعي محتفظاً بهدوئه سأله: يا أعرابي هل أنت من حفظة القرآن؟، قال الأعرابي: لا، قال: حسناً، هل تحفظ سورة المائدة؟ (وهي السورة التي تنتمي إليها هذه الآية)، كرر الأعرابي نفيه: لا، قال: إذن كيف حكمت بأن هذه الآية ليست من كلام الله؟، كرر الأعرابي بثقة: هذه ليست من كلام الله. حسماً للجدال ومع ارتفاع اللغط تم إحضار المصحف فتح الأصمعي المصحف على سورة المائدة وهو يقول بنبرة الفوز هذه هي الآية؛ اسمع: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ .. ﴾ .. لحظة .. لقد أخطأتُ في نهاية الآية ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ وليس "غفور رحيم". أُعجب الأصمعي بنباهة الأعرابي الذي فطن إلى الخطأ بدون أن يكون من حفظة القرآن فسأله: يا أعرابي كيف عرفت؟، قال الأعرابي: يا أصمعي عَزَّ فحكم فقطع ولو غفر ورحم لما قطع!

ختاماً، لديّ كلمتان: الأولى للأئمة "لا غضاضة من إصلاح الخطأ؛ فكل أحدٍ يخطئ أو ينسى، فإن أخطأت أو توقفت وردك أحد المأمومين أو فتح عليك فلا يضيق صدرك بذلك، وتذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة رضي الله عنهم كانوا يتوقفون في القراءة ويطلبون الرد". والثانية للمأمومين "لا تتسرع في الرد أو الفتح إذ قد ينتبه الإمام ويتابع. ولا ترد الإمام أو تفتح عليه إلا إذا كنت حافظاً للقرآن واثقاً من صحة ردك أو فتحك؛ فالرد الخاطئ أو الفتح غير الصحيح ضرره أكبر بكثير من عدم الرد أو الفتح".
إن رد الإمام أو الفتح عليه وإصلاح خطئه، من باب قوله تعالى: ﴿تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، كما أن الرد والفتح على الإمام، بضوابطه، يضمن صحة صلاة الإمام والمأمومين، وهى غاية عظيمة، وهدف نبيل مشروع.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وتقبل الله منا أعمالنا خالصةً دون رياء.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم.

                                                   http://goo.gl/b465bF

الجمعة، 3 مارس 2017

تالية

الجمعة 3 مارس 2017م

خاطرة الجمعة/ ٧٣
(تالية)

قلت متلهفاً: "بشرينا"، ردت علي: "خرجت من غرفة الولادة حالاً، وهي والمولودة بخير والحمد لله"، قلت: "اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً، ماذا أسمت مولودتها؟"، قالت: "(تالية)"، قلت: "داليا اسم جميل"، قاطعتني بقولها: "ليس داليا بل (تالية).. يبدو الاسم غريباً، أليس كذلك؟"، قلت مؤكداً: "بلى، فهو اسمٌ غيرُ مألوف، لكن له معنىً جميل؛ تالية للقرآن الكريم بإذن الله"، أتاني ردها مُفرحاً مُبشراً نزل على قلبي برداً وسلاماً: "هذا بالضبط هو سبب التسمية"، قلت لها: "مبروك اسم (تالية)، جعلها الله (تاليةً) لكتابه الكريم حافظةً له ملتزمةً بما فيه، حفظ الله (تالية) وبارك فيها وفي والديها وفيكم".
دار هذا الحوار في محادثة هاتفية الأسبوع الماضي للاطمئنان على أحدث عملية ولادة بعائلتنا.

أحبتي في الله .. أول ما فكرت فيه بعد انتهاء هذه المحادثة، ونحن جميعاً نعرف أن ديننا الحنيف، دين الإسلام، لم يترك لنا شيئاً لنا فيه مصلحة إلا وأوجبه علينا أو حسنه أو حث عليه، وما ترك شيئاً مُضراً لنا إلا وحرمه علينا أو نهانا عنه أو ذمه لنا؛ فهو دين حياة ومنهاجٌ شاملٌ لإصلاح البشر في كل زمانٍ ومكان، فهل يا تُرى توجد في ديننا ضوابط شرعية لتسمية المواليد؟ سؤال دار في خلدي بمناسبة اختيار اسم (تالية) لأحدث مواليد العائلة.
قلت في نفسي: لِمَ لا؟ والإسلام هو دين الفطرة؛ قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وهو ينظم أمور حياتنا في جميع مجالاتها المختلفة والمتعددة؛ قال سبحانه: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾. بحثت في الأمر فوجدت أنه حتى لتسمية المولود توجد آدابٌ شرعيةٌ ينبغي على كل مسلم مراعاتها، رغم أن البعض قد ينظر إلى هذا الموضوع على أنه أمر بسيط وهين، ومع ذلك فإن ما علمته من تلك الآداب بالغ الرقي والتحضر يتسق مع الفطرة السليمة ويضمن حقوق الطفل المولود بأكثر مما توفره التشريعات المعاصرة.
يقول أهل العلم والفقهاء أن الاسم مأخوذٌ من الوسم؛ أي العلامة، وقيل من السموِّ والرفعة، أو هو مأخوذٌ من الاثنين معاً، إنه علامةٌ على صاحبه، وهو سموٌ ورفعةٌ له، واختيارَ الاسم قد يكون سُنةً حسنةً وصدقةً جاريةً، يمتدُّ أثرها ونفعها إلى أجيالٍ متعاقبة، وقد يكون سيئةً جاريةً ينتقل أثرها السيئ إلى جيلٍ بعد جيل. إن الاسم عنوان المسمىَ ودليلٌ عليه وضرورةٌ للتفاهم معه، وهو للمسمىَ زينةٌ ووعاءٌ وشعارٌ يُدعى به في الأولى والآخرة، وتنويهٌ بالدين، وإشعارٌ بأنه من أهل هذا الدين، وهو في طبائع الناس له اعتباراته ودلالاته.
وقال العلماء أن الأصل في الأسماء الإباحة والجواز، غير أن هناك بعض المحاذير الشرعية التي ينبغي اجتنابها عند اختيار الأسماء منها:
التعبيد لغير الله عز وجل، سواء لنبيٍ مرسل أو مَلكٍ مقرب، فلا تجوز تسمية المولود بعبد الرسول أو عبد النبي أو عبد الأمير أو عبد الحسين أو ما شابهها، وهذه الأسماء يجب تغييرها لمن تسمى بها؛ قال الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: {كان اسمي عبد عمرو، وفي رواية عبد الكعبة، فلما أسلمت سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن}.
وكذلك التسمي باسمٍ من أسماء الله تبارك وتعالى التي اختص بها نفسه سبحانه، كأن يسمي الخالق أو الرازق أو الرب أو الرحمن ونحوها، أو باسمٍ لا يصدق وصفه لغير الله عز وجل مثل ملك الملوك، أو القاهر ونحوه، وهذا النوع من الأسماء يحرم التسمي به ويجب تغييره؛ قال الله عز وجل: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إن أخنع اسم عند الله رجل تَسمَّى ملك الأملاك].
وأيضاً التسمي بأسماء الكفار الذين يدينون بغير الإسلام، وهي أسماء خاصة بهم، دالة عليهم دون غيرهم. وكل ما سبق من الأسماء لا يجوز التسمي به بل هو حرام، وعلى من تسمى به أو سماه به غيره أن يغيره.
ويُكره التسمي بما تنفر النفوس من معناه من الأسماء، إما لما يحمله من معنىً قبيحٍ أو مثيرٍ للسخرية، كما أن فيه مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بتحسين الأسماء، ومثال ذلك اسم حرب، وغضب، ونحوها من الأسماء التي تحمل معاني قبيحةً وغير حسنة؛ روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصية وقال: [أنت جميلة]، كما أن قوماً وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعهم يُسمُّون عبد الحجر، فقال له: [ما اسمك؟]، فقال: عبد الحجر، فقال له رسول صلى الله عليه وسلم: [إنما أنت عبد الله]. ويُكره التسمي بأسماء فيها معانٍ رخوة أو شهوانية، ويكثر هذا في تسمية الإناث. كما يُكره التسمي بأسماء فيها معانٍ تدل على الإثم والمعصية، مثل سارق وظالم، أو التسمي بأسماء الفراعنة والعصاة مثل فرعون وهامان وقارون. وتُكره كذلك التسمية بكل اسمٍ مضافٍ إلى الدين والإسلام، مثل نور الدين وشمس الدين ونور الإسلام وشمس الإسلام، لما فيها من إعطاء المسمى فوق حقه. وتُكره الإضافة إلى اسم الله عز وجل غير عبد الله، وذلك مثل حسب الله، ورحمة الله ونحوه. وكذلك الإضافة إلى لفظ الرسول. ويُكره التسمي بأسماء الملائكة، وكذلك بأسماء سور القرآن مثل طه ويس ونحوها، وهذه الأسماء هي من الحروف المقطعة وليست من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.
والأسماء المكروهة، إنما يكره التسمي بها ابتداءً، أما من سماه أهله بذلك وقد كبر ويصعب عليه تغييرها فلا يجب عليه التغيير.
إن الاسم السيئ الذي لم تُراعَ في اختياره الضوابطُ الشرعيةُ يؤثِّر سلباً على نفسية المولود، حين يشعر بالخجل من اسمه، ويتوارى ويتحاشى ذكره، مما قد يسبب له الانطواء وغيره من الأمراض النفسية؛ نتيجةً لسخرية الآخرين؛ فالإنسان كائن اجتماعي يتأثر ويؤثر فيمَن حوله. ورد في الأثر أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وأنّبه على عقوقه لأبيه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: "بلى"، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ فذكر عمر منها أن يحسن اسمه، قال الولد فيما قال: إن أبي سماني جُعلاً (أي خنفساء)، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: "جئت إلي تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك".
أمَّا الاسم الذي تُراعى فيه الضوابط الشرعية، فهو يُشعِر صاحبَه بالعزَّة والإشباع النفسي، وكذلك والده، لاسيما عند السؤال عن سبب تسميته بذلك الاسم. وللاسم الشرعي مردودٌ اجتماعي حين يكون اقتداءً بأسماء الأنبياء والصالحين؛ فتخلد أسماؤهم، وتستمر ذكراهم وما قدَّموه لأمتهم من خيرٍ ونفعٍ للآخرين؛ فتستمر سلسلة الإصلاح في الأمة.
ويُسن أن يكون الاسم حسناً لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: [إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فحسنوا أسماءكم].
وأما مراتب الأسماء فهي كما يلي: الأولى، اسما عبد الله وعبد الرحمن، وذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ]. الثانية، سائر الأسماء المعبدة لله عز وجل: مثل عبد العزيز وعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الإله وعبد السلام وما شابهها. الثالثة، أسماء الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولا شك أن خيرهم وأفضلهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن أسمائه كذلك أحمد، ثم أولو العزم من الرسل وهم إبراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم الصلاة والسلام، ثم سائر الأنبياء والمرسلين عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه. الرابعة، أسماء عباد الله الصالحين، وعلى رأسهم صحابة نبينا الكريم، ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، فيستحب التسمي بأسمائهم الحسنة اقتداءً بهم وطلباً لرفعة الدرجة. والخامسة، كل اسمٍ حسنٍ ذو معنىً صحيحٍ جميل.
ولو اتبعنا ترتيب أولويات الأسماء للبنات لوجدنا أن خيرها ما كان لأمهات المؤمنين: خديجة وعائشة وزينب وسودة وحفصة وجويرية وصفية وميمونة. ثم ما كان لآل بيت النبي عليه الصلاة والسلام كزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة. ثم ما كان لصاحبيات جليلات كأسماء ورفيدة وآمنة وأمامة وغيرهن. كما أنه مما يستحب تسمية البنات به اسم مريم واسم آسيا وهما المرأتان اللتان مدحهما الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حيث قال عز وجل: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ*وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾، ونعلم جميعاً أن السيدة مريم هي المرأة الوحيدة التي تسمت باسمها سورةٌ كاملةٌ من سور القرآن الكريم. وكذلك اسم خولة وهو للصحابية التي استمع إليها الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات وخلد ذكرها كتابُ الله في آيةٍ تتلى إلى يوم القيامة: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾. ثم أي اسمٍ حسنٍ ذو معنىً صحيحٍ جميلٍ مثل وفاء وسارة ورضا وصفا وهدى وهناء و(تالية) وما شابهها.
ويحسن مراعاة بعض الأمور عند تسمية المولود منها: معرفة أن هذا الاسم سيكون ملازماً للمولود طوال حياته وقد يسبب له من الضيق والإحراج ما يجعله يضيق بمن سماه بهذا الاسم. كما أنه عند النظر في الأسماء لاختيار أحدها، ينبغي تقليبه على وجوهٍ عدة، فيُنظر في الاسم في ذاته، ويُنظر إليه من حيث كونه طفلاً صغيراً ثم شاباً يافعاً ثم شيخاً كبيراً وأباً وجداً، ومدى مناسبة الاسم إذا تكنى به، ومدى ملاءمته لاسم أبيه وهكذا.
وتسمية المولود حقٌ مشروعٌ للوالد لأنه هو الذي سيُنسب إليه، لكن يُستحب للوالد أن يشرك الأم في اختيار الاسم ويأخذ برأيها إن كان حسناً إرضاءً لها. ويجب نسبة الولد لأبيه ولو كان متوفياً أو مطلِّقاً أو نحوه، ولو لم يرْعَه ولم يره البتة، ويحرم نسبة الولد لغير أبيه.
وتُسن تسمية المولود يوم ولادته أو تسميته إلى ثلاثة أيام من ولادته أو تسميته يوم سابعه، وهذا اختلافُ تنوعٍ يدل على أن في الأمر سعة.

أحبتي .. هل رأيتم أدق من هذه التفاصيل؟ هل رأيتم أعدل منها؟ هل رأيتم كيف تحرص شريعة الإسلام على حقوق الطفل وهو ما يزال وليداً؟
ما أروع هذا الدين، وصدق الله العظيم حين قال: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.

أحبتي .. بدأ الحديث باختيار اسم (تالية) لأحدثِ مولودةٍ في عائلتنا، وينتهي الحديث بالتناصح فيما بيننا بثلاثة أمور في مجال تسمية المولود:
الأول، على من علم أن اسمه أو اسم أحد أبنائه محرماً أن يبادر فوراً إلى تغييره.
الثاني، على من علم أن اسمه أو اسم أحد أبنائه مكروهاً أن يوائم ما بين المصلحة والضرر ويتخذ القرار الذي يحقق مصلحة الابن.
الثالث، من هو في انتظار أن يهبه الله ولداً أو بنتاً أن يختار من الآن اسماً جميلاً معبراً متوافقاً مع ضوابط الشرع الحنيف؛ كاسم (تالية) فعسى أن يكون للمولود نصيبٌ من اسمه؛ يقول الشاعر:
وقلَّ إن أبصرَتْ عيناك ذا لقَبٍ  **  إلا ومعناه إن فكَّرتَ في لقبه

حفظ الله أبناءنا وذرياتنا، وجميع أبناء المسلمين وذرياتهم، وبارك فيهم، ونفع بهم الدين والدنيا.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.

تقبل الله منا ومنكم.


https://goo.gl/07Py4b

الجمعة، 24 فبراير 2017

جارنا وكلبه

الجمعة 24 فبراير 2017م

خاطرة الجمعة /٧٢
(جارنا وكلبه)

لنا جارٌ يسكن في عمارةٍ قريبةٍ من المسجد يتصادف أن أراه، ونحن في طريقنا للصلاة، ممسكاً في يده بسلسلةٍ طويلةٍ تنتهي بطوقٍ يلتف حول عنقِ كلبٍ أبيضٍ صغير. يسحبُ الكلبُ جارنا سحباً ويشده إلى موضعٍ محددٍ تحت شجرة، عنده يقف الكلب ليقضي حاجته. يتمشى به جارنا بعدها قليلاً قبل أن يعود إلى مسكنه في تلك العمارة.
تصادف أن تكرر هذا المشهد أمامي مرتين في يومٍ واحدٍ وقت الأذان للصلاة! ففكرت في الأمر:
أعلم أن جارنا هذا مسلم، لا أراه ينزل للصلاة في المسجد، إلا لصلاة الجمعة، فأتعجب أينزل لقضاء حاجة الكلب ولا ينزل لسماع الأذان فيصلي مع الجماعة، والمسجد على بعد خطوات؟!
أراه يمشي مزهواً مع كلبه في طريقه لقضاء حاجته، فإذا مشى إلى المسجد لصلاة الجمعة من كل أسبوع مشى عبوساً، وربما اشتكى بعد انتهاء الصلاة من طول الخطبة!
لا أعلم شيئاً عن ظروفه المادية، لكن هل يمتلك جارنا هذا فائضاً مالياً لا يعرف فيما ينفقه فيخصصه للصرف على كلب؟ إني أعجب له؛ يشتري كلباً، ويخصص له جزءاً من مسكنه، ويأتي له بطعامٍ خاص، ويحافظ على نظافته ونظافة مرقده، ويوفر له احتياجاته، كل هذا يكلف مالاً، وجارنا نفسه وأسرته أولى بهذا المال! بل وربما لهذا الجار أقارب أولى بهذا المال من الكلب!
كلما مر أمام ناظري مشهد (جارنا وكلبه)، كلما جاهدت نفسي حتى لا أفكر في الأمر، أقول في نفسي: "دعك يا نفسي منه، لا تنشغلي بأمره إلى هذا الحد واهتمي بأمرك"، وأقول لنفسي:
لو نظرَ الناسُ إلى عيبهم  **  ما عابَ إنسانٌ على الناسِ
ومع ذلك أجد نفسي وقد انشغلت بذات المشهد مرة أخرى: ألا ينزعج جارنا من نُباح كلبه، خاصةً في الليل وقت أن يحتاج الفرد منا إلى الهدوء التام حتى يستطيع أن ينام؟ ألم يفكر في جيرانه، وكم منهم يزعجه ذلك النُباح فيدعو على الكلب وعلى صاحبه؟! ثم، ماذا يفعل بالكلب إذا مرض؟ وهل يوجد أطباء بيطريون قريبون منا؟ أم توجد مستشفى متخصص لعلاج الكلاب؟ وكم يتكلف علاج الكلب ودواؤه يا تُرى؟ ثم، ماذا يفعل جارنا هذا وأسرته إذا أرادوا الخروج من المنزل لنزهةٍ أو للتسوق أو لسفرٍ لعدة أيام؟ هل يتركون الكلب وحده أم يضطرون لأن يبقى أحدهم معه؟ أم يعيرونه لقريب أو صديق؟ ثم، وثم، وثم، ... مرة أخرى ألزم نفسي إلزاماً بالكف عن التفكير في أمرٍ لا يخصني، ليس لي فيه ناقةٌ ولا جمل! وأعود فأقول لنفسي: "يا نفسي: دعي الخلق للخالق، وكم من عيوبٍ فيكِ عليك أن تهتمي بإصلاحها قبل أن تنظري إلى عيوب الآخرين"، وأُذَكْرُها بقول الإمام الشافعي:
وعيناك إن أبدت إليك معايباً  **   فدعها وقلْ يا عينُ للناسِ أعينُ
ورغم ذلك تراني ما زلت أفكر في الموضوع: ربما ظن جارنا أن ما يفعله مع كلبه هو نوعٌ من الإحسان إليه؟! ألم يفكر في أنه لو ترك الخيار للكلب لرأى الكلب أن أفضل إحسانٍ إليه هو تركه يعيش حياته العادية التي خلقه الله لها، فما فائدة كل هذا الاهتمام والنعيم الذي يعيش فيه وهو محرومٌ من كلبةٍ تؤانسه وتشاركه حياته وجراء صغيرةٍ يرعونها؟!

ماذا أفعل؟ كيف أكف عن التفكير والنفس أمارةٌ بالسوء؟ والسوء في حالة (جارنا وكلبه) أن تفكر نفسي في كل هذه التفاصيل فأحسُ كما لو كنت أغتاب جارنا، ليس مع شخصٍ آخر وإنما أغتابه مع نفسي! أصارحكم القول: ما ألجمني، وجعل نفسي ترتدع عن الاستمرار في التفكير في موضوع (جارنا وكلبه) هو تذكري لحديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي يقول فيه: [من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه].

الغريب أنني اكتشفت أخيراً أني لم أكن وحدي في الانشغال بهذا الموضوع، حين سألني صديق من رواد المسجد، بعد أن رأى ذلك المشهد، عن حكم الإسلام في اقتناء الكلاب، وهل يمكن الصلاة في بيت به كلب؟ فوجئت بالسؤال ولم تكن لدي إجابة حاضرة له، ولا أحب بطبعي أن أفتي في أمرٍ بغير علم، فاكتفيت وقتها بالقول: "دعني أبحث لك عن هذا الأمر، ثم أخبرك بما أصل إليه"، شكرني وانصرف.

أحبتي في الله .. يقول أهل العلم أن الإحسان إلى الحيوان مطلوبٌ شرعاً؛ يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: [فِي كُلّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْر]، ففي الْحديث الحث على الإحسان إلى الْحيوان. إن مفهوم الرفق بالحيوان بالنسبة للمسلم يجب أن يكون نابعاً من دين الله تعالى، فهو إحسانٌ وفق ضوابطَ شرعيةٍ وليس كما يهوى الإنسان، والكلب كحيوانٍ يُرفق به في حدود الضوابط الشرعية، ولا يعني هذا أن يصبح فرداً من أفراد العائلة، كما يفعل السفهاء في غير البلاد الإسلامية، فالذي أمر بالرفق هو الذي أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، بل هو الذي أخبر أن من اتخذ كلباً من غير ما يرخص فيه الشرع فهو ينقص من أجره؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: [لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ]. قال العلماء: هؤلاء الملائكة الَّذِين لا يدخلون بيتًا فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت، ولا يفارقون بني آدم في كل حال، لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم، وكتابتها. رجح بعض العلماء أن عدم دخول الملائكة عامٌ في كل بيتٍ فيه كلب ولو كان مباحاً اتخاذه. وذهب بعض العلماء إلى أنها لا تدخل بيتاً فيه كلب يحرم اقتناؤه فقط، وهذا ما رجحته اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية بقولها: من اقتنى كلباً لصيدٍ أو حراسةٍ كان ذلك جائزاً له، فلا يمنع الملائكة من دخول البيت.
وفي صحيح البخاري عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيَةٍ نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ]، كلبُ ضاريةٍ هو كلبُ الصيد. وفي صحيح مسلم عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ صَيْدٍ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ]. والقيراط هنا هو مقدارٌ معلومٌ عند الله تعالى، والمراد نقص جزءٍ من أجر العمل، وكفى بنقص أجر العمل عقوبةً للمسلم. وللجمع بين رواية نقص قيراطٍ ورواية نقص قيراطين؛ يقول العلماء: ينقص من أجره قيراطان إذا كان الكلب أشد أذىً، وينقص قيراط إذا كان دون ذلك. وقال بعضهم: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أولاً بأنه ينقص قيراط، ثم زاد بعد ذلك العقوبة فأخبر بنقص قيراطين زيادةً في التنفير من اقتناء الكلب.
السؤال الآن: هل يجوز اقتناء الكلب لحراسة البيوت؟ الجواب: لم يستثنِ النبي صلى الله عليه وسلم من تحريم اقتناء الكلب إلا ثلاثة فقط، وهي: كلب الصيد، وحراسة الماشية، وحراسة الزرع. فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجوز اقتناء الكلب لسبب غير هذه الأسباب الثلاثة، وذهب آخرون إلى أنه يجوز أن يُقاس على هذه الثلاثة ما كان مثلها أو أولى؛ فيكون من الصحيح أنه يجوز اقتناء الكلاب لحفظ البيوت، فإذا جاز اقتناء الكلب لتحصيل منفعة كالصيد، فاقتناؤه لدفع مضرةٍ وحفظ النفس من باب أولى.
أما الصلاة في البيت الذي يُربى فيه كلبٌ فصحيحةٌ إن شاء الله تعالى إذا لم يمس بدن المصلي أو ثوبه أو مكان صلاته شيءٌ من لعاب الكلب أو بوله أو عذرته أو عرقه، فإن لمسه شيءٌ من ذلك وصلى به وهو يعلم فإن صلاته باطلةٌ تجب إعادتها.

نقلت ما عرفت إلى صديقي السائل، لكن ما أخذنا نفكر فيه، كيف ننقل ما علمناه حول هذا الأمر لجارنا صاحب الكلب؟ ربما لا يعلم الرجل حُرمة ما يفعل، وكما قال نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام: [لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبَّ لنفسه]؛ فقد استقر رأينا على أن نطلب من إمام المسجد أن يتحدث عن رأي الإسلام في اقتناء الكلاب في خطبة الجمعة القادمة، التي يحرص جارنا على الاستماع إليها، فوعدنا الإمام بأن يشير إلى ذلك بإيجاز في نهاية الخطبة الثانية.

أحبتي .. إذا كنتم ممن يقتنون الكلاب لغير ما أجازه الشرع فقد أصبح الأمر واضحاً تماماً بغير لبس، انتهوا عن هذا يرحمكم الله؛ فالمؤمن وقافٌ عند حدود الله ملتزمٌ بشرعه لا يتجاوزه؛ امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿مَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً﴾، وسيبدلكم الله سبحانه وتعالى خيراً مما تركتموه تسليماً بما أمر به شرعه الحكيم.
أما الذين يقتنون الكلاب لغير حاجةٍ شرعيةٍ ويمارون ويجادلون فأخشى أن يكون أولئك ممن أُشربوا في قلوبهم الكلب، الذين ذم الله أمثالهم ممن أُشربوا في قلوبهم العجل فقال عنهم: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾، ثم ختم الآية بقوله: ﴿بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾. أو أنهم عرفوا الحق وابتعدوا عنه ظلماً لأنفسهم وعلواً وكبراً وغروراً، وهؤلاء وصفتهم الآية الكريمة: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾. ندعو لأنفسنا ولأولئك ولهؤلاء بالهداية.
اللهم لا تجعلنا من العاصين، ولا تجعلنا من الجاحدين الظالمين، ويَسِّر لنا السير على صراطك المستقيم، والالتزام بسنة نبيك الكريم.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.

تقبل الله منا ومنكم.


https://goo.gl/aepnbn