الجمعة، 30 أكتوبر 2015

ليس الإيمان بالتمني

30 أكتوبر، 2015م
خاطرة الجمعة /٤

(ليس الإيمان بالتمني)

جار لنا، يأتي يومياً مبكراً إلى المسجد قبل الأذان لصلاة العشاء بعدة دقائق، لكني لا أراه في الصلوات الأخرى، سألته إن كان يصلي باقي الصلوات في مسجد آخر، فأخبرني بأن مواعيد عمله تحول دون ذلك، وشرح لي تفاصيل ذلك. لاحظت أنه يفضل النوم لنصف ساعة إضافية في الصباح عن صلاة الفجر جماعة في المسجد الذي لا يبعد عن منزله سوى دقائق معدودة. امتد حوارنا حول أهمية المحافظة على أداء الصلوات في مواعيدها ومع الجماعة، وكان يؤكد باستمرار عن أن ما يمنعه هو إما: وجوده في العمل، أو عودته مرهقاً منه، أو استعداده له. ولخص ذلك في عبارة "السعي في طلب الرزق عبادة"! إنهاءً لحديثي معه قلت له: "السعي لإرضاء الرازق عبادة أهم".
أحبتي في الله .. هل من المناسب أن ننشغل بالسعي للرزق عن إرضاء الرازق سبحانه وتعالى؟ هل من المنطق أن نجري وراء النتائج دون الأخذ بالأسباب؟ هل من العقل أن ننتظر الحصاد من غير أن نزرع؟
كثير منا للأسف تأخذه الدنيا ويعمل لها كأنه مخلد فيها. وكثير لاهٍ عن أمر الآخرة، رغم أنه لا ينفك يدعو الله بأن يدخله الجنة، بل والفردوس الأعلى منها، وإذا سألته ماذا أعددت لها؟ يقول لك: "الأعمال بالنيات"، ويقول: "ربك رب قلوب"، ويقول: "الدين المعاملة"، ويقول: "ربك عالم بما في القلوب"، ويقول: "نحسن الظن بالله"، ويقول ويقول ويقول ... كلها للأسف أقوالُ حقٍ تقال لتبرير التقصير في حق الله سبحانه وتعالى.
ألم يقرأ قوله عز وجل: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ*مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ*لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ...﴾. ألم يتدبر معنى هذه الآية. ألم يمر عليه حديث النبي عليه الصلاة والسلام: [لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَني، وَلكِنْ هُوَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ]، و[إنَّ قَوْمًاً غَرَّتْهُمُ الأمَانِي فَخَرَجُوا مِنَ الدُّنيَا وَلا حَسَنَةَ لَهُمْ، قَالُوا نُحْسِنُ الظَنَّ بالله، وكَذَبُوا، لَوْ أحْسَنوا الظنَّ لأحْسَنُوا العَمَلَ].
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعلنا اللهم ممن نحسن الظن بك ونحسن العمل لك على الوجه الذي يرضيك عنا.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة في خاطرة جديدة إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله مني ومنكم صالح الأعمال.



الجمعة، 23 أكتوبر 2015

تجارة مربحة


23 أكتوبر، 2015م
خاطرة الجمعة /٣

(تجارة مربحة)

قضيتُ أعواماً عديدة من عمري في دولة الإمارات، وعندما عُدت متقاعداً لم يكن في ذهني العمل مرة أخرى؛ فقد كنت أتطلع للاستمتاع بالتقاعد بعد كل تلك الأعوام من العمل الشاق والمضني.
سألني أحد أصدقائي المقربين: ماذا تعمل الآن بعد نزولك النهائي من الإمارات؟ وجدتني أرد من غير تفكير: أعمل بالتجارة. رفع حاجبيه مندهشاً وسألني ليتأكد من صحة ما سمعه: بالتجارة؟! قلت: نعم. وبلهجة خبير قال لي: لكن الكل يشكو من الركود. وأردف محذراً: هذه مخاطرة كبيرة. قلت ببساطة: نوع التجارة التي اخترتها لنفسي لا ركود فيها، أرباحها عالية ومضمونة، وكلما عملت بأكثر مما هو مطلوب منك تتضاعف تلك الأرباح. قال: لا تقل لي أنك تضارب في البورصة والأوراق المالية، احذر فالبورصة فخ لمن لا يعرف أسرارها.
أردت أن أدخل في الموضوع مباشرة فقلت له: يا عزيزي إنها تجارة لا تحتاج إلى رأس مال، ولا يشترط فيمن يمارسها أن تكون لديه خبرة فيها، ولا تحتاج إلى استخراج تراخيص، ولا سجل تجاري، ولا يتم دفع رسوم عنها، بل ولا تدفع ضرائب عن أرباحها. فقط على من يرغب في ممارسة هذه التجارة أن يمتلك الإرادة والعزم وينوي الإخلاص ويبدأ باسم الله. أحس صديقي وقتها أن حديثي لم يكن عن عمل من أعمال التجارة المعروفة. لم أترك له فرصة للتفكير؛ فقلت له: إنها التجارة مع الله سبحانه وتعالى. قال وقد فهم مقصدي: ونعم بالله، أعانك الله وثبتك.
أحبتي يقول المولى عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ فهل أسهل من ذلك تجارة: تلاوة القرآن، المحافظة على الصلاة، إنفاق المال بالزكاة والصدقات، الصوم، قيام الليل، وذكر الله والتسبيح، وكل أعمال الخير والبر من صلة رحم، وسعي في خدمة الناس، المهم إخلاص النية لله، والبعد عن الرياء.
يحثنا ويشجعنا رب العزة على ذلك فيقول في كتابه الكريم: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
هذه هي التجارة مع الله، ثوابها عند الله عظيم؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾. فهل من تجارة أكثر ربحاً من أن يكون ختامها المسك؟ وأن يكون الفوز العظيم هو مكسبها؟
أحبتي: هلموا قبل فوات الأوان، بادروا وشمروا عن سواعد الجد قبل أن يقول أحدنا: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة في خاطرة جديدة إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله مني ومنكم صالح الأعمال.

https://goo.gl/kGDwh4

الجمعة، 16 أكتوبر 2015

أستغفر الله من كل ذنب


16 أكتوبر، 2015م
خاطرة الجمعة /٢

(أستغفر الله من كل ذنب)

كنا نسكن في منطقة النيادات بمدينة العين بدولة الإمارات، منطقة سكنية هادئة قليلة السكان، وكان بجوار سكننا مسجد صغير يصلي فيه من في الجوار، ويعرف بعضنا بعضاً ..
في أحد الأيام صلى بجواري في المسجد شخص غريب لم أره من قبل، ربما كان عابر سبيل أو زائراً لأحد الجيران، وكعادتي بعد أن أنهيت صلاتي بدأت في التسبيح وربما علا صوتي قليلاً، المهم أني لاحظت أن هذا الشخص قد ختم صلاته وظل جالساً، أحسست أنه ينتظرني حتى أفرغ من التسبيح، وصدق حدسي فوجدته يبادرني بالتحية ثم قال لي أنه سمعني أدعو وأقول: "أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم" .. وبالفعل كان هذا أحد الأدعية التي حفظتها من صغري وتعجبني ويشدني إليها ما فيها من سجع له وقع طيب في نفسي .. قلت مستوضحاً: وماذا في ذلك؟ هل من خطأ في هذا الدعاء؟ قال لي ببساطة: دعوت الله أن يغفر لك ذنوبك العظيمة، فهل لك رب سواه يغفر لك ذنوبك غير العظيمة؟ .. ألقى علي السؤال وتركني وأنا مندهش .. ما قاله الرجل واضح ومنطقي فكيف لم أنتبه إليه من قبل؟ يا إلهي لقد كررت هذا الدعاء آلاف المرات كيف لم أنتبه لهذا المعنى رغم وضوحه؟
من يومها صار دعائي "أستغفر الله العظيم من كل ذنب" .. أقف عند ذلك ولا أصف الذنب بالعظيم أبداً، إلا في حالة إذا حكيت هذه القصة كما رويتها لكم الآن لأحد الأحبة أو لمصلٍ بجواري في المسجد أسمعه يقول الدعاء كما كنت أقوله من قبل.
لكني أتساءل دائماً بيني وبين نفسي هل كانت تلك صدفة؟ أم هو تدبير من الله سبحانه وتعالى لتوجيهي وتصويب دعائي؟
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة في خاطرة جديدة إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله مني ومنكم صالح الأعمال.
https://goo.gl/vRkvfz


الجمعة، 9 أكتوبر 2015

أذان بدون إقامة، وإقامة بغير أذان

 9 أكتوبر، 2015م
خاطرة الجمعة /١

(أذان بدون إقامة، وإقامة بغير أذان)

لماذا نؤذن في أذن المولود لحظة ولادته، أذان لا تعقبه إقامة كجميع الصلوات .. وبعد عمر طال أو قصر نصلي عليه صلاة الجنازة بإقامة من غير أذان؟
أعتقد - من وجهة نظري - أن الحكمة من ذلك بيان أن معيشتنا في الحياة الدنيا لا تساوي مقارنًة بحياة الخلود في الآخرة إلا كما تساوي أربعة تكبيرات وبعض دعوات من زمن .. أو قل مقدار ما بين الأذان والإقامة لأي صلاة .. دقائق معدودات ..
فمهما طالت معيشتنا في الدنيا، ولسنا بخالدين فيها، فمآلنا إلى الحياة الحقيقية وهي في الآخرة: خلود في الجنة نتمناه، أو خلود في النار نعوذ بالله منه ..
وما يؤكد أن حياتنا الحقيقية هي التي في الآخرة قوله تعالى: "يا ليتني قدمت لحياتي" ..
فالدنيا مزرعة الآخرة .. نزرع فيها لنحصد في الآخرة "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" .. "وما ربك بظلام للعبيد" ..
فمن يتفكر في ذلك لا يسعه إلا أن يسارع إلى فعل الخيرات ويعين كل من يفعلها .. ويبادر إلى البعد عن عمل السيئات والتوبة عن إعانة من يفعلها .. فكل ذلك نحن مسئولون عنه ومحاسبون عليه ..
قال أحدهم: الحياة الدنيا مثل لجنة امتحان .. عمرك هو زمن الإجابة .. فإذا انتهى زمن الإجابة سحبت ورقتك .. وليس أمامك سوى انتظار النتيجة إما ناجح والحمد لله أو راسب والعياذ بالله .. لا يوجد تمديد لزمن الإجابة .. ولا يوجد امتحان دور ثانٍ ..
وأقول في نفسي كل صباح عندما أستيقظ: لقد وهبني الله زمناً إضافياً فضلاً منه ورحمة عسى أستطيع أن أستغله في المزيد من عمل الخير، وعسى أن أبادر لمراجعة النفس والتوبة والبعد عن عمل السيئات ..
كل يوم جديد هو فرصة جديدة .. وهو منحة متجددة من عطاء ربٍ كريم ..
فأقول: "الحمد لله الذي عافني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره" .. وأقول: "الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور"..
أحبتي في الله ..
الدنيا ساعة .. فاجعلوها طاعة ..
تقبل الله مني ومنكم صالح الأعمال.

https://goo.gl/k39oAC